جملة اعتراضية| حوار بين شاب ثوري ومواطن مستقر (علاء الأسواني)
علاء الأسواني
حدث ذلك في مقهى «ستراند» في باب اللوق.. كانت الساعة الخامسة مساء والزبائن قليلون وخلف الحاجز الزجاجي، جلس شاب يكتب على جهاز «آي باد» أمامه بينما جلس الى المائدة المجاورة رجل أشيب يتجاوز الخمسين من العمر راح يدخن الشيشة باستمتاع. توقف الشاب عن الكتابة ومد ذراعيه جانباً في الهواء وراح يحرك جسده يميناً ويساراً، كأنما يريح عضلاته. بادره الرجل الجالس بجواره قائلا بود
ـ إنت بتذاكر. ربنا معك يابني؟
ضحك الشاب وقال:
ـ أنا تخرجت في الجامعة من زمان بس أنا شكلي صغير. أنا عمري 30 سنة.
ابتسم الرجل وقال:
ـ 30 سنة. يا بختك. أنا عمري 58 سنة. يعني باقي لي سنتين على المعاش.
ـ حضرتك بتشتغل فين؟
ـ أنا اسمي عبد الحميد شتا مدير ادارة المراجعة في وزارة التموين.
مد الشاب يده مصافحاً وقال:
ـ تشرفنا.. أنا ناجي البسيوني مهندس اتصالات وعندي مكتب كمبيوتر صغير في ميدان الجيزه..
جذب عبد الحميد نفسَاً عميقاً من الشيشة ثم نفث الدخان الكثيف وقال:
ـ قل لي ياباشمهندس.. هو المشير السيسي هيطلع الليلة تاني في التلفزيون؟
ناجي: ما أعرفش والله.
عبد الحميد: بصراحة أنا بأحب أتفرج عليه جداً.. الرجل ده هو البطل اللي بلدنا محتاجه له.. لا مؤاخذة يعني، إحنا كمصريين بنخاف ولا نختشيش.. ما ينفعش معنا إلا الشدة.. عاوزين رجل زي السيسي عشان يشكمنا تمام…
ناجي: الحقيقة يا أستاذ عبد الحميد الشعب المصري أحسن من اللي حضرتك بتقوله. لو كنا جبناء زي ما بتقول ما كناش قدرنا نعمل ثورة ونحبس رئيسين في ثلاث سنوات.. أي رئيس جمهورية وظيفته خدمة الشعب وتطبيق القانون، ومش وظيفته انه يشكم الناس كأنهم فراخ أو أرانب.
نظر اليه عبد الحميد باسترابة وقال:
ـ هو انت من النشطاء بتوع الثورة؟
ناجي: على فكرة، لفظ نشطاء اخترعه الاعلام الفاسد، للسخرية من الثوريين. أنا مهندس. اشتركت في الثورة ولي الفخر.. الثورة كانت أجمل وأنبل أيام حياتي.
عبد الحميد: طيب وأنت مش عاجبك السيسي في ايه؟
ناجي: من قال لك إنه مش عاجبني؟ المشير السيسي قام بدور عظيم وساند الشعب في التخلص من «الإخوان» الإرهابيين.. لكن ده مش معناه ان إحنا نوقع له على بياض، ولا معناه انه بالضرورة ينفع رئيس جمهورية.
بدا على عبد الحميد بعض الارتباك فبدأ ناجي يشرح على مهل:
ـ افرض ياحاج إنك راجع البيت فقابلت مجرمين هجموا عليك بالمطاوي وسرقوك، وفجأة ظهر ضابط شرطة قبض على المجرمين وأنقذك منهم.
عبد الحميد: يبقى كثر خيره ويبقى بطل.
ناجي: هو فعلا يبقى بطل لكن هل ده معناه انه ينفع يشتغل وزير التموين؟
عبد الحميد: لا طبعاً دي حاجة ودي حاجة.
ناجي: الله ينوّر عليك.. يبقى كون السيسي قائد عسكري عظيم وكونه قام بدور وطني مش معناه بالضرورة انه ينفع رئيس جمهورية.
عبد الحميد: اسمح لي ياناجي.. أنت في سن ابني.. طريقة تفكيرك دي حتودي البلد في داهية.. إحنا ما صدقنا لقينا رجل نثق فيه يقدر يطلع البلد من المصيبة اللي وقعت فيها.. كفاية ثورة بقى. خَذنا ايه من الاعتصامات والإضرابات غير وجع الدماغ ووقف الحال.
ناجي: الثورة عمرها ما كانت سبب وقف الحال لأنها لم تحكم أساسا.. السبب في تدهور الوضع، المجلس العسكري اللي حكم بعد مبارك واللي كان السيسي عضو فيه، والمسؤول معهم «الاخوان» اللي المجلس العسكري ساعدهم على الوصول لحكم مصر.
عبد الحميد (محتداً): لا يا سيدي. اللي جاب لنا «الاخوان» هم النخبة الفاسدة اللي راحت دعمت مرسي في الانتخابات ووقعوا معه اتفاق في فندق فيرمونت.
ناجي (مبتسماً): على فكرة الكلام ده غير صحيح.. رغم اني اعترضت على اتفاق فيرمونت لكنه للأمانة اتعمل بعد إغلاق صناديق الانتخابات.. الشخصيات السياسية اللي اجتمعوا في فندق فيرمونت أخذوا تعهدات من مرسي لحماية الثورة ولم يدعموه في الانتخابات لأنها كانت انتهت أساساً.. لكن للأسف القنوات الفضائية المملوكة لفلول مبارك بتعمل عملية غسيل مخ للناس عشان يكرهوا الثورة واللي عملوها. افتكر يا حاج مين اللي غير لجنة تعديل الدستور ووضع فيها «الاخوان»؟ مين اللي سمح بقيام الأحزاب الدينية أساسا مع انها ممنوعة في الاعلان الدستوري؟ مين اللي سكت على تجاوزات «الاخوان» أثناء انتخابات مجلس الشعب؟ مين اللي سلم مرسي السلطة عن طريق انتخابات بنكتشف دلوقت إنها مزورة..؟ الإجابة دائماً هي ان المجلس العسكري هو اللي تعمد تسليم السلطة لـ«الاخوان». بالاضافة الى المذابح اللي حصلت ومات فيها شباب كثير، والمسؤول عنها أيضاً المجلس العسكري.
عبد الحميد: المشير السيسي كان عضو في المجلس العسكري لكن المسؤول الوحيد هو المشير طنطاوي لأنه كان القائد وبقية الأعضاء بينفذوا أوامره…
ناجي: بغض النظر عن مسؤولية المشير السيسي، أي مصري استشهد في خلال الثلاث سنوات لازم يتحقق له القصاص.. لا بد من عدالة انتقالية لأن أجهزة الدولة ما زالت بنفس تركيبة نظام مبارك ولا يمكن انها تدين نفسها بنفسها.. لاحظ ان المشير السيسي لم يتكلم إطلاقاً عن العدالة الانتقالية ولا حقوق الشهداء، ولم يتكلم عن محاربة الفساد ولا استرجاع الأموال المهربة من مبارك وعصابته، بالاضافة ان أعضاء حملة السيسي نصفهم فلول.
عبد الحميد: يعني عاوز المشير السيسي يستبعد اللي بيحبوه؟
ناجي: لازم يستبعدهم. الموضوع هنا مش شخصي. لو السيسي مع الثورة فعلا يبقى لا يمكن يعطي فرصة لعودة نظام مبارك اللي رموزه بينافقوه من أجل الاحتفاظ بثرواتهم المنهوبة من الشعب. اذا كان السيسي مع الثورة كيف يسمح بحبس شبان الثورة لمجرد انهم مشيوا في تظاهرة؟
عبد الحميد: قانون تنظيم التظاهر موجود في كل البلاد الديموقراطية.
ناجي (مبتسماً): ده كلام الاعلام الكذاب. ما فيش بلد ديموقراطي في الدنيا ينحبس فيها مواطن خمس سنين لأنه مشي في تظاهرة.
عبد الحميد: طيب وهو المشير السيسي ماله بقانون التظاهر؟
ناجي: السيسي قال بنفسه في التلفزيون انه طالب بقانون التظاهر يعني هو موافق على حبس الناس ظلم. أنا لي أصحاب كثير مرميين في السجن مع المجرمين لأنهم رفعوا لافتة أو مشيوا في تظاهرة وأحيانا كانوا معْديّين في الشارع.
عبد الحميد: يعني أنت عاوز كل يوم تظاهرات لغاية لما البلد تخرب؟
ناجي: أنا موافق على تنظيم التظاهرات، انما المتظاهر السلمي لا يجوز ينحبس خمس سنين، بينما قناص العيون اللي فقع عيون عشرات الشبان بالخرطوش ينحبس ثلاث سنين.
عبد الحميد: شبعنا كلام نظري. إحنا محتاجين الأمن أولا وبأي ثمن.
ناجي: كلامي مش نظري. نفترض ان عندك شقة مفروشة وأنا جبت لك رجل يسكنها. ينفع تسكنه من غير عقد؟
عبد الحميد: ما ينفعش من غير عقد.
ناجي: حتى لو قلت لك إنه رجل طيب ومتدين.
عبد الحميد: في كل الأحوال لازم يكتب معي عقد. حد ضامن عمره؟
ناجي: هل إصرارك على العقد معناه انك غير واثق في الساكن؟
عبد الحميد: لا طبعاً.. الساكن ممكن يبقى سيد الناس لكن برضه لازم يكتب عقد.
ناجي: أنا بقى مش معترض على شخص المشير السيسي لكني معترض انه يتولى رئاسة الجمهورية من غير ما يكتب عقد مع الشعب.. العقد هو نظام ديموقراطي يجعلنا بعد أربع سنين نقدر نشيله من الحكم عن طريق صناديق الانتخابات لو أردنا..
عبد الحميد: يعني أنت بتعتبر الانتخابات مزورة قبل ما تحصل؟
ناجي: الانتخابات الديموقراطية لها شروط من أهمها شفافية التمويل. يعني لازم نعرف حجم ثروة كل مرشح وإيه مصدرها. بالاضافة الى ان قانون الانتخابات مخالف للدستور لأنه قام بتحصين قرارات اللجنة العليا، علماً ان التحصين ده كان السبب في تزوير الانتخابات لمصلحة مرسي، بالاضافة ان قانون الانتخابات بيحسب الدعم المالي ولا يحسب الدعم العيني، يعني لو عملت لافتات وسرادقات بالملايين للمرشح يبقى خارج الحساب. هذه الانتخابات غير ديموقراطية حتى لو ماحصلش تزوير.. المشير السيسي نفسه قال ان الديموقراطية ما تنفعش في مصر الا بعد عشرين سنة.. يعني هو عارف انه لا توجد ديموقراطية الآن.
عبد الحميد: مهما قلت أنا بأحب السيسي.
ضحك ناجي بود وقال:
ـ حقك يا أستاذ عبد الحميد. لكن افتكر إن المصريين لما أحبوا عبد الناصر واستغنوا عن الديموقراطية كانت النتيجة هزيمة 1967.. المفروض نتعلم من التاريخ.
عبد الحميد: برضه بأحب السيسي وهأنتخبه..
ناجي: كان نفسي أكمل المناقشة لكن عندي ميعاد في المكتب.. فرصة سعيدة جداً..
وقف عبد الحميد وصافح ناجي بحرارة وتبادلا أرقام التليفونات.. حمل ناجي جهاز الآي باد واستدار لينصرف وقبل أن يصل الى الباب صاح عبد الحميد بمرح:
ـ على فكرة أنا نسيت أسألك هتنتخب مين. شكلك كده حتقاطع الانتخابات…
ابتسم ناجي وقال:
ـ بصراحة أنا كنت حقاطع لكني غيرت رأيي وحانتخب حمدين صباحي. عارف ليه؟ عشان هيكتب عقد مع الشعب وحيفرج عن زملائي المحبوسين ظلماً ولا يمكن يقبل ان نظام مبارك يرجع يحكمنا.
ابتسم عبد الحميد وتابعه بنظره حتى خرج من باب المقهى ثم طلب حجراً جديداً للشيشة وراح يدخن ويفكر في كلام ناجي..
الديموقراطية هي الحل