جملة اعتراضية| متى يرحل مرسي؟ (علاء الاسواني)

 

علاء الاسواني

«الإخوان» في مصر، لا علاقة لهم بالإسلام، فقد رفض مجمع البحوث، وهو أعلى سلطة فقهية في مصر، مشروع الصكوك الإسلامية، فأصروا على تنفيذ المشروع بعد حذف كلمة الإسلامية، برغم مخالفته للشريعة.
هذه واقعة شهدها شاب أعرفه وهو على استعداد للإدلاء بشهادته.
يوم السبت 9 آذار الساعة الرابعة بعد الظهر، ذهب الشاب الى منطقة الاشتباكات أمام فندق «شبرد» على كورنيش النيل، لاحظ الشاب ان المتظاهرين يحتلون أحد الأرصفة، وعلى الرصيف المقابل رأى ضباط وجنود الأمن المركزي ومعهم مجموعة كبيرة من الشبان الذين يتبادلون إلقاء الحجارة مع المتظاهرين، بينما قنابل الغاز تنهمر بلا توقف. بدا واضحاً ان الشبان الواقفين مع الأمن المركزي يخضعون لقيادة ضابط يعطيهم الأوامر. عندما اشتد الضرب تمكن الشاب بعد مفاوضات من إقناع الضابط أنه مجرد عابر سبيل وليس متظاهراً. خرج الشاب من منطقة الاشتباكات وبعد عدة أمتار استوقفه رجلان وسألاه:
ـ كيف نذهب الى باب اللوق؟
وصف لهما الشاب الطريق ولاحظ أن لهجتهما غير مصرية فسألهما عن بلدهما. عندئذ ابتسم أحدهما وقال:
ـ نحن إخوانٌ لك من غزة.
رحب بهما الشاب ولم يتركهما حتى تأكد أنهما في طريقهما الى منطقة باب اللوق.
هذه الواقعة لها دلالتان أولاً، أن قوات الشرطة تستعمل مرتزقة مدنيين، وهؤلاء اذا تلقوا الأوامر، يمكنهم أن يخربوا ويحرقوا أية منشآت، فتنسب الجريمة الى المتظاهرين، بينما تظل الشرطة بعيدة عن الاتهام والمحاسبة. السؤال الأهم: ماذا يفعل إخوتنا القادمون من غزة وسط اشتباكات المتظاهرين مع الشرطة؟ أنا لا أتهم أحداً ويسعدني دائماً وجود أهلنا من غزة في مصر لكني أتساءل: هل من الطبيعي أن يعرض شخص غير مصري نفسه للموت ويقف في منطقة اشتباكات وسط طلقات الخرطوش والرصاص الحي؟ لماذا يخاطر بحياته بينما هو لا ناقة له ولا جمل في الاشتباكات الدائرة بين الشرطة والمتظاهرين؟ لماذا ذهب الشابان القادمان من غزة الى منطقة باب اللوق التي كانت في تلك الساعة مغلقة تماما بسبب تظاهرات عنيفة أدت الى إحراق عدة محلات ومطاعم. ما علاقة وجود هذين الشابين بما يردده خبراء أمنيون من استعانة «الإخوان» بعناصر من حركة «حماس» لتنفيذ مخططاتهم في مصر؟
لا جدوى من التحقيق في مثل هذه الواقعة لأن النائب العام الذي عينه مرسي، بالمخالفة للقانون، اتجاهاته معروفة. الأحداث في مصر تندفع الى سياق غريب ومريب.. لقد استعمل مرسي وزير الداخلية محمد ابراهيم الذي أراد أن يقدم أوراق اعتماده لـ«الإخوان» فارتكب جرائم بشعة في بورسعيد ومدن أخرى أدت الى استشهاد أكثر من 80 شهيداً خلال شهر واحد، بخلاف مئات المعتقلين الذين تم تعذيبهم في معسكرات الأمن المركزي. كل جرائم مرسي ووزير داخليته موثقة بالصوت والصورة وعشرات التقارير. أراد مرشد «الإخوان» أن يسيطر على الدولة المصرية ويفرض إرادته عليها باستعمال سياسة قمعية أشد من تلك التي استعملها مبارك. على أن الثورة قد غيرت طريقة تفكير المصريين جميعاً، بمن فيهم ضباط الشرطة أنفسهم. استجاب بعض ضباط الشرطة لتعليمات وزير الداخلية فقتلوا وسحلوا وفقأوا العيون بالخرطوش، وعذبوا المعتقلين بالكهرباء وهتكوا أعراضهم، بل أمروا باغتصاب الرجال في أكثر من حالة موثقة. لكن قطاعاً كبيراً من ضباط الشرطة رفضوا أن يستعملهم «الإخوان» كأداة لقمع المصريين كما فعل مبارك، فأعلنوا الإضراب وطالبوا باستقالة وزير الداخلية حليف «الإخوان» الذي ظهر في مؤتمر صحافي لينفي كل الجرائم التي ارتكبها، ثم راح يهدد المصريين اذا استمروا في التظاهر بأن الشرطة ستنسحب وتتركهم يتصرفون مع بعضهم البعض. في العالم كله اذا فشل مسؤول في أداء عمله يقدم استقالته ويترك منصبه لمن هو أجدر منه، أما في مصر فإن وزير الداخلية، بعد كل الجرائم التي ارتكبها، يهدد المصريين بانسحاب الشرطة. أي أنه يخير المصريين بين الإذعان لإرادة مرشد «الإخوان» أو الفوضى. لم يقف الأمر عند ذلك، فقد تقدمت وزارة الداخلية بمشروع الى وزارة العدل تقترح فيه إعطاء الضبطية القضائية لشركات الأمن الخاصة.. معنى ذلك ببساطة تمكين «الإخوان» من تكوين عشرات الشركات الأمنية الخاصة التي ستحصل على تصاريح بأسلحة ويكون بإمكانها القبض على معارضي «الإخوان» والتنكيل بهم باسم القانون. في نفس الوقت أعلنت الجماعة الاسلامية (التي تحمل تاريخاً طويلاً من الإرهاب وسفك الدماء) عن تكوين ميليشياتها لحفظ الأمن.. كما ظهر الشيخ حازم أبو اسماعيل فجأة وأعلن أن أتباعه سينزلون الى الشارع وسيفعلون كل شيء من أجل حماية حكم «الإخوان». الأغرب من ذلك أن النائب العام (المعين من مرسي) أعلن أن من حق أي مواطن أن يقبض على المخربين. من حقي اذن ومن حق أي مواطن أن يقبض على أي مواطن آخر اذا اعتقد أنه مخرب. من هو المخرب وما هي المعايير التي تحدد جريمة التخريب؟ أيُ قانون هذا الذي يمنح الأفراد سلطة الدولة في القبض على الناس؟ ماذا لو استعمل الناس الحق الذي منحه لهم النائب العام في تصفية خصوماتهم الشخصية؟ إن كلام النائب العام تصريح واضح لميليشيات «الإخوان المسلمين» حتى تحل محل الشرطة النظامية.. إنها للأسف دعوة خطيرة ستنتج عنها فوضى وستؤدي قطعاً الى حرب أهلية لأن «الإخوان» اذا أنزلوا ميليشياتهم الى الشوارع، فسيكون من حق معارضي «الإخوان» أن يشكلوا هم أيضاً ميليشياتهم المسلحة.. إن «الإخوان المسلمون» لا يهتمون إلا بإحكام سيطرتهم على الدولة المصرية حتى ولو كان ثمن سيطرتهم سقوط مصر كلها في حرب أهلية، أو كارثة سيدفع ثمنها أبناؤنا وأحفادنا. إن شهوة «الإخوان» للحكم قد أعمتهم تماماً، فهم يواصلون تجاهل الواقع وإنكار الحقيقة الساطعة.. «الإخوان» يعتبرون ملايين المعارضين لهم من فلول النظام السابق أو عملاء للصهيونية أو معادين للإسلام تحركهم عداوتهم للشريعة. وفي الوقت نفسه الذي يخطب فيه «الإخوان» ود إسرائيل ويستعينون بالفلول ويعقدون الصفقات معهم ويعدّون قانوناً سيمكن الفلول، الذين نهبوا مصر، من العودة مكرمين معززين في حماية «الإخوان». لقد بات واضحاً أن «الإخوان» لا علاقة لهم بالإسلام، لقد رفض مجمع البحوث (أعلى سلطة فقهية في مصر) مشروع الصكوك الإسلامية الذي قدمه «الإخوان»، لكنهم حذفوا كلمة إسلامية وأصروا على تنفيذ المشروع برغم مخالفته للشريعة؟ هل تتسق جرائم «الإخوان» مع مبادئ الإسلام؟ هل يقر الاسلام القتل والتعذيب والكذب والتزوير؟ إن الاسلام لم يقدم نموذجاً محدداً للحكم، وإنما قدم مبادئ إنسانية عامة: الحرية والمساواة والعدالة التى هي ذاتها مبادئ الديموقراطية، كما أن تجارب الاسلام السياسي في إيران وأفغانستان والصومال والسودان انتهت كلها بأنظمة استبدادية فاشية تظلم الناس وتقمعهم وتقتلهم باسم الدين.
ـ لقد كان أمام مرسي فرصة ذهبية لكي يجمع الأمة حوله ويحقق أهداف الثورة. كان بإمكانه إعطاء نموذج للرئيس الاسلامي الرشيد العادل، لكنه نسف هذه الفرصة وأهدرها لحساب مكتب الإرشاد. المصريون تقبلوا فكرة حكم «الإخوان» وصوتوا لمصلحتهم، ولعلنا نذكر فرحة ملايين الناس عندما أعلن عن فوز مرسي في انتخابات الرئاسة وخسارة شفيق ممثل النظام القديم. لكن الذين هللوا لفوز مرسي سرعان ما فوجئوا بأنه شخص يعد ولا يفي أبداً ويقول شيئاً ويفعل عكسه. رئيس غريب الأطوار، منفصل عن الواقع، عاجز عن اتخاذ القرار، ينفذ تعليمات المرشد. لقد وضع مرسي الاعلان الدستوري ليحطم النظام الديموقراطي ويضع نفسه فوق القانون ويحصن اللجنة التأسيسية الباطلة ومجلس الشورى الباطل، ويفرض على المصريين دستور «الاخوان».. إن مرسي هو الذي أفسد علاقته بالمصريين وليس العكس. الملايين الذين نزلوا الى الشوارع يحتفلون بمرسي هم الذين تظاهروا بعد أسابيع قليلة ليهتفوا بسقوط حكم المرشد. إنه لأمر بالغ الدلالة أن معظم الشهداء الذين قتلتهم شرطة مرسي أعطوه أصواتهم في انتخابات الرئاسة، أي أنهم انتخبوه ليقتلهم.. إن مرسي الذي عطل القانون وحنث في قسمه على احترام الدستور وقتل عشرات الأبرياء قد فقد شرعيته تماما، وصار لزاماً عليه أن يستقيل ويدعو الى انتخابات رئاسية مبكرة. من البديهي في النظام الديموقراطي أن قتل المواطنين يسلب أي رئيس شرعيته، لكن الولايات المتحدة، في ما يبدو، ستظل تدعم مرسي حتى لو قتل المصريين جميعاً.
لقد جاء وزير الخارجية الأميركي خصيصا لكي يساعد مرسي على البقاء في السلطة برغم كل جرائمه. من الوقاحة أن تزعم الولايات المتحدة أنها تدعم مرسي لأنه رئيس منتخب، فقد كانت حركة «حماس» منتخبة في غزة، ومع ذلك ناصبتها أميركا العداء منذ اليوم الأول، كما دعمت الولايات المتحدة الديكتاتور مبارك، بل ان أقرب حلفاء أميركا هو النظام السعودي الاستبدادي الذي ينتمي سياسيا الى العصور الوسطى… الولايات المتحدة تدعم «الإخوان» لأن وجودهم في مصلحتها ومصلحة إسرائيل، ولو أنها استشعرت أقل خطر من «الإخوان» لانقلبت عليهم، ولأدانت عندئذ الجرائم التي يرتكبونها كل يوم في حق المصريين. لم يستوعب «الاخوان» الدرس من سقوط مبارك. لم يتعلموا أن أميركا لا تلعب الا مع الفائز وأنها تظل تدعم الديكتاتور فاذا تأكد سقوطه نفضت يدها عنه. لم يتعلموا أن الدعم الخارجي للحاكم لا يمكن أن يغنيه عن تأييد الشعب. ان «الاخوان» يتعاملون مع الواقع بأدوات قديمة لم تعد تصلح. لا ارهاب المصريين صار يجدي ولا القتل ولا التعذيب قادران على ترويع المصريين وإثنائهم عن المطالبة بحقوقهم، ولا بضعة مقاعد في البرلمان تصلح لرشوة الثوريين. حتى الجرائم التي ارتكبتها الشرطة لحماية مبارك لم يعد بإمكانها أن تعيد ارتكابها لحماية مرسي. البيانات الكاذبة والأرقام الاقتصادية الدعائية المختلقة والشعارات الرنانة تغطي على جرائم النظام. كل هذه أساليب انتهت صلاحيتها مع مبارك و«الاخوان» يحاولون استعادتها فيفشلون. لم تعد القضية الآن ماذا يقرر مرسي وماذا يفعل وإنما متى يرحل عن الحكم. كيف نتعامل مع رئيس قتل مواطنيه؟ ان مبارك محبوس بتهمة قتل المتظاهرين، وهي ذات الجريمة التي ارتكبها مرسي. لا بد أن يرحل مرسي ويحاكم كما رحل مبارك وحوكم.
ان الإضراب العام يجب أن يتصاعد ويمتد الى جميع قطاعات المجتمع حتى يصل الى العصيان المدني الشامل. هذه الطريقة الوحيدة لكي يمتثل «الإخوان» للإرادة الشعبية ويذعنوا لمطالب الثورة: إسقاط الدستور وانتخابات رئاسية مبكرة وإقالة النائب العام ومحاكمة قتلة الشهداء، وأولهم مرسي ومحمد ابراهيم وزير الداخلية. الثورة مستمرة حتى تحقق أهدافها أما «الإخوان المسلمون» فسوف يسقطون وسيدفعون ثمن جرائمهم قريباً… أقرب مما يظنون.
الديموقراطية هي الحل

صحيفة المصري اليوم

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى