جيوفاني أريغي يعيد تأريخ صعود الرأسمالية ونكوصها

المؤلف يفرد في كتابه فصلاً مطولاً للهيمنة الأميركية التي يعتبرها تحوّلاً في نموذج السيطرة من الاستعمار التقليدي إلى الهيمنة عبر المؤسسات المالية والتجارية.
يتتبع كتاب “القرن العشرون الطويل: المال السلطة وأصول عصرنا” للمؤلف جيوفاني أريغي، العلاقة بين تراكم رأس المال وتشكُّل الدول على مدى حقبة زمنية مدتها 700 عام.
ويقدّم الباحث الإيطالي أريغي في كتابه المرجعي أطروحة شاملة تعيد تأريخ صعود الرأسمالية العالمية ونكوصها، انطلاقا من تحليل عميق لدورات القوة الاقتصادية وتحوّلات النفوذ العالمي.
فأريغي يجادل في أن الرأسمالية قد كشفت عن سلسلة من “القرون الطويلة” المتعاقبة، كل واحد منها أنتج قوة عالمية جديدة أمَّنت السيطرة على فضاء اقتصادي عالمي متوسع، بتفحص المصائر المتغيرة للرأسمالية الفلورنسية والڤينيسية والجنوية والهولندية والإنكليزية، وأخيراً الأميركية.
والكتاب الذي نُشر بنسخته الإنكليزية الأصلية عام 1994، صدر بالعربية ضمن المشروع الوطني للترجمة عن الهيئة العامة السورية للكتاب مؤخرا، وترجمه عدنان حسن في نسخة إلكترونية تقع في 524 صفحة.
ويركز أريغي على فكرة أن الرأسمالية لا تتطور بخط مستقيم، بل عبر دورات كبرى من الصعود والهبوط؛ تبدأ بسيادة نموذج إنتاجي، ثم تتضخم إلى نمط مالي مضارب، لينتهي الأمر بأزمة تعقبها إعادة هيكلة للهيمنة، يتتبع في ذلك ثلاثة أطوار سابقة: الهيمنة الهولندية، فالهيمنة البريطانية، وصولاً إلى الهيمنة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية.
ويتقاطع الكتاب مع أفكار المفكر الفرنسي فرنان بروديل صاحب نظرية المدة الطويلة في التاريخ، عبر دراسة التاريخ من خلال تحليل بنى اجتماعية، واقتصادية، وبيئية، بدلاً من التركيز على السياسة ورجالاتها، حيث يزاوج أريغي بين هذه الأفكار والنقد الماركسي للرأسمالية.
ويستخدم أريغي نماذج مثل (المال – السلعة – المال المضاعف) لتوضيح منطق التراكم، ويحلل كيف انتقلت القوة من المراكز التجارية في العصور الوسطى إلى أنظمة رأسمالية ذات طابع عالمي مؤسسي.
ويفرد المؤلف فصلاً مطولاً للهيمنة الأميركية التي يعتبرها امتداداً، وكذلك تحوّلاً في نموذج السيطرة من الاستعمار التقليدي إلى الهيمنة عبر المؤسسات المالية والتجارية (كصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية)، ويرى أن بوادر انهيار هذا النموذج بدأت في سبعينيات القرن العشرين مع التحول نحو المضاربات المالية وتفكيك التصنيع.
ويختم أريغي كتابه بالتساؤل: هل ستكون الصين الوريث الجديد؟ لكنه لا يقدم إجابة حاسمة بل يلمح إلى أن النموذج التنموي الصيني المبني على الإنتاج أكثر من المال قد يعيد الرأسمالية إلى “أرضها” الآسيوية، ولكن بشكل مختلف أكثر جماعية.
وينتهي الكتاب إلى أن “القرن العشرون الطويل” ليس مجرد قراءة اقتصادية، بل تأريخ مغاير للعالم الحديث من زاوية المال والسلطة والهيمنة، يلزم السياسيين كما المؤرخين، ويقدم للباحثين أداة لفهم العالم كما يتشكّل، لا كما يروى.
وستعود أجيال المستقبل إلى المؤلف بوصفه أحد أبرز نجوم الحقبة التي عاشها، فقد وصفه ديفيد هارڤي بأنه “كان يمتلك القدرة العجيبة على استخلاص الأنماط من التعقيدات المتشابكة للسجل التاريخي، مكرساً سمعته كواحد من أعظم علماء الاجتماع التاريخي المقارن”.
ميدل إيست أونلاين