حائز نوبل يوجين أونيل في رحلة المسرح والبحث عن الذهب
مثل سيزيف الذي يصعد ويهبط الجبل في حراك أبدي، أراد الكاتب المسرحي يوجين أونيل أن يوثق حياته، إذ عثر بين أوراقه على ورقة كتب فيها: “ولدت في غرفة بفندق، ولعنني الله، وسأموت في غرفة بفندق” لقد آمن هذا الكاتب أن المأساة بالمعنى الكلاسيكي تتمثل في حياة الإنسان الحديث.
ويوجين أونيل هو “ابن مسرح”، إذا جاز التعبير، فأبوه هو الممثل الايرلندي جيمس أونيل الذي اعتبر أبرز ممثلي عصره، ومن أشهر أدواره “الكونت دي مونت كريستو”، وقد ولد يوجين في 16 أكتوبر/تشرين الاول 1888، في نيويورك أثناء إحدى جولات أبيه الفنية، كان المسرح هو المنزل الأول للصبي، والذي عرف أن أمه كانت من أسرة ثرية، وأنها باعت كل شيء من أجل زوجها، وقد تنقل بين المدارس الدينية والعسكرية، وتم إبعاده من الدراسة، لتتابع الصدمات بعد ذلك، حيث اكتشف أن أمه تتعاطى المخدرات، فاعتبر أن أباه هو السبب لهذا السقوط، مما دفع الفتى أن يعيش حياة بوهيمية في المدن الأميركية، وفي عام 1909 أضطر أن يتزوج من امرأة لا يحبها، وطلقها بعد عامين، وحاول الانتحار إلا أنه فشل، فأصابه درن كاد أن يسلبه حياته.
واكتشف أونيل في هذه التجربة المأساة على الطريقة اليونانية، حيث قرأ أعمال سترند برج وشغف بها، وراح يكتب مسرحيات على غرارها، وتزوج من الكاتبة أجنيس بولتون التي رزق منها بولد، وفتاة تدعى أوونا تزوجت فيما بعد من الممثل شارلي شابلن، ثم انفصل عن زوجته عام 1929، وتزوج من الممثلة كارلوتا مونترى.
وقد توالت المتاعب على أونيل، بعد أن ترك برودواي في عام 1922، حيث أصابته رعشه في يده منعته عن الكتابةـ وأصابته حالة من اليأس، انعكست على فشل مسرحياته التالية، وكان انتحار ابنه الأكبر عام 1947، هو ذروة المأساة التي عاشها الكاتب، والذي اعتبر نفسه مسئولا عن ذلك، وتصرف كأنه قد تم نفيه عن الحياة، فاشتد عليه المرض حتى وافته المنية في بوسطن 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1956.
فاز يوجين أونيل بجائزة نوبل (1936)، ويعتبر من أهم التجريبيين في المسرح المعاصر، رغم تأثره بالمأساة اليونانية، حيث استخدم الأقنعة من أجل تجسيد مشكلة الصراع، وأدخل المونولوج المسرحي الذي تنطق به الشخوص، والمعبر عما في داخلها من انفعالات ورغبات لا تنتهي… ولازالت أعماله مثل “الحداد يليق بالكترا” و”رغبة تحت شجرة الدردار”، حاضرة في المسرح العالمي، حيث تقدم أعمال يوجين في مسارح بلدان متعددة، لتثبت أنه كاتب حقق لنفسه الخلود، بعمق موهبته، وعبقريته المسرحية، دون الارتكاز على جائزة نوبل في تحقيق الشهرة والمجد، فالكثيرون ممن فازوا بالجائزة طواهم النسيان والتجاهل، ولكن يوجين وطاغور وبرانديللو وإليوت وغيرهم، قد أثبتوا أن مجد الكاتب الحقيقي، يكمن في حدسه ومهارته الواعية في استشراق آفاق المستقبل، وألا تكون أعماله معبرة فحسب عن معطيات عصره، بل مواكبة لعصور لاحقة.
ويقول النقاد إن المسرح الأميركي خرج من معطف يوجين، حيث انضم إلى فرقة “كاب تود” المسرحية، والتي تحمست لأعماله، واستفاد الكاتب من خبراته وحياته الخاصة، ليعكسها في مسرحياته العديدة، ومنها “الإمبراطور جونز” عام 1920، وهو العام الذي فاز به بجائزة بوليتزر عن مسرحية أخرى تحمل عنوان “وراء الأفق”، أما أعماله الأخرى المشهورة: “القرد الكثيف الشعر” عام 1922، و”الحداد يليق باليكترا” عام 1931، و”رغبة تحت شجرة الدردار عام 1924، ومن بين أعماله الخيرة “حضور بائع الثلج” عام 1944، ثم “رحلة يوم طويل في أعماق الليل” التي نشرت في نفس عام رحيله.
وقد عرف يوجين المسرح قبل أن يصبح بحاراً أو باحثاً عن الذهب، مراسلاً الصحف، وانعكست تجاربه الحياتية في مسرحيات عديدة مثل “آنا كريستي”، حيث تختلط حياة البحر بحياة الخاطئين، فالبطلة “آنا كريستي” نشأت في ظروف قاسية، فمارست الخطيئة، ونقمت على أبيها البحار الذي لم تعرفه، وانعكست مشاعرها إزاء العالم بأسره… وفي مسرحية “رغبة تحت شجرة الدردار” يسقط الابن الشاب في أعماق الخطيئة مع زوجة أبيه العجوز، ليجد نفسه محاصراً بين غواية المرأة والوقيعة مع الأب، وهو صراع أقرب إلى المأساة اليونانية التي كتبها التراجيديون الأوائل إيسخولوس وسوفوكليس وسينكا وغيرهم.
وعالج الكاتب في مسرحياته بعض القضايا المعاصرة، مثل قضية الزنوج في مسرحية “القرد الكثيف الشعر”، وقد دفعت غزارة إنتاج يوجين أونيل النقاد إلى الاختلاف فيما بينهم حول تقييم مسرحه، فرأى البعض أن أونيل كان متشائماً في رؤية للعالم وبدا ذلك في أول جملة من أولى مسرحياته: “أنت تعرف تماماً أن البشر ينتحرون وهم عائدون إلى بيوتهم”.
وقال الناقد كلودكولون: “هناك رجالاً قد تركوا بصماتهم على أونيل من أبرزهم أبوه ، والمؤلف المسرحي سترند برج، وكان الكاتب يؤمن أن النجاح الحقيقي للإنسان يتمثل في الفشل، فكل إنسان مكون بحلم كبير، عليه أن يفشل، وأن يقبل هذا الفشل كشرط لحياته”.. ورأى أونيل أن الحرية الوحيدة الباقية للإنسان، هي اكتشافه القانون العالمي للضرورات، فكل إنسان مرتبط بمصيره، وبماضيه، وبما ارتكبه الآباء وسيكون وصمة في حياة الأبناء، ولا يمكن لدائرة الخطيئة أن تتحطم”.
وقضى يوجين حياته مغامراً متنقلاً بين عمله في الصحافة، وفي البحار فوق السفن التجارية، وفي البحث عن الذهب في أراضي أميركا، وحمل في أعماق شخصيته ذلك الطفل البريء، الذي يؤمن بالحب والمثالية، والروح الشيطانية المجنونة الشرسة، فهذان الشخصان كانا يعتملان بداخله، وقد ظل هذا القلق يسكن فيه، حيث اكتشف، وهو في سن مبكرة من الشباب أن الحياة ليست هي المنتصرة، بل أن الشعور بالخطيئة هو الذي يسود الكثير من البشر.(وكالة الصحافة العربية)
ميدل إيست أونلاين