حرب السمندرات.. الشوفينية كمقدمة لخراب العالم
نشأت رواية (حرب السمندرات) للكاتب التشيكي كارل تشابك (ترجمة د. غياث الموصلي)، من تجميع قصاصات الجرائد، بطريقة التلصيق (الكولاج)، ومن التسجيلات القديمة التي تتحدث عن السمندرات الرائعة التي تعلمت الكلام والعمل والتصرف مثل البشر، الأمر الذي يجعل من الرواية مفعمة بخيال خصب وعقل متبصر تخيل ورسم عالم مخلوقات عجيبة غريبة، تعيش في جزر الشرق الأقصى، وتمارس حياتها، عبر علاقات خاصة تقيمها مع مخلوقات أوروبيّة، وهذه الأخيرة، تستثمرها بطريقة تنتج عنها، صراعات داخليّة، بين مجموعة من المستثمرين الذين يمثلون دولاً ومصالح عملاقة، متداخلة ومتشعبة، إلى حدّ يعكس بقوة، الخطر المحيق بالبشريّة نتيجة التكالب غير المسبوق، على الثروة المتمثلة بمهنة صيد اللؤلؤ.
برع الكاتب في تصوير الصراعات القائمة بين المجتمعات البشريّة، والخلل الكبير الذي يشوب علاقاتها، ساخراً بشدة، من النظريات العرقيّة الفاضحة التي تتفاقم وتنتشر بشكل فظ وبشع، بين المجتمعات البشريّة المعاصرة، لا سيّما في حمّى سباقها المحموم، للوصول إلى الثروة، بكل الوسائل والطرق المشروعة وغير المشروعة، حتى لو أدى ذلك إلى فناء البشريّة، وتخريب كل ما راكمه الإنسان.
تتوزع الرواية على ثلاثة أبواب وستة وعشرين فصلاً. حمل الباب الأول عنوان (أندرياس شوخزي) وفيه تحدث الكاتب عن غرائب القبطان الهولندي (فان توخ) صياد اللؤلؤ الذي يرى أن البشر يريدون حروباً على الدوام، أو شيئاً من هذا القبيل، يدفعهم إلى ذلك، طلبهم للثروة، وخوفهم عليها.
بعد توقف الرواية عند أشخاص ويخوت ومؤسسات اقتصاديّة مختلفة، تصل إلى موضوعها الأساس المتمثل بالسحالي الشبيهة بالبشر، التي تحدث عنها قبطان إحدى السفن الإنجليزيّة الحربيّة العائدة من البلاد البعيدة، والتي رآها تخرج من بحر أسترالي، في جزيرة صغيرة، لكنها لم تدب على أربعة أقدام كما تفعل السحالي العاديّة، وإنما تمشّت على طرفيها كما يمشي البشر، وكانت بحجم كلب البحر أو الفقمة.
توغل الرواية في رمزيتها وسخريتها، مشيرةً إلى أن التعامل مع السمندرات-الرمز أصبح أسهل، بعد تأميم مدارسها، حيث كانت تدرس في كل دولة لغتها القوميّة، التي تعلمتها بسهولة، إلا أن إمكاناتها اللغويّة، أظهرت بعض القصور لأسباب عديدة. وفي الباب الثالث، تُسهب الرواية في الحديث عن حرب السمندرات، والمذبحة التي تعرضت لها هذه المخلوقات على جزر جوز الهند، وفي معركة النورماندي.
وبعد أن تستعرض حال السمندرات (بحمولاتها الرمزيّة الساخرة والعميقة) في عدد من الدول الأوروبيّة، وتُبيّن حالة الخراب التي خلّفتها وراءها، تنتهي إلى رسم صورة تقارب صورة طائر الفينيق الذي ينبعث من رماده.
فرغم السموم الكيميائيّة، ومستعمرات البكتريات القاتلة، والتلوث الصناعي الذي يصب في بحار العالم ومحيطاته وأنهاره، ناقلاً إليها الموت والفناء، بدأ الناس يعودون بالتدريج، من الجبال إلى الشواطئ، وإلى ما تبقى من اليابسة، ليعاودوا بناء حياة جديدة فوقها.
أما المحيط، فسيبقى لفترة طويلة، يُطلق الروائح بسبب تفسخ أجساد السمندرات النافقة، لكن في النهاية، كل شيء سيعود إلى سابق عهده.. ويعم الخراب العالم حتى تزول الشرور.
صحيفة البيان الاماراتية