حرب الظلال (عرض/ وديع عواودة)
العنوان: حرب الظلال
المؤلف: يوسي ميلمان ودان رفيف
اللغة: العبرية والانجليزية
دار النشر: "يديعوت سفاريم"
تل أبيب: 11/9/2012
عدد الصفحات: 510
عرض/ وديع عواودة
طيلة عقود، ساهم الموساد وبقية أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في نسج وبلورة هالة من العظمة الأسطورية من حوله، خدمة للحرب النفسية وتعظيما لقوة ردعه.
كان ذلك يتم بإطلاق الاستخبارات الإسرائيلية الشائعات، وبالتسريبات تارة، وبالسكوت على ما تنشره وسائل إعلام تنسب له ما لا صلة به، تارة أخرى.
يستدل من سجل عمليات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أنها بجانب التورط في جرائم بشعة، وقعت في أخطاء وإخفاقات كثيرة، بعضها يحمل طابعا إستراتيجيا.
هذا ما يؤكده كتاب جديد، عنوانه "حرب الظلال -الموساد والمؤسسة الأمنية" صدر بالإنجليزية والعبرية في الولايات المتحدة وإسرائيل بالتزامن على يد كاتبين صحفيين مختصين بالشؤون الاستخبارية، هما يوسي ميلمان ودان رفيف.
وينوه الكتاب إلى أن الموساد تحول إلى أسطورة، ونسبت له عمليات بطولية لم ينفذها وبعضها من نسج الخيال، موضحا أن سياسة الصمت المنتهجة من قبله عظّمت طابعه الأسطوري، وزادت من مخاوف الأعداء. ويتابع "لم يبادر الموساد لخلق هذه الهالة لكنه يحقق فوائد منها".
ويختلف الكتاب المطروح عن كتب صهيونية أخرى ميّزتها مضامين دعائية، فهو أكثر جرأة في تبيان إخفاقات وفضائح متنوعة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى جانب "إنجازات ملهمة وتطلق الخيال".
من ضمن النجاحات الاستخبارية الأمنية التي حققتها إسرائيل ويتوقف عندها الكاتبان، اختطاف المسؤول النازي أيخمان، واستدراج طيار عراقي بطائرة من طراز ميغ، وضرب المنشآت النووية السورية، والتشويش على المشروع النووي الإيراني وغيرها.
وفي المقابل، يستعرض الكاتبان سجل فضائح وجرائم وإخفاقات، منها فقدان آثار ملاح الجو رون آراد في لبنان، وقتل إسرائيلي -اشتبه في تجسسه- وإلقاء جثته في البحر من الطائرة دون محاكمة، إلى جانب انكشاف خلية تجسس إسرائيلية في مصر، وقتل فدائيين أسيرين وهما مكبلان، وفشل اغتيال خالد مشعل، وفضح هوية أشرف مروان بوصفه وكيلا للموساد وغيرها.
لكن منطلقات الكتاب النقدي تبقى صهيونية طبعا، كما ينعكس في تبنيه خطاب الضحية الذي طالما أشهرته الصهيونية، حيث تسوّق فيه إسرائيل بوصفها دولة صغيرة داخل غابة إسلامية تهدّدها وتضطرها إلى أن تكون "خلاقة، شجاعة، ومعتمدة على القوة". ويكشف الكتاب عن أحد مقومات وقوة الاستخبارات العسكرية وهو كون إسرائيل دولة مهاجرين تتمتع بتنوع عرقي وثراء ثقافي استقطبت هجرة من 100 دولة.
إيران والسودان
في مستهل الحديث عن طهران يشير الكتاب إلى سخرية القدر باستذكار أن شاه إيران رفض مقترحا إسرائيليا في السبعينيات بمساعدة بلاده في بناء مفاعل نووي نكاية بالأعداء العرب، ويتابع "كادت إسرائيل من خلال وزير دفاعها شمعون بيريز، ومن خلال قصر نظرها، أن تساعد ألدّ أعدائها على التحول إلى دولة عظمى نووية".
وبخلاف كتاب وصحفيين إسرائيليين يعتمدون عادة على "مصادر أجنبية" يقّر الكتاب -نقلا عن مصادر إسرائيلية مجهولة الهوية في معظمها- بقيام الموساد و"السي آي أي" منذ 2003 بعمليات اغتيال لعلماء، وتخريب لمنشآت ومقدرات نووية إيرانية.
ويوضح الكتاب أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود براك يقومان بحرب نفسية فقط لدفع الولايات المتحدة نحو عمل فاعل ضد إيران.
إسرائيل لم يرق لها الأداء المستقل لرئيس وكالة الطاقة الدولية محمد البرادعي، واتهمته بالتغاضي عن إيران، وإسداء بعض النصائح لها، ووضعت بذلك تقريرا حولته إلى الولايات المتحدة، وهذه بدورها مارست ضغوطا لإجباره على الاستقالة.
ويضيف الكتاب أن إسرائيل توجهت إلى الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك طمعا في ردعه، ودرس الموساد إمكانية إطلاق مزاعم ضده بصفته "وكيلا" سريا لإيران، تزامنا مع تحويل مبالغ مالية كبيرة لحسابه المصرفي لتثبيت تهمة تلقيه الرشوة.
يقر الكتاب الإسرائيلي بما طالما لم تعترف به إسرائيل من أنها تدخلت في اليمن وإندونيسيا في الستينيات، وأن وكلاءها نشطوا على أراضي السودان منذ سنوات الستينيات حينما قدموا المساعدات اللوجستية لـ"جيش تحرير الجنوب" المتمرد على الخرطوم، لافتا إلى أن الهدف كان زعزعة استقرار السودان بوصفه حليفا لمصر.
ويشير إلى أن وكيل الموساد، دافيد كمحي، انتحل شخصية صحفي بريطاني ونقل وقائع مؤتمر القمة العربية في الخرطوم عام 1968، الذي عرف بمؤتمر "اللاءات الثلاثة".
الأردن والمغرب
ويؤكد الكتاب ما أشيع حول الروابط القوية للموساد مع العاهل الأردني الراحل الملك حسين بواسطة طبيبه البريطاني الخاص د. هاربرت عمونئيل، وداخل عيادته في لندن تمت اللقاءات بين الطرفين قبل أن تنتقل إلى مناطق حدودية في وادي عربة، وإيلات، ومن ثم في مكاتب الموساد في تل أبيب (بي جليلوت)، مرجحا أن الملك حسين حاول بواسطة علاقاته السرية مع إسرائيل استعادة الضفة الغربية، وتنسيق النشاط ضد منظمة التحرير الفلسطينية، وتأمين ضمانها لاستمرار حكمه.
وعلى لسان مصادر إسرائيلية يتابع بوضوح ما كان يشار إليه بالتلميح فقط: "في 23 سبتمبر 1973، وصل الملك حسين إلى مقر الموساد في تل أبيب برفقة رئيس حكومته زيد الرفاعي للقاء رئيسة الحكومة الإسرائيلية غولدا مئير مجددا، وأخبرها بقرار مصر وسوريا بالحرب الوشيكة، لكنها لم تصدق أو لم تفهم ما قاله لها في لقاءاتهما الطويلة".
ويؤكد الكتاب ما جاء في كتب إسرائيلية أخرى من أن إسرائيل واجهت في اليوم الثالث من الحرب محنة غير مسبوقة، لدرجة أن وزير الدفاع موشيه ديان، رمز انتصار حرب 67، أخذ يتحدث عن "خراب الهيكل الثالث"، وأخذت قيادات عسكرية تلمح إلى الحاجة إلى استخدام سلاح غير تقليدي ضد العرب، وهذا ما يؤكده كتاب إسرائيلي صدر هذا الأسبوع (يئجال: كيبنيس -التاريخ السياسي للجولان).
وينوه إلى أن الملك حسين لم يكتف بتقييماته وقراءاته الشخصية، بل أطلع غولدا مئير في لقاءاتهما في تل أبيب على وجود خطة حرب سورية في 1973، كما أطلعها على ما بحوزته من معلومات استقاها من "مصدر جيد" في سوريا، تبيّن بعد الحرب أنه جنرال في الجيش السوري عمل وكيلا للمخابرات الأردنية.
وضمن حرب الأدمغة مع مصر يقول الكتاب إن رأفت الهجان كان عميلا مزدوجا، بخلاف أشرف مروان الذي يدّعي أصحاب الكتاب أنه جاسوس لإسرائيل فقط بخلاف كتب إسرائيلية أخرى.
ولم تقلّ حميمية العلاقات بين إسرائيل وبين العائلة الملكية الحاكمة في المغرب، وذلك منذ أن بدأت تل أبيب اهتمامها بما تسميه "حماية اليهود" في شمال أفريقيا، ونقلهم إليها لاحقا مقابل تقديم رشاوى للملك، والمشاركة في تصفية معارضين مغاربة في أوروبا أمثال المهدي بن بركة الذي قتل في جنيف.
كذلك يروي الكتاب أن إسرائيل، كعادتها، اعتمدت الرشوة لتيسير هجرة نحو ثلاثة آلاف يهودي من سوريا بين 1973 و1990 خلسة، كما وافق علي عبد الله صالح على هجرة يهود اليمن.
كذلك يكشف الكتاب عن علاقات تعاون مع الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري ورئيس مخابراته الجنرال عمر طيّب، اللذين حازا ملايين الدولارات مقابل السماح لقوات إسرائيلية بالعمل على أرض السودان، لنقل يهود إثيوبيا عبر الخرطوم بطائرات أوروبية عام 1984.
حرب لبنان
ويقر الكتاب بأن إسرائيل شنت حربها على لبنان عام 1982 للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية من أجل منع قيام دولة فلسطينية في الأرض المحتلة عام 1967. وبحسب الكتاب ندم رئيس حكومة إسرائيل مناحيم بيغن على موافقته في كامب ديفد على حكم ذاتي للفلسطينيين، وخشي أن يشكّل ذلك نواة لدولة فاتفق مع وزير الدفاع أرييل شارون على الحرب، وانتظرا ذريعة جيدة للبدء فيها فكانت هذه الذريعة محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن.
ويشير إلى أن شارون خطّط لما هو أخطر، ويلفت إلى أنه كان يهدف لترحيل الفلسطينيين من لبنان إلى الأردن ليكون مقر الحل الدائم لهم. ولهذا الغرض قامت إسرائيل بعدة محاولات فاشلة لاغتيال ياسر عرفات في بيروت خلال الاجتياح لتكتشف لاحقا أن المعلومات التي تلقتها من "الكتائب" كانت كاذبة.
عماد مغنية
ويقر الكتاب بقيام إسرائيل بعمليات اغتيال كثيرة، ويروي بالتفصيل كيف اغتالت القيادي في حزب الله عماد مغنية في دمشق، واغتيال عز الدين خليل الناشط في حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
ويقول إن الموساد استعان قبل ذلك بخلية جواسيس لبنانية بقيادة أحمد خالق قامت بقتل فؤاد مغنية شقيق عماد مغنية بسيارة مفخخة عام 1994، بغية استدراج الأخير لجنازة أخيه وقنصه خلالها لكنه توخى الحذر ولم يشارك في تشييعه.
في المقابل يوجه الكتاب انتقادات قاسية إلى الموساد على انكشاف أمره في اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي، بعد مصادقة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على العملية. ويشير إلى أن العملية في دبي كان من المفترض أن تتم بسهولة لافتا إلى وجود ممثلية للموساد في البحرين وفي دول خليجية أخرى، ويذكر أن الكاميرات التي فضحت عملاء الموساد سبق أن تم تركيبها على يد شركة إسرائيلية.
ويستعرض الكتاب فضيحة قتل المخابرات الإسرائيلية لأسيرين فلسطينيين مكبلين بعد خطفهما بحافلة حملت رقم 300 من تل أبيب لدير البلح بهدف إطلاق سراح أسرى.
ويشير إلى أنه لم يحاكم أحد من المجرمين نتيجة تدخل رئيس الحكومة شمعون بيريز ووزير الخارجية إسحاق شامير اللذين أعدا "مؤامرة قضائية رائحتها كريهة جدا".
أبو جهاد وأبو عمار
كانت إسرائيل قد اغتالت الشخصية الثانية في منظمة التحرير الفلسطينية خليل الوزير (أبو جهاد) في 1988، دون أن تعترف بذلك، ويعتبر الكتاب أن الاغتيال تمّ عن قصر نظر سياسي أيضا.
وينقل عن أوساط استخبارية ندمها على اغتيال الوزير، الحكيم وصاحب الشخصية القوية الكاريزمية، الذي كان يمكن أن يتم توقيع اتفاقية سلام معه كوريث لعرفات عرفات، بدلا من محمود عباس الذي رفض أرييل شارون التفاوض معه ونعته بـ"الصوص المنتوف ريشه" عام 2004.
وينطلق الكاتبان من فرضية "غياب الشريك" الفلسطيني وإلقاء الكرة بالملعب الفلسطيني، التي كانت تقول تارة إن عرفات قادر وغير راغب، وتارة تزعم أن محمود عباس راغب وغير قادر.
الكتاب الذي ينفي تورط إسرائيل في اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات يقول إن الموساد عمل على تشويه سمعته من خلال وحدة مختصة بـ"حرب نفسية"، والاستعانة بصحفيين إسرائيليين لإطلاق الشائعات عن سرقة أموال ورصدها في حسابات مصرفية باسم زوجته وابنته خارج البلاد.
ويروي الكتاب سلسلة عمليات اغتيال لعلماء غربيين حاولوا مساعدة مصر والعراق في القرن الماضي على حيازة أسلحة إستراتيجية. ويكشف أن رئيس حكومة إسرائيل إسحاق شامير صادق في 1990 على اغتيال عالم كندي في بروكسل شارك في بناء "المدفع العملاق" الذي حاول الرئيس الراحل صدام حسين امتلاكه.
دير الزور
ويستعيد الكتاب بالتفصيل تفاصيل قصف المنشأة السورية في منطقة دير الزور في 2007، ويقول إن إسرائيل تحفظت على هجومها تحاشيا لإحراج الرئيس السوري بشار الأسد. وينوه إلى أن مهاجمة المنشأة السورية تندرج ضمن ما يسمى بـ"مبدأ بيغن" (المنسوب لرئيس حكومة إسرائيل الأسبق مناحيم بيغن) وتضمنت تحذيرا لإيران.
ولأن المهمة لم تنته، فقد صادق رئيس الوزراء إيهود أولمرت على خطته باغتيال الجنرال محمد سليمان مستشار الرئيس السوري بشار الأسد، ومسؤول التنسيق مع إيران وحزب الله وكوريا الشمالية بواسطة كوماندوز بحري.
خلاصة
واستعرض الكاتبان المخاطر والتحديات التي تواجه استخبارات إسرائيل في المستقبل المنظور والبعيد وعلى رأسها إيران. وضمن قائمة التحديات يشير إلى الجيش المصري بعد الإطاحة بحسني مبارك، وإلى عدم الاستقرار في الأردن، وذلك إلى جانب تحول باكستان إلى دولة معادية، وحيازة منظمات جهادية سلاحا كيمياويا وبيولوجيا.
ويرى الكتاب أن الثورة الإلكترونية المعلوماتية ستجعل عمل الاستخبارات مهمة أسهل، لكنها في رأيه عبارة عن سيف ذي حدين، مبرزا قدرة العدو على استغلالها لصالحه، وأنها لا تغني عن الكفاءات الإنسانية.
ويخلص إلى استنتاج أن المخابرات الإسرائيلية رغم قوتها تستصعب توقع أحداث كبيرة ومسيرات متواصلة (كفوز حماس في انتخابات التشريعي، والثورات العربية)، موضحا أنها تميل إلى تركيز عملها على أحداث عينية، وفردية، وعلى القيادات السياسية والعسكرية للخصوم.
موقع الجزيرة نت