حرب تخسرها الشعوب

سنصدق أن هناك دولة اسلامية، صارت تقض مضجع الرئيس الأميركي باراك أوباما، سنصدق أيضا أن أوباما الذي لم يكن إلى وقت قريب مقتنعا بضرورة أن تنوب القوات الأميركية عن العراقيين في محاربة تنظيم داعش الذي صار يسيطر على ثلث الاراضي العراقية انتقل إلى مرحلة جديدة ستكون قناعة الحرب عنوانها. وهي حرب لن يكون هدفها القضاء على تنظيم داعش بل ازاحة الدولة الاسلامية عن الخارطة.
سيكون على اوباما مضطرا أن يبدل قناعاته، ذلك لان رجل السلام سيكون رجل حرب، لن يصدق أحد أن فصولها ستطوى في وقت قريب. الرئيس الاميركي نفسه كان قد أكد أن تلك الحرب ستكون طويلة. ولكن قبل أن تقع تلك الحرب سيكون علينا أن نعترف أن صاحب جائزة نوبل للسلام سيكون عاجزا عن تفسير تلك العلاقة المضطربة بين الجغرافيا والتاريخ التي كانت قد اجبرته على أن يندفع إلى الأمام وقد كان مولعا في تأخير خطواته. الرجل المتردد لم يعد كذلك. أعلينا أن نكتفي بذلك الوهم؟
لن تحارب الولايات المتحدة أشباحا.
لا بد أن تكون الدولة التي تنوي الولايات المتحدة قتالها ومحوها مثلما فعلت بأفغانستان والعراق قائمة على الارض. وهو ما يعني أن الولايات المتحدة تعترف بوجود دولة اسمها الدولة الاسلامية. وهي دولة داعش، التنظيم الذي لا تظهر وسائل الاعلام الاميركية حماسة في الكشف عن أسراره وبالأخص على مستوى التمويل والدعم الاعلامي.
لقد سقط داعش من السماء أو أنه انبعث فجأة من الأرض.
كانت القناعة السابقة تقول إن داعش منكم وبكم وعليكم.
لذلك فقد كان مسموحا لذلك التنظيم الارهابي أن يفعل ما يشاء على الاراضي السورية. كان داعش من وجهة نظر أميركية جزءا من منظومة القتال من أجل اسقاط نظام بشار الاسد.
وحتى حين احتل داعش الموصل وكان قبلها قد أحكم سيطرته على الرمادي والفلوجة لم يظهر الاميركيون حماسة لافتة للقضاء عليه. كانت الامور تجري في سياق رد الفعل الهادئ وكانت الجغرافيا عبارة عن مناطق سوداء يتمدد عليها تاريخ ممزق، لن يكون في الإمكان لصق أجزائه، بعضها بالبعض الآخر. ولأن الاميركان يثقون بالجغرافيا على حساب التاريخ فقد اعتقدوا أن الاعلان عن قيام دولة اسلامية لن يحرجهم، من جهة عدم تأثيرها على مصالحهم. ولكن اقتراب داعش من اربيل كان قد أفسد الطبخة كلها. اربيل ليست بغداد.
اربيل مضمونة اما بغداد فلا.
لقد تُركت بغداد لمغامري العملية السياسية التي تشرف عليها ايران بشكل مباشر. اما اربيل فقد فتحت أمامها أبواب الاستثمارات الأجنبية لتكون قاعدة مريحة لمستقبل عمليات التحكم بالمنطقة. فهل أخطأ تنظيم داعش في اقترابه من بوابة ذلك المستقبل؟
إن أجبنا بالايجاب فذلك استنتاج سطحي وساذج.
حقيقة شعر الأكراد بالخطر ولكن شعورهم ذاك لن يؤثر في الحسابات الاميركية. فالادارة الاميركية تعرف أن داعش تنظيم شبحي، وهو ما يعني أن كل ما يصدر عنه انما ينتمي إلى عالم الأشباح. ولو كان النظام العراقي يملك جيشا حقيقيا لما تمكن داعش من الاستيلاء على ثلث أراضي العراق ومن ثم الاعلان عن دولة الخلافة.
يدخل أوباما الحرب اليوم مسلحا بفكرته عن وجود دولة اسلامية.
اعلاميا ستكون الحرب ضد الدولة الاسلامية. وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى تسريع وتيرة انتماء الاسلامويين إلى داعش. سيكون داعش أقوى في مواجهة حرب الكفار، اما وهم الدولة الاسلامية فسيتم لاحقا ادراجه في لائحة الأخطاء التاريخية.
سيكون التراجع عنه مبررا للتغاضي عن مصائر شعوب المنطقة التي سيكون عليها أن تعتبر نفسها أقليات طارئة.
سنصدق أن أوباما سيكون في المرحلة المقبلة رجل حرب، ولكنها الحرب التي ستخسرها الشعوب.
ميدل ايست أونلاين



