حصاد الثقافة 2012 (2)
في عام 2012، توقّف السينمائيون في بلدان «الربيع العربي» لمعاينة التغييرات الاجتماعية والسياسية التي جلبتها الانتفاضات، فأنجز يسري نصر الله «بعد الموقعة» وابراهيم البطوط «الشتا اللي فات» والنوري بوزيد «ما نموتش». لكنّ الثورة لم تمرّ على بيروت التي شهدت ازدياداً مخيفاً في الرقابة التي منعت وصادرت وحاكمت المخرجين والفنانين. وبينما شهد العالم العربي رحيل عدد من أبرز الروّاد في مختلف المجالات، اشتعل الجدل مع توجّه بوعلام صنصال ونادية الفاني إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة
فنون مشهديّة
فورة شهدتها الخشبات في بيروت هذا العام. عاد ريمون جبارة بـ«مقتل إن وأخواتها» إلى «مونو»، ونشطت لينا أبيض عبر عمليها «الديكتاتور» و«حبيبتي رجعي عالتخت». وفي دورته الثانية، تنوّعت أعمال مهرجان «نساء في مجتمعات مهدّدة» ضدّ الذكورية على خشبة «مسرح بابل»، منها عرض «سنديانة» للتونسية زهيرة بن عمار. وقدّمت بيتي توتل «الأربعا بنص الجمعة»، وواصلت فرقة «زقاق» توغّلها في نسيج المجتمع، فقدمت «مشرح وطني» عن ذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية، بينما قدم جاك مارون «أسباب لتكوني جميلة»، ومجموعة «الدكتافون» عرض «هذا البحر لي» ضمن قالب يشرك المشاهد من خلال أخذه في قارب صيد لاستكشاف ملكية شاطئ بيروت البحري. واستضافت المسارح «ملتقى الرقص المعاصر» الذي نظمته «مقامات»، وأسبوع «منصة للمسرح العربي اليوم»، بينما استضاف «مسرح المدينة» مهرجان «مشكال» و«مترو المدينة» عروضاً متنوّعة. وفي عمّان، احتضن «مسرح البلد» عرض «هرسلة @ فن. فقط» للتونسية نوال اسكندراني ضمن «ملتقى حكايا».
جوائز
بعدما نال أمين معلوف جائزة «العويس» العام الماضي، انتُخب في 2012 عضواً في «الأكاديمية الفرنسية»، مسجّلاً بذلك دخول ثاني كاتب من أصل عربي إلى المؤسسة الثقافية الفرنسيّة. وفي المسرح، فاز اللبناني ربيع مروّة بجائزة «مؤسسة برينس كلاوس» الهولنديّة على تجربته التي تجمع بين الفنون الأدائيّة والبصريّة. أما جائزة «بوكر» العربية فقد استحقّها ربيع جابر عن روايته «دروز بلغراد». وفي الفن السابع، توّج المعلّم النمسوي مايكل هانيكي بالسعفة الذهبية عن فيلمه «حبّ» في «مهرجان كان». فيما منح «مهرجان برلين» دبّه الذهبي للأخوين الإيطاليين تافياني عن فيلمهما «قيصر يجب أن يموت»، فيما فاز فيلم «الفنان» بخمسة أوسكارات، وكرّمت نوبل «الآداب» الروائي الصيني مو يان.
معارض
من الفن التشكيلي إلى الفوتوغراف، تنوّعت المعارض في بيروت التي احتضنت صالاتها معارض للشباب ولفنانين معروفين. في الفن التشكيلي، نذكر المعرض الاستعادي لشفيق عبود، وحبيب فاضل، ووليد صادق، ووليد رعد، ومعرضي حسين ماضي وريم الجندي، إضافةً إلى حضور رسامين سوريين مثل بهرام حاجو، وعبد الكريم مجدل بيك. وضمن الأعمال الفوتوغرافية، دخلت رين محفوظ الحرب الأهلية من خلال معرضها «17,000» ضمن مشروع جمعية «معاً من أجل المفقودين».
وفي معرضه Scratching on Things I Could Disavow أطلّ الفنان اللبناني وليد رعد على «غاليري صفير _ زملر». كذلك، ذهب الفنان الفوتوغرافي اللبناني جيلبير الحاج إلى برلين في معرضه Screening Berlin.
كما احتضن «معرض الخريف الحادي والثلاثين» في «مركز بيروت للمعارض» أعمالاً فنية متنوّعة.
غياب
شهد 2012 رحيل نخبة من الرواد في مختلف المجالات. لبنان خسر «معلّم العمارة» عصام سلام الذي ترك وراءه مسيرة في النضال للمحافظة على ذاكرة بيروت، معتبراً أنّ العمارة يجب أن تكون ابنة المكان. ولفّ الحداد مصر التي فقدت الكاتب الماركسي أنور عبد الملك (1924) في منفاه الباريسي، كما خسرت أحد أبرز كتّاب جيل الستينيات. إنّه ابراهيم أصلان (1935) ابن امبابة الذي نقل مكانه الحميم وناسه في أعمال راوحت بين القصة والمقالة الأدبيّة. ومن جيل الستينيات أيضاً، رحل محمد البساطي (1937) الذي قلّما غادر أجواء الريف وحكى بلغة طازجة عن عالم ثري بالحكايات والثقافة الشعبية، وختمت مصر أحزانها مع وفاة الشاعر حلمي سالم (1951)، أحد أبرز جيل السبعينيات الذي عرف عتمة السجون، وساحات النضال السياسي، وحملات التكفير. وفي فرنسا، رحل الفيلسوف المثير للجدل روجيه غارودي، منهياً 98 عاماً من التحوّلات الفكرية. كما فقد الفن السابع أحد أبرز رموز السينما اليونانية ثيو أنجيلوبولوس والمخرج والمصوّر كريس ماركر. وأخيراً، غادرت فضاء الشعر العالمي البولونيّة الجميلة فيسوافا شيمبورسكا الحائزة «جائزة نوبل» للآداب.
إصدارات
شهد العام 2012 إصدارات موسيقية وأدبية لأبرز الوجوه الثقافية في العالم العربي. فقد عاد أدونيس إلى القدس من خلال «كونشيرتو القدس»، وصدر «السيل» لسليم بركات، و«ظل الوردة» لحسن العبدالله، و«عروض الحديقة» لعناية جابر. كما صدر «يوتوبيا المدينة المثقّفة» لخالدة سعيد، و«حرير وحديد» لفواز طرابلسي، و«الانهيار المديد» لحازم صاغية. وفي الرواية، صدرت «ساعة التخلي» لعباس بيضون، و«لا طريق إلى الجنة» لحسن داوود، و«سينالكول» لالياس خوري وبعض الأعمال الروائية الشابة. وبالنسبة إلى الألبومات الموسيقية، فقد أصدر مرسيل خليفة ألبومه «سقوط القمر» في تحية أرادها إلى الشاعر الراحل محمود درويش. كما أصدرت ياسمين حمدان ألبوماً يحمل اسمها واستعادت في بعضه روائع من أعلام الفن العربي، ووقّعت ريما خشيش أسطوانة «مِنْ سحر عيونك» التي أرادتها تكريماً لصباح من خلال استعادة باقة من أغنياتها. وفي بيروت، أطلقت الفنانة المصرية مريم صالح «مش بغني» ضمن حفلتين أقامتهما في «مسرح بابل».
مهرجانات
أهم الأيقونات الموسيقيّة حلّت على المهرجانات اللبنانيّة هذا العام. نبدأ بـ«مهرجان بيبلوس» الذي افتتح مع Slash أحد أكبر عازفي الغيتار في العالم، واستكمل مع البلوز وعازف الغيتار الثمانيني بي. بي. كينغ، واستضاف أوتيه لامبر وفرقة «تيناريوين». دورة هذا العام من «مهرجانات بعلبك» أتت بالديفا الأميركية جيسي نورمان، والإيطالي أديلمو فورناسياري الملقّب بـ«زوكيرو»، وفرقة «مشروع ليلى». أما «بيت الدين» الذي افتتح مع فرقة «كركلا»، فقد كانت له نكهة خاصة معThe Dizzy Gillespie All-Star Big Band. وحضر في جونية شارل أزنافور، وكريس دي برغ. عربياً، استعاد «مهرجان قرطاج الدولي» بريقه، وقدّم برنامجاً متنوّعاً مستضيفاً ليز ماكومب ومرسيل خليفة وفرقة «الميادين»، ونصير شمة. أما مصر فقد كانت عاصمة الجاز العربي مع «مهرجان القاهرة الدولي الرابع للجاز» الذي استضاف مجموعة من موسيقيي الجاز العالميين والمصريين والعرب كعازف الترومبيت السوري باسل رجوب والفرقتين المصريتين «افتكاسات»، و«الدور الأوّل».
حدث
بعد حملات انطلقت عبر فايسبوك وتُرجمت تجمّعات حملت عنوان «الشعب يريد زياد الرحباني»، أطلّ الابن الرهيب للمؤسسة الرحبانية في 2012. صمته الطويل إزاء ما يحدث في العالم العربي، كسره بإطلالة ذات دلالات وأبعاد كثيرة. في أيار (مايو) الماضي، تسمّرت الكاميرات على زياد مشاركاً في «مهرجان الوعد الأجمل» الذي أقامه «حزب الله» في ضاحية بيروت الجنوبية. وكرّت سلسلة المواعيد ضيفاً على قناة «الميادين» مع غسان بن جدو، وكاتباً فوق صفحات «الأخبار»، ليبرز موقفه من «الربيع العربي» والمقاومة وسوريا، مشعلاً الحرائق على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض له. وختم الفنان اللبناني 2012 بأمسيات قدّمها بين ضبية و«الأونيسكو» (آخر المواعيد الليلة 9:00 مساء ــ وغداً في الثامنة والنصف ضمن برنامج «أبيض أسود» مع قاسم دغمان على nbn)، واضعاً بذلك حداً لغيابه الذي استمر أكثر من سنتين.
سينما
قضايا «الربيع العربي»، والتحوّلات التي أفضت إلى الانتفاضات المتنقلة، وانعكاسات رياح التغيير سياسياً واجتماعياً، شكّلت هاجس السينمائيين العرب. في مصر، أنجز يسري نصر الله شريطه «بعد الموقعة». من زاوية جدلية، اختار تفكيك انتفاضة النيل وتبعاتها من خلال شخصية البلطجي. وقدّم ابراهيم البطوط «الشتا اللي فات» الذي تدور أحداثه في أثناء «25 يناير» وفاز بطله عمرو واكد بجائزة أفضل ممثل في «مهرجان دبي». وتوغّل النوري بوزيد في تونس بعد الثورة من خلال شريطه «ما نموتش». وبعد تأجيله عام 2011، عاد «مهرجان القاهرة السينمائي» في دورته الـ 35 التي شهدت بلبلة وتخبّطات نتيجة الوضع المتأزّم في مصر. لبنانياً، أُقيم مهرجانا «بيروت السينمائي الدولي» و«السينما الأوروبية». وعُرضت أفلام «الحوض الخامس» لسيمون الهبر، و«القطاع صفر» لنديم مشلاوي و«تاكسي البلد» لدانيال جوزيف، وعرض «مملكة النمل» للتونسي شوقي الماجري الذي تناول القضية الفلسطينية. ونال «الهجوم» لزياد دويري جائزة «مهرجان مراكش». وبعد انقطاع ١٨ عاماً، عاد الجزائري مرزاق علواش الى «مهرجان كان» بجديده «التائب» ضمن تظاهرة «أسبوعي المخرجين». وفي «موت للبيع» دخل فوزي بن سعيدي (1967) العالم السفلي للمدن المغربيّة.
قضايا
اشتدّت الرقابة الاجتماعية والدينية والسياسية على الفن اللبناني. تعرّض فيلم «تنورة ماكسي» لجو بو عيد لهجوم اكليروسي، ومُنع «فاتح 1453» في الصالات، ومثل سمعان خوّام أمام المحكمة بتهمة الغرافيتي. فيما واجه أدونيس أقسى أنواع الهجمات التخوينية على خلفية موقفه مما يجري في سوريا. وقضت محكمة أمن الدولة القطرية بالسجن المؤبد بحقّ الشاعر محمد راشد العجمي بتهمة «التطاول على رموز الدولة والتحريض على إطاحة نظام الحكم». وفي «مهرجان دبي السينمائي»، استبعدت ثلاثة أفلام سورية لباسل الخطيب، وجود سعيد، وعبد اللطيف عبد الحميد. وفيما انسحب فنانون عرب وفلسطينيون من مهرجان «سلام أورينت» النمسوي بسبب مشاركة السفارة الإسرائيلية فيه، لم يتردّد آخرون بزيارة الكيان العبري كالمخرجة التونسية نادية الفاني والكاتب الجزائري بوعلام صنصال.
صحيفة الأخبار اللبنانية