حقوق الإنسان
“الهالكون لا يعرفهم كل الناس”
في 10 كانون أول قبل أكثر من نصف قرن وقعت 65 دولة على الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، واليوم أصبح العدد 185 دولة.
ولكننا نرى رأي العين، كيف أصبحت انتهاكات حقوق الإنسان “ظاهرة بشرية”، ليس من حيث ازدياد الهدر المتواصل لحقوق الإنسان، وإنما لأن الرضا بهذا القدر من الهدر شرعنه (جعله شرعياً) بصورة يومية، وأصبح المقياس، ليس هدر الكرامة البشرية، وإنما المجزرة من خمسة أشخاص، ثم انخفض الضمير العالمي إلى حساسية تبدأمن 50 شخص وما فوق…حتى أصبحت حقوق الإنسان هي “تقنين الافتراس”. وحين قال أحدهم لزميله متفاخراً:” العالم صار غابة” رد الزميل متواضعاً: “إذا كان العالم غابة… لا تكن انت حيواناً”.
حقوق الإنسان مستحيل صيانتها بمجرد التنويه والتنديد بهذا البلد أو ذاك. وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، أو “الأمنستي”، فلدى العديد من الدول ما يكفي من الأساليب لإخفاء درجة البشاعة في الانتهاك، فيما تتكفل الأرقام الكاذبة بتغطية الجثث والمشانق أيضاً… درجة البشاعة هي عتبة التذوق!
حقوق الإنسان ليست في التفتيش عن هذا السجن أو ذاك. فهذا يستحق الشفقة. لأن أسهل شيء هو الادعاء بأن السجن معهد تأديب، ومكان تنفيذ سلطة القانون… وفي نهاية المطاف، وعندما تصبح الفضيحة واضحة ومتاحة، مثل التعذيب الأمريكي للسجناء مؤخراً، يكفي الاعتذار وتصغير المسؤوليات.
ولقد حدث ما هو أفدح من هذا النوع من الاعتذارات: مثلما اعتذر كولن باول عن المعلومات المضللة التي بررت احتلال العراق، وكلفت مليون ضحية (يُحسب معظمها على جداول حقوق الإنسان، وليس كضحايا حرب).
فعندما يبقى العراقيون بلا كهرباء، ولا ماء، ولا أدوية لمدة سنة كاملة… ألا يعد هذا انتهاكاً لحقوق الإنسان؟
طبعاً الأمثلة بلا عدد:
لقد اعتذر وزير دفاع الولايات المتحدة عن حرب فييتنام (5 ملايين ضحية) بأنها خطأ لا مبرر لارتكابه… أليست هذه حقوق الإنسان؟
وإذا كانت أرقى الدول الأوروبية تقدم رشوة بمئات ملايين الدولارات لحكومات وأفراد لدفن نفاياتها النووية في صحارى العالم الثالث. فإنها تهدر العامل الأخلاقي، وتكذب عندما تسيل دموعها على حقوق الإنسان.
وقبل أكثر من ثلاثين عاماً، كتب روجيه غارودي عن الاقتصاد المتوحش للدول الرأسمالية:
“إذا كان النمو يزداد بانتاج البضائع غير الضرورية ، أو بالعنف والحروب فإنه، مالياً، يُحسب “كتقدم” في الأرقام على النحو التالي:
إذا استخدمنا مليون فرنسي في هدم بيوتهم، ومليونين آخرين في إعادة بنائها، فإن الانتاج القومي الصافي يزداد…عمودياً”.
إن مطلب الديمقراطية، المطبل له هذه الأيام، ارتبط بحقوق الإنسان. وكما عالمية الاقتصاد وعالمية الديمقراطية وجقوق الإنسان…ازداد الطلب على عالمية “الحل العسكري”، ومع الازدياد لا بد من نشر ثقافة تصديق ما لا يصدق: “عسكرة الكون” الذي سينطوي بطبيعة الحال، على التمييز بين الضحايا وتوقيت موتهم.، ويشجع على إهدار دماء زمر معينة.
الحرب النموذجية، اليوم، هي “توليد الخصم “، ووضع موازنة لإهدار دمه وخرابه… ثم تخصيص موازنة أخرى لإعادة من تبقى على قيد الحياة إلى السكن في ما تعمره من المنازل المتهدمة.
والديمقراطية واحدة من الذرائع لانتهاك الإنسان، وخاصة عند تصديرها كهدف شعوب ما زالت في حالة قبائلية.
المسألة ببساطة في كلمات: حدّد هدفاً نبيلاً ، كمحاربة الإرهاب مثلاً (للدفاع عن جقوق الإنسان). وفي الطريق إلى إنجازه (اهدر كامل حقوق الإنسان). حدث هذا في العراق، وأفغانستان، وليبيا، وهو مستمر كمشروع لا يمكن من خلاله تفادي الانتهاك لجقوق الإنسان.
إن الفقر…متهم أيضاً !