حملة لتبييض «الكردستاني»: «قسد» تلتفّ على مطالب واشنطن
بدأت «الشبيبة الثورية»، التابعة لـ«حزب العمال الكردستاني»، حملة جمع تواقيع في ريف دير الزور، على عريضة تطالب بإزالة «الكردستاني» من لائحة التنظيمات الإرهابية، بعد انطلاق حملات مماثلة في مدينة منبج في ريف حلب الشرقي، وضمن مخيّمات حلب ومدينة الطبقة. وكان بدأ العمل على جمع التواقيع على هذه العريضة، منذ الاحتفالية التي أقامتها «قسد» بمناسبة الذكرى الـ44 لتأسيس «الكردستاني» بتاريخ 27 تشرين الثاني 2021، بالقرب من معبر «سماليكا» الحدودي مع إقليم كردستان العراق.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار»، فإن العريضة التي وقّعها نحو 250 ألف شخص حتى الآن، تطالب بـ«إزالة اسم حزب العمال الكردستاني من لائحة التنظيمات الإرهابية الخاصة بالولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول المعنيّة بوجوده». والجدير ذكره، هنا، أن «محكمة العدل الدولية» ألغت، في نيسان من العام الماضي، قراراً صدر عن المحكمة العامة التابعة لها، بإلغاء تصنيف «الكردستاني» كمنظّمة إرهابية، والذي جاء في أعقاب تقدُّم قيادة الحزب بعدّة طعون ما بين عامَي 2014 و2017 للمطالبة بإزالة اسمه من «اللائحة السوداء». واعتبرت المحكمة أن القرار المذكور «غير صحيح كون أنشطة الكردستاني ما زالت مستمرّة في التجنيد وجمع الأموال والأعمال الإرهابية».
وفي خلفيّة التحرّكات الأخيرة، تفيد مصادر مقرّبة من «قسد»، «الأخبار»، بأن «الإدارة الذاتية» تحاول الالتفاف على مطلب فكّ علاقتها بـ«الكردستاني» – تُعتبر هي جناحه السوري -، والذي طُرح عليها أكثر من مرّة من قِبَل الإدارة الأميركية كخطوة نحو إقامة حوار، ولو غير مباشر، مع الحكومة التركية، بما يضمن للأخيرة حماية أمنها القومي، إلّا أن «قسد» رفضت تلبية هذا المطلب، نتيجة ارتباطها العميق بالحزب، وخصوصاً عبْر قائدها العام، مظلوم عبدي، الذي يُعدّ واحداً من أبرز الشخصيات القيادية في «الكردستاني». وتُعيّر أنقرة، واشنطن، باستمرار، بأنها تتعامل مع تنظيم مصنَّف على أنه «إرهابي» – في مخالفة واضحة لقوانين مجلس الأمن الدولي وقراراته -، مُحاوِلةً من خلال ذلك تسليط ضغط على حليفها الأميركي حتى يوقف دعمه لـ«قسد». إلّا أن الولايات المتحدة، وعلى رغم أنها لم تمنع تركيا من مهاجمة عفرين في شباط 2018، ومن ثمّ مدينتَي رأس العين وتل أبيض في تشرين الأول 2019، للحفاظ على التعاون الاستراتيجي مع أنقرة، لا تزال تجد في «قسد» حليفاً ضرورياً في إنفاذ أجندتها في سوريا، تحت لافتة «محاربة الإرهاب».
وبحسب المصادر التي تواصلت معها «الأخبار»، فإن «قسد»، ومن خلال «الشبيبة الثورية» التابعة لها، تتعمّد إجبار السكّان في المناطق التي تسيطر عليها، وخاصة من المكوّن العربي، على توقيع العريضة التي يمكن أن تسلَّم للاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية من خلال زيارتَين ستقوم بهما القيادية إلهام أحمد إلى مدينة بروكسل البلجيكية، والعاصمة الأميركية واشنطن، إلّا أن المتوقّع أن يرفض الأميركيون والأوروبيون التعامل مع هذه العريضة لكونها ستهدّد علاقتهم بتركيا، العضو في «حلف شمال الأطلسي». وتقول مصادر من «المجلس الوطني الكردي»، فضّلت عدم الكشف عن هويّتها، في حديثها إلى «الأخبار»، إن القيادة التركية ستعمل بكلّ قوّتها لمنع رفع «الكردستاني» عن لائحة «التنظيمات الإرهابية»، على اعتبار أن خطوة من هذا النوع ستعني تقييد قدرة أنقرة على استهداف مواقع الحزب وشخصياته القيادية في سوريا والعراق، مع الإشارة هنا إلى أن القوات التركية كثّفت من عملياتها هذه في الآونة الأخيرة، وأحدثُها القصف الذي طال في الثاني من الشهر الحالي عدداً كبيراً من مواقع «الكردستاني» في محيط مدينة المالكية في ريف الحسكة الشمالي الشرقي، إضافة إلى مواقع في إقليم كردستان، وما تلاه من ضربات تركية باستخدام الطيران المسيّر، كان أجددها يوم السبت الماضي، من خلال استهداف سيارة تابعة لـ«قسد» بالقرب من مدينة عامودا الواقعة شمال محافظة الحسكة أيضاً.
بالنسبة إلى قيادات «المجلس الوطني الكردي»، الذي يُعدّ إحدى أبرز الجهات الكردية السورية المعارِضة لـ«الكردستاني»، فإن عملية جمع التواقيع هي من ضمن «حركة الولاء الإعلامي» التي تمارسها «قسد» بين الحين والآخر، لتؤكد عمق انتمائها لـ«الكردستاني»، وتمثيل رأيه في الداخل السوري. وتنقل مصادر مقرّبة من المجلس، في حديثها إلى «الأخبار»، عن قياداته اعتقادهم بأن الإدارة الأميركية لن توافق على أن تكون الطرف الذي يبدأ بخطوة تزعج تركيا وتنقض العلاقة معها، على رغم التوتّر الذي لا يزال يَسِم هذه العلاقة. وتشير المصادر إلى أن «الشبيبة الثورية»، وهي إحدى أكثر الفصائل الكردية المتطرّفة ولاءً لـ«الكردستاني»، تستخدم أسلوب التهديد لإرغام السكّان على توقيع العريضة، وهو ما لا يخرج عن سياق سلوكياتها المستمرّة ضدّ هؤلاء، وخصوصاً العرب منهم، عبر إجبارهم على الخروج في تظاهرات داعمة لـ«الكردستاني»، فضلاً عن تجنيد أطفالهم في صفوف «وحدات الحماية الكردية» و«وحدات حماية المرأة» التابعة لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي»، ممثّل «الكردستاني» في سوريا، والذي يُعتبر في الوقت نفسه العامود الفقري لتحالف الفصائل المعروف باسم «قسد».
يُذكر أن «الكردستاني» صُنّف في العام 2002 كـ«منظمّة إرهابية» من قِبَل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وسوريا وأستراليا والمملكة المتحدة وكندا. وكان الحزب الذي تأسّس في عام 1978، قد أطلق صراعه المسلّح مع تركيا في عام 1984، قبل أن تتمكّن المخابرات التركية من اعتقال مؤسّسه عبد الله أوجلان، في عام 1999. وما بين عامَي 2013 و2015، توقّفت أعمال الحزب القتالية ضدّ الحكومة التركية بطلب من أوجلان من داخل معتقله، إلّا أن الحكومة التركية أسقطت الاتفاق بعملية عسكرية أطلقتها ضدّ «الكردستاني» في أراضي إقليم كردستان.
صحيفة الاخبار اللبنانية