حياة بلا أصدقاء
أفتش اليوم و قد طعنت في السن عن أصدقاء جدد و قد رحل معظم أترابي فأكاد لا أجد سبيلاً لاكتساب صديق ، فالمجتمعات الحديثة كما يبدو لم تعد تعبأ بغرس شتلة للصداقة في حقول الروح البشرية ذلك أن المجتمعات الحديثة التي تغلبت فيها نوازع السوق التجارية لم تترك مساحة في الروح لعلاقة إنسانية عميقة وهكذا ضاع المضمون الأخلاقي للصداقة حين بدأ يفقد المثل الأخلاقية لتحل محلها علاقة المصالح الخاصة أو المجاملات العابرة.
أفتش إذن في هذا المناخ المالح السائد وقد فقدت الكثير من جاذبيتي القديمة لأراني فردا مستوحشا يحارب الوحدة بلا معين سوى ما تبقى من جذوة التفاؤل والوعي الفكري. في هذا المناخ الضبابي لجأت إلى مغريات الأجهزة الألكترونية للتواصل الإجتماعي في مقاهي الأنترنت بحثا عبر مواقع التواصل وعلى الأخص الفايسبوك عن علاقات لصداقة مع أناس لا أعرفهم.
وضعتني هذه التجربة مع حالة غنية بالأسماء و الأمكنة لم ألبث وأنا أخوضها أن أطرح على نفسي هذا السؤال: إلى أين أنت ذاهب؟ هل هذه هي الصداقة التي تنشدها؟ أول ما يشعر به المتصفح للفايسبوك أنه يعقد علاقة لا تخص الشخص المتصفح وحده بل مجموعة تترقب دورها للمشاركة في هذه العلاقة ومن هنا يبدو أن الهاتف الأرضي أقدر على خلق علاقة حميمة أضف إلى ذلك أنها علاقة لا تعني الصداقة بأعمق معانيها في أن تصافح من تراسله و تشعر بدفء أصابعه أو أن يعانق الصديق صديقه أو يربت على ظهره وما تبعها، فهذه الحركات الودودة لا وجود لها في علاقات الأنترنت و بهذا المعنى تفقد كلمة الصداقة حرارتها كقيمة إنسانية حين تغدو خيطاً متشابكاً في شبكة عنكبوتية لا تخص الفرد بل الكتلة البشرية غير الشخصية. ومن هنا تتعرض الصداقة إلى مضاعفات غير صحية تثيرها العجلة والوقاحة أحيانا.
ماذا يحدث لي إذن ؟ يحدث أن تغدو المشاعر الإنسانية العميقة أشبه بصفقة غير عادلة أو متبادلة بالتساوي بين مشاعر الطرفين على الفايسبوك أو التويتر أو أي مساحة في الأجهزة كمقايضة عاطفية غير مضمونة ذلك أن طرف العلاقة فيها لا يعرف الطرف الآخر غير كلامه إذ لا يرى قسمات وجهه المتبدلة ولا نظراته السليمة من التصنع و المبالغة. هذه هي حياتي الآن إذن دور في مسرحية خالية من الأشخاص، و عليّ وحدي أن أتخيلهم و أخاطبهم و أعقد معهم علاقة لا يصح إطلاقا أن تسمى صداقة!…