حياتكم أسهل وحياتنا أجمل

 

عندما جلست جواري في الحافلة، كان عليّ أن أبتسم لأعبر عن احترامي لها ولعمرها وفق تقاليد الكياسة، لكن سيدة مثلها في منتصف عقدها الثمانيني وبتلك الحيوية تستحق أكثر من ذلك الاحترام الاعتباري.

لم يكن للعمر أي تأثير على حركتها أو طريقة جلوسها، مع أنها كانت تستعين بقدم ثالثة في غاية الجمال! عصا من خشب الأبنوس بيد فضية تمسك بها بهدوء مفرط، لم أشعر أنها كانت بحاجة لها، وبدا لي أنها جزء مكمّل من أناقتها.

البرد كان في أشد مواسمه، مع ذلك بدت هذه العجوز متدفئة بنفسها! صحيح أنها ارتدت معطفا أنيقا ووضعت شالا صوفيا حول رقبتها وقبعة بلون الرمان، لكنها ليست من اللواتي يبدين كمن وضعن أجسادهن في كيس الملابس تجنبا للبرد.

عندما أعدت التأمل في وجهها أبهرني هذا الجمال، فقد حافظت على نظارة بشرتها، لم تغطس عيونها في محجريها ولم تنل التجاعيد من بياضها الناصع، “أرجو ألا تنسوا أنها في الثمانين!” ليست حماقة وانعدام نظر أن يصف واحد مثلي امرأة في الثمانين بالجميلة، لأنها حقا كانت جميلة.

شعرت بابتسامتي في وجهها وقدرت ذلك، فأرادت أن تتخلص من المقدمة السائدة التي يتداولها الناس في لندن قبل أي كلام بالحديث عن الطقس، لكنها لم تبتعد كثيرا، فقالت إنك تحمي نفسك بشكل جيد بهذا المعطف وشال الرقبة والقبعة التي ترتديها، مع أنك لست كهلا مثلي!

شكرتها بودّ وقلت لها: حيويتك خارج حدود العمر، فأنت محظوظة أيضا.

ردت بقولها ربما، لكن أنت من جيل محظوظ بكل ما أوتيتم من تسهيلات تكنولوجية، لكنكم لستم أسعد من جيلنا.

انظر هل ترى من يطالع صحيفة المترو المجانية الموجودة في الحافلة بين الركاب، الكل مشغول بالهواتف، ولولا الحديث بيني وبينك لكنت أتوقع أن تكون أنت مثل الجميع.

من حسن حظي أنها استمرت في الكلام كي أبقى منصتا لها وجها لوجه، وأبقى أرسم ملامح وجهها في خيالي عندما كانت في عقدها العشريني، أي جمال هائل كانت تمتلك هذه المرأة.

وبالفعل تخيلت صورتها بالأسود والأبيض عندما كانت في سنتها الجامعية الأولى أو الثانية، بينما كانت مستمرة بالكلام عن جيلهم وجيلنا.

لم يكن كلامها يهمني بقدر تاريخها الشخصي، ماذا كانت تقرأ، كيف كانت حياتها، هل كان جمالها الباهر نقمة عليها، هل تعرفت على فرجينيا وولف مثلا وتألمت لحزنها، ماذا تعرف عن دوريس ليسنغ وتحليلاتها العميقة.

كم كان بودي أن أحصل على صورتها في شبابها كي أتعلم منها ما يجعل الكتابة مضيئة، فوجوه النساء تلقننا دروسا في التأمل.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى