” حيوانيون” أكثر من الحيوان
المتحمسون لحقوق الحيوان هم جماعة “حيوانيون” أكثر من اللازم، فهل جعلهم الحيوان وكلاء حصريين أمام المحاكم، وناطقين رسميين باسمه، ومدافعين عن حقوقه؟
لم نشهد دجاجة تطالب باستعادة بيضها ولا بقرة تنادي باسترجاع حليبها من رضاعة طفل، أو دبا يصادر فروة شقيقه من معطف سيدة.
هذا ما قاله أحد الكتاب الساخرين، طالبا عدم ذكر اسمه وهو يجلس إلى طاولة المشويات في مزرعته الصغيرة، غير آبه بالدجاج والخرفان والأرانب التي ترمقه، وأضاف أن غالبية الرافعين لشعارات حقوق الحيوانات، يبالغون في كل شيء، ويشاكسون الطبيعة التي تفعل فعلها دون تحيز لأي كائن من الكائنات الثلاثة التي تعمّر هذا الكوكب، فكل خروف “يعلم” أن وراء كل دلال وعلف جيد، موقد شواء، كما أن لكل شجرة غصنا قد يصبح يوما ما ذراع فأس تمتد إليها لقطعها.
غالبية المبررين لـ”ممارسة حقوقهم” من عالم الحيوان يرون الأمر طبيعيا، لكنهم يركزون على مسألة الرفق والمعاملة اللطيفة بتجنب القسوة، كما أنهم ينادون بـ“الأساليب الرحيمة” في الذبح، واحترام مواسم الولادة والتفريخ والتكاثر في الفترة المسموح فيها بالصيد.
الحملات التطهيرية التي تقوم بها البلديات ضد الكلاب والقطط السائبة، والتي ينتقدها مناصرو حقوق الحيوان، يرى فيها الكثير من الناس أمرا طبيعيا ويجب أن يحصل حفاظا على الصحة العامة واتقاء من الأمراض والأوبئة، كما أن توفير التلقيحات وتحسين البيئة مهمان للحماية من الكلاب الشاردة وغيرها.
ولا يمكن في هذا الصدد إنكار تحسن وضع حقوق الحيوان في بلاد عربية كثيرة، إذ ارتفع عدد عيادات الحيوانات ومراكز الرفق بالحيوان في مدن مثل القاهرة، بيروت، عمّان، تونس والرباط، بشكل ملحوظ في العقد الأخير. وتقوم منظّمات حقوق الحيوان في عدة دول عربيّة بعمل يستحقّ الثناء لتوفير مأوى للحيوانات وتعديل القوانين والتصورات العامة الضارّة رغم محدودية الإمكانيات.
ومنذ سنوات، اعتمدت السعودية مبادئ توجيهية للرفق بالحيوانات من أجل اتخاذ الإجراءات الصارمة ضدّ من يسيء لها، وتخصّص الحكومات الكثير من الجهود من أجل مكافحة تجارة الحيوانات غير المشروعة وتشارك في مؤتمرات دولية تتناول موضوع الرفق بالحيوان.
الحملات التي تقوم بها البلديات ضد الكلاب الضالة، والتي ينتقدها مناصرو حقوق الحيوان، أمر طبيعي ويجب أن يحصل حفاظا على الصحة العامة واتقاء من الأمراض.
في الشارقة، “تحرص الهيئة على الاحتفال باليوم العالمي للحيوان، وجاء حيث تم تنظيم فعاليات الرفق بالحيوان، من أجل المساهمة في نشر مفهوم ثقافة الرفق بالحيوان وحمايته والعناية به، وتنمية الوعي حول علاقته بالإنسان وأهميته ودوره الفعال في التنمية المستدامة.
السعودية أيضا أقرت نظام الرفق بالحيوان لدول مجلس التعاون الخليجي، إذ يعاقب منتهكو حقوق الحيوان في السعودية بغرامات مالية تصل إلى 200 ألف ريال في حال تكرار المخالفة والتشهير في الصحف، وذلك بعد إقرار المملكة نظام “الرفق بالحيوان” لدول مجلس التعاون الخليجي.
وجاء في أحكام النظام أنه يجب على من يريد الاحتفاظ بالحيوانات الالتزام بتوفير المنشآت المناسبة، والظروف المعيشية الضرورية لإيوائها، وتوفير العدد الكافي من العاملين المؤهلين ممن لديهم القدرة المناسبة والمعرفة والكفاية المهنية بالأمور المتعلقة بالرفق بالحيوان، ومعاينة الحيوانات وتفقد أحوالها مرة واحدة على الأقل في اليوم.
وتحظى الماشية والحيوانات المستخدمة في العمل الزراعي بأرياف، بما في ذلك الجمال والأبقار والبغال، بتعامل أكثر عدلا، وإنْ كان لأسباب عملية نفعية تخص الإنسان وحده، لكن لا ينبغي أن ننسى بأنها تخدم البيئة و“تعيل” الفئات الفقيرة، فمن يطلب من هؤلاء المزارعين والفلاحين المستضعفين أن يكفوا عن ذلك، عليه أن يتدبر هو عيشهم وقوت يومهم، ذلك أن المبالغات في مسألة حماية حقوق الإنسان، عادة ما تأتي من الفئات الميسورة والمرفهة، ولا يعرفون من نماذج الحيوانات غير القطط والكلاب ذات الأصناف النادرة في منازلهم الفخمة، وليس كلاب الحراسة ورعي الأغنام في القرى الفقيرة.