خطيبة جول جمال… وداعاً

 

أمامي صورة إمرأة مبتسمة، مضيئة كأنها قادمة من أزمنة السعادة. وجه المرأة يدل على مفردات جمال غابر، وعيناها حزينتان ثابتتان في رفة جفن لحظة التصوير.

هذه المرأة أعادتني بالذاكرة إلى 63 سنة إلى الوراء. حيث خرجنا نحن الأطفال في المدرسة الابتدائية نهتف ضد العدوان الثلاثي على مصر، ونهتف أيضاً بحياة الشهيد جول جمال. ونستمع إلى كلمات أساتذتنا ، ولا نعرف تماماً ما الذي يجري سوى أنه عدوان عدة دول على مصر.

هذه السيدة هي جاكلين بيطار، خطيبة البطل جول جمال. هذه السيدة اليوم ذهبت إلى خطيبها في السماء.

وأنا الآن ، وهي تغادرنا ، أتمنى أن أكون مؤمناً جداً فأدعو أن تلتقي به في المكان اللائق بفتاة بقيت 63 سنة بخاتم خطوبتها ، وكأنها تنتظر عودته ، لينتقل هذا الخاتم من اليد اليمنى إلى اليسرى.

جول جمال ضابط سوري تخرج من الكلية البحرية في مصر،عند بداية العدوان الثلاثي على مصر الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل.

وعندما كانت الطائرات تقصف مدينة بور سعيد يومياً… كانت المدمرة الفرنسية “جان دارك” تقترب من المدينة لتدميرها كلها كميناء ومدينة.

طلب الملازم جول جمال من قائد البحرية المصرية جمال الدسوقي أن يسجله في مجموعة الهجوم بزوارق الطوربيد على المدمرة. فلم يوافق لأن القوانين لا تسمح لغير المصريين بمهمات من هذا النوع فقال له: وزير الإعلام المصري قال منذ أيام : “عندما أرى شوارع الإسكندرية كأني أرى شوارع اللاذقية. أنا لا أرى بلدين. أنا أرى بلداً واحداً”.

” وفي المعركة لا فرق بين مصري وسوري”.

تقدمت ثلاثة زوارق طوربيد يقود أحدها الملازم جول جمال. ويهاجم المدمرة الفرنسية  “جان دارك “وعلى متنها 88 ضابطاً و 2055 جندياً وعلى سطحها 109 مدافع من مختلف العيارات.

وفي اليوم الذي أذيع هذا الخبر البطولي… خرجت مدينة اللاذقية إلى الشوارع ، وأجراس الكنائس وأصوات المآذن إلى السماء. وكان ذلك اليوم هو عرس بطولة من نوع جديد في الحروب.

منذ أيام شيعت اللاذقية جاكلين بيطار التي لم تنس طوال 63 سنة رجل حياتها الغائب الراسخ في ذاكرة الأيام. ودفنت مع خاتم خطوبتها.

لا أدري إن كان بوسع الوجدان الجمعي للناس في بلادنا، أن يجعل الزهور لا تذبل على قبر جاكلين بيطار… كما اسم جول جمال ، الذي لم تبهت صورته على مدارسنا وشوارعنا وما تبقى من وطنيات تلك الأيام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى