خفقة القلب (16)
تأخذني كلمات الحب إلى أبعد ما يكون ، فالحب ليس إلا دماراً شاملاً للقلب والروح معاً. لم يعد في الحياة شيء يهمني ..ما أعلمه هو أنني دائم الشوق إليها. بتّ أبحث عن أية وسيلة لألتقي بها لتحدثها جوارحي عن قرب ، ولأبوح لها بما في قلبي ، لأسد رمقي بقطعة من سرور. دعوتُ إلى ربي وصلّيت لأجل أن أراها.. أعترف بأن نبضاً عذباً غزا قلبي .. كان سعيي الدائب هو الوصول إلى قلبها واقتحام أسواره وقلاعه واحتلاله.. وتحقق الحلم الذي كان يراود خيالي .. كم كنت سعيداً حين سمعتُ قريبتي تتحدث بشأنها وتحدثني عنها ، عندها استعنت بجنوني وتجرأتُ ،وطلبتْ منها أن تدعوها لزيارتها في منزلها، وتُعلمني لأقوم بدوري بزيارة منزل قريبتي الذي لم أدخله منذ مئات السنين !
كان عليّ أن أستعد للقاء معها بذلك القدر من الحيطة العاطفية وأن أكون جاهزاً لفرح طارئ ! أن أستيقظ قبل أن يتنفس الفجر ويخرج الصبح من جوف الليل ، ويفتح النور أجفاني ! ظللت أفكر طوال الليل فيما سيكون عليه الغد. جاء الموعد لأراها ، لأتحدث إليها ، لأسمع صوت قلبها الدافئ يأتيني بكل لغات الجمال، لأملأ قلبي بعصارة حبها ، لأصافح عينيها ، وأعيد تنفس أنفاسها ، وأخزّنه في رئتي ، وأستعيده متى أشاء ، ولأجد الإجابة على كل أسئلتي!
جاء موعد اللقاء البكر بها بتوقيت قلبي ..جرفني الشوق إليها .. لا أريد لعقلي أن يستيقظ صباح ذلك اليوم ، خلعتُ عقلي عني ، وقررت أن أضرب موعداً مع الجنون.. يومٌ تنحّى فيه عن سبل الزمن ! التوتر قد بلغ ذروته ..لم أعد أستطع السيطرة على حركات أصابعي المتوترة أو على ضربات قلبي المرتبكة.. وقفتُ أمام المرآة أردد الكلمات والخطب العصماء التي حفظتها والتي سأقولها ! جعلتُ ساعة يدي متقدمة عن الوقت عدة أيام. كان عليّ أن أستبق الوقت ليصبح التوقيت خاص بي وحدي !! حملتني قدماي وسبقتني إلى المنزل دون مقاومة مني، أحملُ قلبي معي. رحتُ أحثّ خطواتي لتجاري خفقان قلبي ، يركضُ ظلي أمامي ، وتركضُ روحي حافية لتسبقه، مصطحباً سلال الأشواق ، ومتسلحاً بكل أسلحتي الفتاكة من الحب. دماء الحب تسري في عروقي ،اقتربتُ من المكان، استعدتُ أنفاسي، حاولتُ أن أتفقد هيئتي قبل أن أدقّ الباب وقد تقاطرت على جبيني قطرات من العرق البارد..تساءلتُ في نفسي ماذا غير الشوق واللهفة قادني إليها ؟ كانت الساعة تشير إلى الخامسة إلا قبلتين. وقفتُ أمام الباب متردداً وأنا أقدّم قدماً وأؤخر أخرى، لكني ما لبثت أن استجمعتُ شجاعتي ، وأخذتُ نفساً عميقاً قبل أن أقرع الجرس، وطرقتُ الباب بخجل طرقاً خفيفاً..ثمة بيوت تفتح لك قلبها وهي تفتح الباب..دخلتُ المنزل مبتهجاً وقد تهلل وجهي وكأنني على موعد مع السعادة. جلستُ بجوار نفسي أطيل النظر إلى الباب، سبقني الحب وحجز له مكاناً إلى جواري..كنتُ نافذ الصبر منتظراً قدومها..وضعتُ نظري وسمعي تحت تصرفها .. تختلطُ في جسدي مشاعر الحب والسعادة والترقب ..مرّت دقائق حسبتها سنوات..ارتمت أذناي إلى دقات الباب ..طرقّتْ الباب بهدوء..ما أن سمعتُ صوت الباب يطرق حتى استيقظ قلبي و حواسي كلها..هبّت قريبتي لتفتح الباب في رشاقة ..رحبّتْ بها ودخلتْ بخطوات سريعة.. سمعتُ صوت خطوات حذائها ينشر موسيقاه في أرجاء المكان والزمان..طلعتْ كالقمر بدراً كاملاً ،ما جدوى البحث عن القمر وعندي هنا قمر يطلع في النهار وفي الليل، في أول الشهر وخلاله وفي آخره.
رأيتها تتقدم وتقترب..أطلّتْ على استحياء توزع الابتسامات على الحاضرين..تحركتْ شفتاها لتلقي السلام ..لم أجد صوتي لأرحب بها ووجدتني أكلم نفسي ! وصلني الصوت الأحب إلى أذني ، وأطلّ الوجه الأحب إلى عيني وقلبي.. توقف العالم برهة عن الدوران، توقف القلب دقة عن الخفقان لالتقاط الأنفاس، وتوقفتْ اللحظة عن الاستمرار ! إن كان للكلمات لساناً ينطق ويتكلم فستنادي:أيتها السماء ..أيتها الشمس ..أيها القمر في قلب السماء.. أيتها الكواكب المزروعة في كبد السماء..خذوا علماً أنها جاءت!! التقينا كالجبال التي لا تلتقي إلا في الزلازل والهزات الأرضية .. فتاة تتفجر حيوية وأنوثة..أطلّتْ عليّ كألوان قوس قزح بعد ظهيرة توقف فيها المطر. أشرق وجهها كأنه شمس دخلت من الجهات الأربعة .. المكان يمتلئ سريعاً برائحة الحب..أغلقتُ نوافذ الغرفة التي تجمع فيها الحب..أمسكتُ بزناد قلبي .. جسد الأرض يرتعش.. خلايا عقلي تلتقط نبضات قلبها الذي أخذت تتسارع في جنون، كدتُ أشهق وأنا أراها، تجمّد نظري، ها هي تقترب مني كالحلم.. ذابلة من الشوق.. تجلب معها حباً جارفاً .. يعانقها الفرح.. ترتدي ابتسامة ذاتها.. التهبتْ وجنتاها حياء.. ليت هذا اليوم يبطئ في مشيته وتتوقف عقارب الساعة، أريد للوقت أن يصاب بالزكام ويأخذ إجازة مرضية ليمهلني قليلاً ، كل ما فيّ يرحب بكل ما فيها ..اكتشفت متعة اللقاء..وجدتُ نفسي دون وعي مني أوسع مكاناً لها.. الكل يحيط بها إحاطة النجوم بقمر السماء!