خفقة القلب (17)
جلستْ شجرة الحب وأغصانها وأوراقها وأزهارها إلى جانبي ، على حافة جسدي، على عتبة قلبي ، على بضعة أنفاس مني ،على يمين الذكريات ، على مرمى حلم ، على مرمى شهقة حب ،في مرمى بصري ، في مرمى عواطفي لترتوي مشاعري، قريباً من كتفي الأيسر لتكون قريباً من قلبي أكثر ، قلبي بجوار قلبها ينقل إليها إيقاع دقات قلبي، أستمع إلى كل ما يدور بداخلها من كلام، الجلوس معها خصب للكلام.
لم أكن أصدق أن أكون قاب قوسين أو أدنى بجانب أحب الناس إلى قلبي وروحي ! اسمها ، ملامحها ، أنفاسها ،حبها ، حياتها ،كلها ملكاً لي ، لا أحب أن يشاركني بها أحد! شعرتُ بالحب يتدفق في أوردتي ، وبالمسافات التي بيننا تتقلص حتى تكاد تنعدم، أكاد لا أصدق أن شقيقة روحي جالسة بجانب روحي ،كلمات قليلة تفصلني عن حضنها، أنوثتها تقتحمني ، أنفاسها تلامسني، تتسلل عميقاً في جوفي فتحدث زعزعة بأنظمة جسدي ،غبار الحنين دخل عيني، شريان الفرح ينبض في جسدي ، كلانا بحاجة إلى الآخر.
جسدها كله يناديني ، كل شيء فيها يضمني ، ليتها تضمني إلى جسدها كطفل رضيع لينام قلبي على صوت خفقات قلبها ،ولأذوق لذة الأمان والسكينة، نداء خفي من العقل ومن الجسد ومن الكيان كله يأتينا معاً في اللحظة ذاتها وكلانا يستجيب له، أنا في دعوة مفتوحة إلى مائدة الحب، في ضيافة السعادة ، في منطقة منزوعة الذكريات ،بعيدة عن كمين الذاكرة ، مجردة من مؤامرة الأشياء علينا ، هي أجمل الأشياء، هي أجمل الكائنات، في أعماقي يتراقص الفرح ، تقدمتُ نحوها ، بيننا مسافة أنفاس وقبلة، كدتُ ألامسها تماماً كما ألامس كلماتها، فشعرتُ بصاعقة الاصطدام العشقي ، وتعانقت الأشواق ، واشتعل كل شيء في داخلي ، ما عدتُ أعرف إن كنتُ أتنفس موسيقى صوتها أو أسمع عطور أنفاسها ! ما عدت أدري هل أنفاسي تداعب شعرها ، أم خصلات شعرها تداعب أنفاسي؟ أنا لا أعلم !! ليت العمر يجلس معنا الآن ..يتوقف بين أيدينا كي نسبح فيه !
سرعان ما استيقظ فيّ ذلك الشوق ،راحتْ عيناي تتأملانها وأذناي تسمعانها ، أتلهفُ شوقاً إلى سماع صوتها الناعم ككل ما فيها ،وأحسّ جوعاً وعطشاً إلى كلماتها، وأسلمتُ لها كل حواسي دفعة واحدة ! مضت دقائق وأنا أسترق النظر إليها، نظرتُ إليها نظرة شحنتها بكل مشاعر الشوق وقد تلألأ وجهها بنور سماوي غريب ، لا يشبه ضياء الشمس ولا نور القمر ، ولا نور أي كوكب من كواكب الأرض والسماء! كانت عيناها مفاجأتي ، ما أجمل التماع العينين حين تتوسع حدقاتهما وتغرورقان بالحب وتشتعلان بالشوق ! اقتربتُ منها ومن كنوزها ولآلئ بسماتها وكلماتها ونظراتها وعبيرها وكأنني أقبّلها بأنفاسي، فارتبكتْ وتنهدتْ وكادتْ تفقد وعيها ، وتورّد وجهها بمشاعر الحب الذي يحيط بها ، ولفحتْ أنفاسها الحارة وجهي، وصادرتْ من رئتي الهواء ! توقفتْ الكلمات في صدري وانطفأ الكلام لتشتعل مساحات الصمت، ذلك الصمت الذي لا يترجم إلى أية لغة بشرية ، فالصمت سيد اللغات جميعاً، وبدأ النضال بالعيون والأهداب، واكتشفت لغة تخصنا وحدنا، لغة عيناها أصبحت لغتي، الكلام يخرج من العيون، الصمت ينطق في عينيها بالكلام ، فما أجمل الكلام الذي لا يقال بغير العينين! طرقتُ باب عينيها ورحتُ أستمع إلى لغتهما، وأصنع من نظراتهما سبائك من الأحلام، في حضور من نحب يكون صمت الكلام أغلى من الكلام، استسلمنا لألغام الصمت ، كلانا يتأمل الآخر، لا نريد أن نفتح أية نافذة للحوار ،طرحتُ عليها كل الأسئلة دفعة واحدة ، بذبذبات صمت وحدها تعرفها ، هناك كلام لا يقول شيئاً وصمت يقول كل شيء ، كلانا كان صامتاً لا يتحرك .. اللغة العربية تتجنب التقاء الساكنين ولكن يمكن أن يكونا متجاورين !!