خفقة القلب (26)
أتساءل كيف يموت من لا يحب ولا يعشق ؟!! من يحب لا يملّ من الحديث ولو كان الحديث صمتاً! هي لن تقول أكثر ، ما جدوى أن أنتزع منها كلمات واعترافات مخادعة، وكيف ستتكلم وقد توقفت كل حواسها وأصبحت خارج الخدمة بشكل مؤقت كالصرافات الآلية في أول كل شهر؟! هي لم تعد معي على الأرض بل أصبحت تحلّق في السماء السابعة !! تسللتْ هذه الكلمة إلى قلبها وعقلها رويداً رويداً ، وبدأتْ روحها تتشربها جرعة جرعة، وأحسّتْ بتلك الكلمة بنشوة تهزّها وتجعل قلبها يرفرف ويرقص في صدرها، وبمذاقها الحلو سرى في خلاياها ، وكأن تياراً كهربائياً عبر جسدها ، وسرعان ما تفجرتْ الألغام وتصدعتْ الدروع والأسلاك الشائكة التي حصنت بها قلبها طوال طفولتها وبداية صباها !
سمعتُ صراخ الحب دعاني إلى جنته وشممتُ عطره ، سمعتُ نداء قلبها ملبياً نداء الحب الصادق، وشعرتُ باهتزازات الحب التي تحدثها عند ملاقاة النصف الحقيقي ، إنه الحب الذي يداعب قلبها ،ويضم روحها إلى روحي ، ويسكبُ عواطفها في كبدي ، ويجعلنا توءماً في جسد الحياة !
بعد دقائق من الذهول الشارد أُعيدتْ إليها حواسها وتصبب العرق من جبينها وانحدر إلى منبت عنقها وأعلى صدرها وتدحرج إلى الزقاق ما بين نهديها، واتقدّ وجهها حياءً وخجلاً، واكتسى بتلك الحمرة الرائعة التي تتركها شمس الغروب على وجه البحر، الاحمرار الذي صبغ وجهها لا يحتمل الكثير من المعاني ..رفعتْ رأسها في حياء وهمس قلبها في صوت رقيق يهزّه نغم الفرح وأنا أحـــ بـ ك .. وازداد احمرار وجهها من الاحراج ..ولزمتْ الصمت ، وسمحتْ لابتسامتها أن تستقر وتنام على شفتيها ، وأدركتُ في قرارة نفسي الحياء الذي يزين وجوه العذارى!! لم تستطع أن تخفي حبها الذي قرأته في عينيها.
كانت كلمة “أحبك ” اتفاقية صامتة وجدت مصباً لها في القلب..بعدها كلانا ألقى سلاحه! كلماتُ الرفض والممانعة اختفتْ من عقلها ومن لسانها، ومن قواميس كل اللغات! أصبح الكلام يخرج من أفواهنا دون أن نتكلم ، وأصبحنا نحلم دون أن ننام ، تلك هي قصة الكلمة التي اخترقت قلبينا ، تبادلنا القلوب ..أهديتها قلبي وأهدتني قلبها !
تُرى كيف أجعل سيل البسمات التي على شفتيها ،ودموع الفرح التي في عينيها تتحول إلى كلمات ؟! لم أعد أنتظر المزيد من الفرح الذي تساقط في قلبي كأوراق الشجر في فصل الخريف ،طريق الفرح سالك أمامي، لم أعد بحاجة إلى مزيد من السعادة ، فالسعادة التي يمنحها الحب لا تعادلها سعادة أخرى، حبها ثروتي وكل أملاكي ، لن أستلف قرضاً ولن أشتري حباً على أقساط ! استعدتُ حبل أفكاري وشعرتُ بارتياح من ثقل المشاعر المكبوتة والأشواق التي كنت أحملها منذ أول نظرة ، وبأن جميع ما كان يُضخ في عروقي من الدم قد تراجع كله دفعة واحدة وعاد إلى مأواه في قلبي ! شممتُ عطر الحب ..أقول لها : أحب صمتك ،تجيب: وأحب صوتك! الكلمات الجميلة سريعة العطب. الكلمات التي كنت أفكر أن أقولها لها تضيع مني قبل أن ألفظها، خانتني كلمات كثيرة كنت أستحضرها لها ! كنتُ أتمنى أن أسحب خيط الكلام من فمي ، وألملم الكلمات من تحت لساني ، وكم كنت بحاجة إلى دروس من الحياء لأستبدل هذه الحمولة من الكلمات والأشواق بقبلات من شفتيها ،أشياء كثيرة أستشعرها بقلبي لكن لا يمكنني أن أوصلها بقلمي ، فقد ذهبتْ الأفكار المجهزة من رأسي ولم أدر ما أقول! هناك الكثير من الكلمات التي تراجعت أصابعي حياء عن كتابتها رغم كونها حقيقة !“علمت بعد مدة بأنها هي أيضاً كانت قد سبقتني وطلبت ذلك اللقاء “.