خفقة القلب (27)
بعد أن قابلتها لم أهدأ بقية يومي ، لم أعد أعرف كيف عدتُ إلى منزلي ، هل عدت مشياً على الأقدام أو ركبت فوق السحاب ؟ كل تلك اللحظات تلاشت من ذهني تماماً..وصلتُ إلى بيتي وارتميتُ فوق السرير بثيابي وجسدي ودفتري ومشاعري والسكين التي سأكتب بها، انشغلتُ في تنظيف سلاح كلماتي وفي ترتيب رفوف ذاكرتي، وبلا شعور وجدتني أفكر فيها ، وأسترجع كل كلمة من كلماتها، أسامر ذاكرتي وأملأ حقيبة ذكرياتي ومتحف ذاكرتي بها .. خفقات قلبها .. الحمرة في وجنتيها..العبرات في عينيها ..المشاعر العميقة والصادقة التي جمعتنا كلها تنطق بحياة تلك الذكريات !
وضعتُ رأسي على ثدي وسادة أحلامي ، أصارع الأحلام ،أغفو إلى جوار نفسي وظلي، أتقلبُ من جنب إلى جنب بحثاً عن نوم لا يجيء ، أخفي رأسي تحت اللحاف لأنام، أسترجع كل الآيات القرآنية التي أحفظها وكالمصلين الذين يعودون من المساجد وفي أفواههم بقايا تسابيح ،كيف يمكن أن يأتي النوم وأنا أعذب نفسي بالتفكير فيها ؟
أغلقتُ كل أبواب النوم ، رحتُ أغمضُ عيني محتالاً على النوم لعلّي أرى طيفها ، قضيتُ ليلتي أتقلّب بحثاً عن جانب يغفو عليه أرقي، لكن النوم لم يهبط عليّ حنوناً كأصابع أمي !بقيت مستيقظاً. إنها معركة ليلية بين العقل والقلب تدور في سريري مع نومي المتقلب! في الليل تحلو الذكريات وتنتصر الدموع ، بعد أن تتعانق عقارب الساعة ويتخطى العقرب منتصف الليل تبدأ معارك القلب ، إما أن تبدأ بالحنين وتنتهي بالمواجع أو أن تبدأ بالمواجع وتنتهي بالحنين ، تلك هي لغة منتصف الليل ،وهذا هو الحب كالموت ،هذا الموت لا يوجع الموتى، إنه يوجع الأحياء، أرأيت رصاصة تسأل القتيل ؟
حبها أوقد النار في قلبي ،يا الله.. آتني قوة من عندك ، فقد بدأتْ رحلة جديدة من المتاعب والعذاب وآلام الاشتياق ! الحب لا يلقي سلاحه بسهولة ، ولا يستسلم وإن كثرت جراحاته ، إنه يدق باب القلب بعد أن يجمع بين قلبين ! ما أروع أن تحب انساناً يحتل كل خلايا جسدك، وتأمرك روحك أن تسأل عنه ، ويجبرك قلبك أن تشتاق إليه !أعترفُ بأن القلب في معركته الأولى معها قد انتصر، وتمرّد قلبي عليّ ، فلا يستطيع الذهاب إليها ولا يستطيع الرجوع إليّ ! امتلأ رصيدي العاطفي ، وبتّ وأنا في سريري أتلّهف وأتحرق شوقاً لأراها والنيران تأكل جسدي شوقاً إليها، وشعرتُ بأنني كومة من وقود يابس ينتظر الشرر ليشتعل!