خفقة القلب (33)
لست أذكرها ..كيف أذكرها وأنا لست أنساها ؟ لن أنساها ..أحتفظ بتفاصيلها متقدمة في ذاكرتي .. لن أنسى أنها مرّت يوماً على قلبي ..باب النسيان مغلق لا يفتح للذاكرة الممتلئة بها ..النسيان هروب من كل مفرداتي ..كل شيء يذكرني بها.. خيالها لا يزال يرتمي في أحضان أجفاني .. طيفها لا يفارق ذاكرتي ، تتركني مشتعلاً ، أشعر بالشوق الذي يربطني مع ذاكرتي ، كيف أنساها وقد ملأتْ كل الأمكنة والزوايا في قلبي ! لن أنسى فتاة قلبي.. كيف أنساها ومازالت بصمات حبها في عيني ؟ هل تنسى الشمس أن تشرق ،والقمر أن يضيء ، والربيع أن يزهر ؟ هل تنسى الأمواج الشطآن وتهرب من عشق البحار؟!
كم من الصعب أن نفصل الماضي عن سلسلة الحياة التي تبدأ بذلك الماضي الجميل وتمر بالحاضر ، فالماضي هو المرجع الذي يشكل صورة الحاضر ويرافقنا إلى المستقبل ! إنّ داخل قلب كل امرأة رجلاً لا تنساه، وداخل قلب كل رجل مكان لامرأة لا ينساها أبداً ! ما من شيء طاف بي إلا ورأيتها فيها وذكرني بها، أراها في السماء الصافية ، أسمعها في حفيف الورق ، أذكرها حين أنام وحين أستيقظ ، فلو كان الحلم يجمعنا لأغمضت طوال الدهر أجفاني ! أحب أن أستمع إلى صوتها على الريق قبل الأكل، وبعد الأكل ، وقبل النوم، وحال الاستيقاظ ، أحلم به يتناول معي فنجان قهوتي ، يرافقني إلى مكتبي ، يجتاز معي الشوارع ، يطمئن علي ، يأخذ بيدي ! ليست الروعة أن ترى المحبوب كل يوم ، الأروع أن تشعر بوجوده وإن كان بعيداً عنك ! إنها كل الأشياء الجميلة، إنها ماء الصحراء وندى الورد وارتعاش الشفاه في ندائها الصامت ! إنها النهر والبحر والرياح والهواء والنسيم والشمس والقمر ! إنها الماء في حياتي ، فكما أنه لا وجود للزراعة والبساتين والجناين والخضرة والقمح في صحراء لا ماء فيها ، وكذلك لا وجود لقلبي ورئتي وكبدي وشراييني في جسد لا روح فيه ..هي روحي وقلبي وعقلي وبؤبؤ عيني!
حين أكون معها يتلاشى الزمان ، ويذوب المكان ، ولا يعود يهمني سوى هذا الشعور اللذيذ الذي يتمشى في العروق والشرايين !في جميع المرات التي كنت أجلس معها أكون مقلاً في الكلام سعياً للاستمتاع بكلماتها ، رقة صوتها كم كنت أحبه..من أين جاءت بحباله الصوتية ؟! أخطف الكلمات من فمها قبل أن تنطق بها ، تتشرب روحي تلك الكلمات، لا أريد لأية كلمة أن تبقى داخل لسانها..تحته..فوقه..على يمينه و شماله وزواياه..أريد سماعها كلها..أحسّ بالطاقة التي ترسلها في كلماتها !