خفقة القلب 44
أتظاهر بمطالعة كتاب فأرى في سطوره مسيرة صامتة لكلمات عارية الأقدام ، مشققة الحروف ، ممزقة الملابس ، دامعة العيون. أنظر في المرآة فأرى وجهاً مشققاً متجهماً وشارداً لا يشبهني، الهمّ يطفو عليه، أُبصرُ عينين حمراوين لا يبدو فيهما غير طلب النوم ، أتأمل الوجه المكسور والممزق في المرآة هل هو وجهي ؟! أرتمي على السرير وأطرح جسدي بتعب عصفور طار ألف عام تحت المطر والريح والعواصف !
تلال من الحزن في مقلتي .. نهر من الحزن يسري في جسدي، أقاوم دموعاً تريد أن تتكون في عيني وتغادرها، وبصعوبة أحبسها وأقاوم البكاء ،على شفتي طمي الدموع !
حبات من الدمع تجري في لحظة ألم يعصر القلب، تتجمع في عيني وتصبح نهراً من الحزن تجري، أمسح دموعي الخرساء ،أبتلع ريقي وأصرخ بدموعي، أنزف دماً وحباً ، تعلمتُ سريعاً كيف يستوي الدمع بالدم ، لقد تركتْ جرحاً لا ينام وسيظل مفتوح الشفتين مدى الحياة ،أنا لا أبكي ، كل ما في الأمر أن غبار الحنين قد دخل عيني !
الجرح الذي في قلبي لم تنزف منه الدماء ، ولن يشفى مع مرور السنين ، إنه أقسى وأكثر إيلاماً من الجرح الذي تسيل من الدماء والذي لا بد أن يُشفى ،أحاسيس غامضة تنتابني، أصبحتُ كالطفل الرضيع يكابد الآلام في زمن الفطام !
احتضنت وسادتي ووحدتي وحزني ويأسي وأفكاري السوداء وبكيت. تنتابني الخواطر السوداء والصفراء والرغبة في الموت ، أحسّ بمشاعر الألم تغزو كياني، أستجمع أفكاري المشتتة ، أحاول أن أتذرع بالصبر والشجاعة لأستعيد علاقتي مع جسدي الميت، ولأروض نفسي على احتمال ما كتبه لي القدر ،أستيقظُ من نومي فأجدني أرددّ حروف اسمها دون وعي مني ، وكأن لساني مازال يحبو !
ما عادتْ الكلمات تجدي ، بارتْ كل الكلمات. أمضغُ الكلمات في فمي وأبلعها في جوفي فتنزف في أعماقي وتصرخ في شراييني، تنتابني حمى الكتابة ، ففي مرحلة الكتابة أجد نفسي وأجد ذاتي ،وأتحرر من روحي ومن جسدي ولا أشتهي الطعام أبداً ، كلما كتبتُ أشعر بخسارة لجزء من وزني، وكأنني لا أقتاتُ أثناء الكتابة إلا الحروف والكلمات !