خفقة القلب 60
ما زالت أمواج الذاكرة قوية تتدفق أمامي ، تشرب من دمي وعمري ، أحاول دفعها بشدة فلم أستطع ، أصبحتْ بعض الأمكنة التي كنا فيها جزءاً من ذاكرتي ، تؤجج مشاعري، أجلسُ أمام الماضي ، أترددُ على منزلها كي لا أخسر الماضي كما خسرت الحاضر والمستقبل !
هناك قلبي ..هناك لغتي ..فكيف أوضّح .. ؟! أعشق البلدة التي تعيش فيها ، والزقاق التي تمشي عليه، والحجارة التي تحتفظ برائحة أنفاسها ، والبيت التي تسكنه، والأشجار التي تحيط بها ،والهواء الذي يحمل عطر أنفاسها ،فلا أحد يعشق المكان لحجارته أو جماله أو أسواقه ومطاعمه وحدائقه وشوارعه دون أن يكون فيه من يحبه ويعشقه ويمتلك فيه حناناً من نوع خاص ، حتى الجدران الصامتة والحجارة الصماء تكتسب من صفات الذين يلاصقونها بأجسادهم وأرواحهم.
أزور الأماكن التي شهدت لقاءنا يدفعني لذلك الحنين والذكريات ، وأمرّ بكل مكان كانت تجلس فيه فأجلس فيه ، وبكل شجرة كانت تستظل بظلها فأقف تحتها ، أقبّل جميع آثارها ، وألملم نظراتها وابتساماتها ورائحتها من كل هذه الأمكنة وأُودعها في يدي !
أسمع صوتها يتدلى من الشرفة، فأشعرُ برجفة الاشتياق ،وتهطلُ على جسدي أمطار اللهفة، فتنتعش خلاياي الذابلة! صوتها مزوّد بجرعة من المشاعر، يتسلل إليّ مع ذرات الهواء ، ويتعربش على جدران قلبي، اسمها مخبأ تحت لساني.
ما أجمل الكلام من لسان عينيها حيث أصطاد منهما لآلئ الكلمات التي أرصفها على سطور صفحاتي !