خفقة القلب 61
قبل سنوات ..أطل عليّ الماضي وعادت للظهور من جديد في حياتي، وأشرقت الشمس بقلبي، وتراجعت غيوم الحزن التي كانت تظلل حياتي ، جاءت لتملأ شريحة ذاكرتي بها من جديد ، حين رأيتها أجبرتني على الهبوط في مطار الذكرى، إنه الحب القديم اشتعل وولد مجدداً من رماده أكثر نضوجاً !
أحسستُ بنفس الشعور الذي غزا صدري أول مرة، وسرعان ما عادت إليّ ذكريات القبلة الأولى للعيون، وكأن السنين ترجع للوراء، وكأنني في تلك السنين .. بعد كل هذا الغياب، كم تشوقت لرؤيتها ،واستقبلتها بحرارة المشتاق إلى جزء من روحه.. كانت مشرقة الوجه ..إنها متعة اللقاء..ألقاها في خريف عمري ويأتيني كل هذا الحب؟! لا أصدق ذلك.
ما زلت أحرس طيفها طيلة تلك السنوات..الذكريات التي يمر عليها زمن أطول تكون أكثر حفظاً في الدماغ، عليّ الآن أن أستعد للذكريات التي تهاجم عقلي وتصب في رأسي صباً ، إنها توأم حزني وفرحي ، آثار حبها لا تزال عالقة على جدران قلبي..
رأيتها ترقص في حفل زفاف..انقطعتْ أنفاسي.. عقدتْ المفاجأة لساني وأخرجتني عن التركيز فيما كنت أتابعه ، هاجتْ الذكريات دفعة واحدة وانتعشتْ كما ينتعش العشب الذابل بقطرات الندى ، واخضّر قلبي من جديد، وعادتْ الابتسامة من سفر طويل! لم أستطع أن أدفن تنهدات قلبي ، شوقي ينبض شوقاً، والتقى شوقي بشوقها، وتفجرت الأشواق ، فغبتُ عن الوجود ، وانتعش جلدي كأنه تربة مشققة تتلقى قطرات الغيث الأولى ، وعادتْ الشمس تشرق في عروقي وتنشر الدفء في قلبي المليء بالأشواق ، ورجعتْ إليّ المشاعر القديمة، وتفجّر الحب من جديد كينبوع النهر بعد ذوبان الثلوج في أعالي الجبال، فيهرول على الصخور، حتى إذا ما حشر وسط الأشجار، راح يملأ الوادي ألحاناً وأنغاماً، ويتغلغل في فجوات التراب العطشى ، حتى يصل إلى ملابس الأرض الداخلية ، فيغذي الثمار والنبات وثغور الورد! شعرتُ بعد أن صحوت بأنني قد عدتُ أطفو على وجه الدنيا بعد أن كنت أذوي في عالم النسيان، ورحتُ أتلمس جدران ذاكرتي وأفك حبال الدهشة من عيني لأوقن أنها أمامي لحماً ودماً وروحاً، ولأتأكد بأن قلبي لا زال في مقيماً في الجهة اليسرى من جسدي.