خفقة القلب 62
عادت إليّ جميع ذكرياتي، ورحت أعصر عنب ذاكرتي ، وسرعان ما تحركت أحاسيس القلب وتجددت مشاعر الحب القديم التي هبطت عليّ فجأة ، واستيقظ الحب النائم في قلبي من مرقده ، فأيقظت معه ذكريات الحب القديم بداخلي من سباتها الطويل.
تسلل الحب إلى قلبي وراح يطارد خيوط العنكبوت التي عششت على جدرانه ،ويزيل التراب عن جدران ذاكرتي ، وعادتْ نيران الحب القديم لتشتعل من جديد بعد أن ظننتُ أنها قد خمدتْ ، وتأججتْ المشاعر العتيقة وأصبحتْ فوق قدرتي على الاحتمال، واستعادتْ حواسي يقظتها من جديد، وتحركتْ لدي أحاسيس كنت أظن أنها ماتت ، وهجمتْ على عيني صور ذكرياتي معها ، وسبحتُ في أفكاري، وغرقتُ في تأملاتي، ورحتُ أطارد دمعة تتدحرج على خدي !
نظرتُ إلى شواطئ عينيها نظرة تكاد تصرخ بعاطفتي المتأججة نحوها وسمعت ثرثرة الحب فيهما ، ورأيت التماع الشوق فيهما..نظرة واحدة لملمتُ فيها الأشواق المجتمعة من أهدابهما، وجعلتني أستجمع ما في قلبي من مشاعر وعواطف.. فما زلت أقرأ في عينيها ذلك العشق الأول والقبلة الأولى للعيون ! استيقظت الذكريات الراكدة في أعماقي ، فاستسلمتُ لذكرياتي، ورحتُ أسبح فيها، وسرحتُ بأفكاري الصامتة ، وتلاشتْ تلك السنين الطويلة التي باعدت بيننا..ما زالتْ فتاة قلبي وعاصمته.. رغم أنها تعدتْ الخمسين من العمر!
لم تغير السنين التي دفنتها الكثير من ملامحها ولم تفقد جاذبيتها ،ولم يكن الزمن قد أخذ شيئاً من نضارتها ،بل زادتها السنوات التي أضيفت إلى عمرها جمالاً ونضجاً وتألقاً .. ظننتُ أن عينيّ وأذنيّ يخدعاني أو أنني أعيش حلماً جميلاً، وما لبثتُ أن أفقت من جمودي، وتأكدّ لي أنها هي وأن عيناي لم تكذباني كما ظننت.. حين تلاقتْ نظراتنا جمد وسطها ، وظلّتْ واقفة ،وتخلّتْ عنها قوى الكلام والحركة والتفكير، وتحركت مشاعرها الأنثوية ، كانت عيناها تنطقان بالصدق وتنظران إليّ بحنين وأشواق كل السنين التي انقضت! لم تعد تحملها قدماها، غاصتْ الضحكة واصفرتْ البهجة في وجنتيها، وعادتْ إلى مكانها في صمت، وتدافعتْ الدماء إلى وجهها.. كانتْ عاجزة عن مقاومة خفقات قلبها .. أما زال لي مكان في قلبها؟ فالقلوب لا تعرف إلا الصدق ولا يمكن خداعها !