خفقة القلب الأولى (4)
لا تلوموني إذا تماديت في الكتابة ، فقد امتلأتُ بالحب لكل شيء في هذا الكون، هطلت عليّ أمطار الذكريات ،وبدأت أنهار حبها تصّب في قلبي ، كل ما أفعله هو أنني أنقل بعض مشاعري وأحاسيسي، وأنا مخلص حتى أعماق حروفها، ففي الحب والغرام أكره أنصاف الحلول ، إما أن أسكن في القلب أو أختار الرحيل، أكتب وأنا أملأ السطور وجوف الكلمات بمشاعر الحب والشوق، رائحة الشوق ترمم شقوق آلامي ،فقد تعبتُ من الذكريات والشوق والحنين .، ذكريات الماضي لا زالت تلاحقني ، ولحظات الحب ما زالت تهفو إليها نفسي ! لا أدري لماذا تعاني الكلمات من الفقر حين أحاول تحميلها عواطفي ومشاعري؟ لماذا لا تستطيع أن تبوح بما في داخلي من أشواق حارة وملتهبة ؟!
استناداً إلى ثلاثين عاماً من العذاب ، فقد قررت دعوتكم لمصاحبتي إلى رحلة في عالمي الخاص، أحتاجها كاحتياج رئتي للهواء ،إنها الوحيدة التي تستطيع أن تتنفس هواء كتاباتي، ما كنت لأستطيع كتابة هذه الكلمات لولا أن زودتني بحبر الحب اللازم للكتابة، دعوني أقفُ على رصيف الذاكرة وأفرد صفحاتي للتحدث عنها ، دعوني أغمضُ عيني قليلاً وأعبُر بهما ثلاثين عاماً للكتابة عن تلك السنوات. لقد عادت ذاكرتي إلى الوراء، وأخذتْ صور الماضي تنسابُ أمام عيني بكل ذكرياه الجميلة ،دعوني أعيش مرة ثانية قصة حبها وأمنح الخلود لمن أحببت، دعوني أتوغل في الذكرى، وأمثّل تفاصيل بداية حبي الأول كمصور يتردد في اختيار الزاوية التي يلتقط منها الصور ، دعوني أجمع رماد كلمات فيها عصير أيامي وحرارة تجربتي ، وجذور أشواقي ، وتفاصيل حبي منذ أيامه الأولى قبل أن ينمو ويتعربش على جدران قلبي ،دعوني أدخل محراب الكتابة لأعمل من الكلمات والألفاظ شباكاً متقنة الصنع كي أصطاد منها طيور المعاني ،وأصعد بسلالم من ورق إلى السماء الأولى ، دعوني أضع قلمي في خدمتها وأسرح بكلماتي ، و أوصفها وأغرق في ازدحام التفاصيل وأملأ سطوري بها ، فالكتابة هي أجمل أشكال عناق الحروف ، لا أدري أأكتب منها أم أكتب عنها ؟ ثمّة حب في الذاكرة لا يفارقني ،رحتُ أضغط على ذهني وألملم تفاصيل لقائي بها ! لا أريد منكم أن تستريحوا من القراءة فمهمتي الآن هي تحريك مشاعركم وإيقاظها من سباتها ، واستخدام مفتاح قلبها لفتح كل القلوب والأقفاص المغلقة لديكم ! أجدني مشحوناً بالمشاعر حتى آخري ، ومستسلماً للكلمات التي تطوعت للكتابة إليها .. لتاءات التأنيث التي حبلت وأفرغت حمولتها.. للنقاط المبعثرة على جسد الكلمات والتي تشبه الشامات المنتشرة على جسدها !لن يشعر أحد بما أشعر به الآن حتى لو أمضيت أعواماً أشرح شعوري ، فلا أحد تصله حرارة أشواقي ونيران حبي، أجدني أقترب من أوردة قلبها ، وأتجول داخل شرايينها، وأتنفس عطرها بين الكلمات ،فقد عثرت على قلبي بين السطور، وشجعتني على الاقتراب من بحر الكلمات التي أقف على شاطئها متردداً وخائفاً ، رحتُ أستخدم كلمات الطوارئ المخزنة في ذاكرتي خشية انقطاع الإمداد من القلب ، أجدني أسيرُ حافياً على رمال الشوق ،أجدُ نفسي أساير قلمي وهو يلاحق الحروف والكلمات ويتعارك معها بحب وعطف ، ها هي مائدة الشوق والسعادة أمامي ، وأدوات الكتابة معي : طيفها أمامي يغزو خيالي، دمها يجري في عروقي، ساعة يدها في معصمي ،رائحة الورق تسد رمق الفكر الجائع ، بياض الورق في متناولي ، وقلمي قد فتح فمه ووقف على ساقه الوحيدة، وها أنا أنحني على الورقة كمن يريد نحر الكلمات.. أيها القلم قم فاكتبْ ولا تبخل بدموعك، أيها الوقت سأفتح نافذتك ولكن اهدأ قليلاً..استرح..تمهل.. وأنتِ أيتها الروح انتظريني ولا تغادري جسدي قبل أن أُنهي كتاباتي والحديث عنها .