دار نشر مصرية تتذكر ‘العنبر رقم 6′ و’الفلاحون’ لتشيخوف

نشرت الترجمة الأولى للعربية لهاتيين الروايتين “العنبر رقم 6″ و”الفلاحون” للكاتب الروسى العظيم انطوان تشيكوف في كتاب واحد عام 1968، فيما ظهرت هذه الروايات لأول مرة فى مجلة الفكر الروسى: الأولى سنة 1892 والثانية سنة 1897، وقد قامت دار آفاق أخيرا بإعادة نشرهما بترجمة مرسي سيد الطحاوي.

تتجلى في الروايتين فرادة تشيخوف في قراءة وتحليل اضطرابات عصره وحالة البؤس الفكري والإنساني، ففي “العنبر رقم 6” حيث تدور الأحداث في عنبر بمستشفى الأمراض العقلية يكشف الانهيار الاجتماعي، والعنف غير المبرر، وفي “الفلاحون” نعيش الواقع السوداوي الذي كان يرزخ تحت وطأته الفلاحون في الريف الروسي، حيث يبزر الجشع كسلاح يستخدمه الاقوياء ضد المستضعفين من الفلاحين الفقراء.

يبدأ المترجم مقدمته بما كتبه مكسيم جوركي عن تشيخوف، حيث قال “إن لغة وأسلوب تشيخوف قمة من المستحيل الوصول إليها، وإذا تكلم المرء عن تاريخ اللغة الروسية لابد له أن يقول إن أفضل خلق اللغة يرجع إلى بوشكين وتورجنيف وتشيخوف”.

بدأ تشيخوف حياته الأدبية كصحفي وكاتب في المجلات الفكاهية الصغيرة حيث كان يكتب كل شيء، فكاهات ونكت وتعليقات على رسوم “الكارييكاتير” ومقالات في النقد الأدبي والفني، والقصص القصيرة.. إلخ. وقد وصف تشيخوف هذه الفترة من حياته بقوله “كنت أكتب القصص كما يكتب المحققون الصحفيون عن الحرائق.وكنت أحاول في كتاباتي ألا أستعمل تلك الشخصيات والموضوعات العزيزة عليّ والتي يعلم الله وحده لماذا كنت أحفظها وأخبئها”، ومع ذلك لم تكن قصصه هذه من النوع المألوف في ذلك الوقت، تلك القصص التي تتحدث عن جهل التجار وعن الزوجات الخائنات والأزواج المخدوعين والحموات الشرسات.. إلخ، فلم يكن يحاول أن يجعل قصصه مضحكة فقط بل كان يحاول أن يضع فيها مضمونا معينا.

ويضيف الطحاوي أن أول قصة لتشيخوف نشرت عام 1880 بعنوان “خطاب إلى جاري العالم” ثم توالت قصصه القصيرة الحجم العظيمة، تلك القصص التي وضعته على عرش القصة القصيرة، ونذكر منها “السمين والرفيع”، و”الحرباء” و”الصول برشبييت” و”فانكا” و”أريد أن أنام”.

ولم يترك كتابة المسرحيات وظهرت أولى مسرحياته الكبيرة “إيفانوف” سنة 1889 ولقد اشترك تشيخوف مع ستانسلافسكي ونيميروفتش ـ داتشنكو المخرجين الشهيرين في خلق “مسرح موسكو الفني” الذي لعب دورا مهما في تطوير المسرح الروسي بل والمسرح العالمي، ومن أشهر مسرحياته “النورس”، “الخال فانيا” و”الشقيقات الثلاث” و”بستان الكرز” التي أنهى بها حياته الفنية وحياته كلها”.

لقد بدأ تشيخوف حياته الفنية في الثمانينيات من القرن التاسع عشر حيث كانت الرجعية في أوج سطوتها في روسيا، وحيث كانت السلبية والتشاؤم والضياع تسيطر على فئات واسعة من المثقفين، ذلك بعد إفلاس فلسفات الشعبيين ولم تكن أي فلسفات جديدة قوية قد ظهرت بعد.

ويشير الطحاوي إلى أن تشيخوف أخذ يهاجم في كتاباته الوضاعة والنذالة أينما وجدت، وصار يكشف الفساد المستشري في جميع نواحي وأركان المجتمع الروسي ويلقي الأضواء عليه، لم يكن تشيخوف يجيب في كتاباته عن السؤال “ما العمل؟” بل ولم يكن يشير ولا بالرموز على إجابة هذا السؤال وكان يقول إنه قبل أن نذكر ما الواجب وما المفروض أن يكون يجب أن نعرف جيدا ما الكائن والموجود فعلا.

ويلفت إلى أن تشيخوف كان قد تأثر في أول حياته الفنية بأفكار الأديب الفيلسوف الروسي ليف تولستوي، “كان تشيخوف مؤمنا بأن الإنسان يستطيع أن يحل مشاكله بحبه لأخيه الإنسان، وبالقناعة والرضا والتسامح، لكنه تدريجيا أصبح يرى أسباب الفساد في النظم القائمة وفي سيطرة رأس المال ذلك خصوصا بعد عودته من رحلته إلى جزيرة ساخالين ـ شرق سيبيريا ـ منفى روسيا القصيرية، تلك الرحلة التي قام بها سنة 1890 ليتعرف جيدا على كل نواحي الحياة في روسيا، وكان لها أسوأ تأثير على صحة الكاتب المريض بالسل، كذلك ساعدته على تحديد وتعميق مفاهيمه تلك الفترة من حياته التي قضاها وسط الفلاحين في إحدى القرى القريبة من موسكو حيث ابتاع قطعة أرض شيد على جزء منها منزلا صغيرا واستقر به لعدة سنوات وأخذ يشترك في أعمال البر لمساعدة الفلاحين الفقراء وفي بناء المدارس.

كما عمل في مكافحة وباء الكوليرا الذي انتشر بين عامي 1892 ـ 1893 وهنا رأى بنفسه عن كثب هول حياة الفلاح الروسي الذي كان يقاسي الفقر والجوع والجهل والمرض والفودكا. فصار تشيخوف في كتاباته يتنبأ بالمستقبل المشرق السعيد وينتقد سلبية وتهلهل ووصولية المثقفين بل ويدعو على لسان بعض أبطاله إلى النضال في سبيل بلوغ هذا المستقبل.

يذكر أن تشيخوف (29 يناير/كانون الثاني 1860 – 15 يوليو/تموز 1904) طبيب وكاتب مسرحي ومؤلف قصصي روسي كبير ينظر إليه على أنه من أفضل كتاب القصص القصيرة على مدى التاريخ، ومن كبار الأدباء الروس. كتب المئات من القصص القصيرة التي اعتبر الكثير منها إبداعات فنية كلاسيكية، كما أن مسرحياته كان لها تأثير عظيم على دراما القرن العشرين.

بدأ تيشيخوف الكتابة عندما كان طالباً في كلية الطب في جامعة موسكو، ولم يترك الكتابة حتى أصبح من أعظم الأدباء، واستمرّ أيضاً في مهنة الطب وكان يقول “إن الطب هو زوجتي والأدب عشيقتي”.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى