دراسة مهمة جدّاً – من مصر حتى البحرين: انهيار سرية مخطط الشرق الأوسط الكبير
يوم 14 مايو 1948، التاريخ الذي تم فيه الإعلان عن قيام “دولة إسرائيل” على أرض فلسطين أكد ديفيد بن غوريون زعيم الكيان الصهيوني الجديد، أن أمن إسرائيل يتحقق فقط عندما تكون إسرائيل أقوى عسكريا من أي تحالف عربي محتمل. وباتت هذه الرؤية عقيدة إسرائيل الأمنية لعقود عديدة. غير أن العديد من الاستراتيجيين الصهاينة رأوا لاحقا أن هذه النظرية وحدها لا تكفي لضمان أمن إسرائيل، وأن ضمان هذا الأمن، واستقرار الكيان وقوته وتماسكه مرهون بانهيار المجتمعات العربية وضعفها وتمزقها.
دراسات عديدة لمختلف الأجهزة الإسرائيلية أشارت إلى أن إتفاقية سايكس بيكو سازانوف المعقودة سنة 1916 والتي كانت تفاهما سريا بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الامبراطورية العثمانية، لم يكن كافيا لا لضمان هيمنة إسرائيل ولا لتأمين تحكم الغرب في هذه المنطقة الإستراتيجية الأساسية من العالم إقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وإنه يجب العمل على إعادة رسم الحدود في المنطقة الممتدة من باكستان وأفغانستان شرقا مرورا بسوريا ومصر وحتى سواحل المحيط الأطلسي غربا.
نشر الفوضى
في فبراير 2011 نشر الكاتب الاميركي “مايكل كولينز بايبر” مقالاً في موقع أميركان فري برس اشار فيه إلى بحث نشرته دورية المنظمة الصهيونية العالمية المعروفة “كيفونيم” بقلم الصحفي الاسرائيلي “عوديد ينون” المعروف بعلاقاته الوثيقة بالخارجية الإسرائيلية وأجهزة إتخاذ القرارات في الدولة العبرية، دعا فيه بوضوح إلى نشر الفوضى في العالم العربي، وإحداث انقسام فيها من الداخل إلى درجة تصل إلى “بلقنة” مختلف الدول العربية وتجزئتها إلى جيوب طائفية. هذا كان تردادا لذات الأجندة التي طرحها البرفسور الإسرائيلي “إسرائيل شاحاك” وهدفها تحويل إسرائيل إلى قوة عالمية من خلال نشر الفوضى في الدول العربية وبالتالي إعداد المسرح في الشرق الأوسط للهيمنة الإسرائيلية.
هذا المخطط سبق وتحدث عن شبيه له الأكاديمي الأميركي “زبغنيو بريجنسكي” قبل أن يصبح فيما بعد مستشار الرئيس كارتر لشؤون الأمن القومي، وذلك في كتابه “بين عصرين” الصادر في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي والذي دعا فيه للإعتماد على الأصوليات الدينية لمواجهة الخطر الماركسي، ودعا لهيمنة رجال الدين واشعال حروب الأديان والطوائف، وتقوية التيارات الدينية التي لا ترى العالم إلا من زاوية الدين والخلافات الدينية.
وفي إحدى تصريحاته يقول: إن منطقة الشرق الأوسط ستحتاج إلى تصحيح الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو ومقررات مؤتمر فرساي.
وكان قد سبق لوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنغر أن صرح انه بهذه المنطقة تواجدت كل الاديان ولا يمكن التعامل معها إلا من خلال الدين. أي أن اللعب على وتر الدين هو المدخل المناسب لتنفيذ المشاريع التي تصبو إليها الصهيونية العالمية.
المستشرق الأميركي، البريطاني الأصل “بيرنارد لويس” صرح في مقابلة صحفية نشرت يوم 20 مايو 2005 في عدة صحف ومواقع: “ان العرب والمسلمين قوم فاسدون ومفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات، ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة إحتلالهم واستعمارهم. وفي حال قيام أميركا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة، لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان، وأنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ولذا يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزو أميركا وأوروبا لتدمر التوجه المتوحش فيها”.
إذكاء صراع الحضارات
في كتابه “إسرائيل وصراع الحضارات” الذي صدر سنة 2008 يكشف الصحفي البريطاني جوناثان كوك الدور الذي لعبته إسرائيل في إذكاء الصراع بين الحضارات ومحاولتها جعل تلك المقولة اساساً لنظرة العالم إلى مكوناته الأساسية لاسيما البلدان الإسلامية وذلك سعيا لإعادة صياغة الشرق الأوسط بأكمله على نحو مواتٍ لها ولمصالحها.
ويؤكد كوك أن الحروب الأهلية ودعوات التقسيم التي رافقتها كانت على وجه التحديد هي الهدف الأول لغزو العراق، وأن هذا الهدف لم يوضع في واشنطن، وإنما في مكان آخر على بعد آلاف الأميال (ويقصد تل ابيب).
وبحسب التصور الصهيوني فإن من يسيطر على العراق يتحكم استراتيجياً في الهلال الخصيب وبالتالي الجزيرة العربية ويكون ذلك مدخلا لكل المنطقة الممتدة من حدود العراق حتى السواحل الشمال أفريقية على المحيط الأطلسي أو ما سماه البعض ببحر الظلمات.
يذكر أنه بعد أبريل سنة 2003 بأشهر، صرح ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي بوش السابق لآرييل شارون رئيس وزراء إسرائيل، ان الولايات المتحدة هاجمت العراق أولاً، وقبل أي شيء من أجل الدفاع عن إسرائيل.
بعد صدور كتابه بما يقرب من عقد، قال جوناثان كوك أن إسرائيل منذ عام 1980 قررت إتباع سياسة ملخصها هو تقسيم كل شيء على الضفة الأخرى، أي في الجانب العربي، بداية من الفلسطينيين ثم زحفاً إلى بقية الدول العربية. ويضيف كوك أن المحافظين الجدد كانوا يشاركون إسرائيل بقوة في ضرورة مواصلة هذه الإستراتيجية لإلغاء أي دور لدول الشرق الأوسط في السياسة الدولية وإغراقها في مشكلات داخلية تعمق من ضعفها ومنع موسكو أو بكين من الاستفادة من إقامة تحالفات مع الدول العربية للنفاذ إلى البحار الجنوبية الموصوفة بالدافئة وذلك في نطاق صراعهما لتقزيم الدور العالمي المهيمن للغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة.
ويتابع كوك، أن الهدف هو بدء موجة من الصراعات الطائفية انطلاقا من العراق تمتد لاحقا إلى كل المنطقة، وكان العراق مكانا جيداً لإختيار هذه الاستراتيجية لأسباب متعددة كان منها، انه تمكن في السابق من تحقيق وئام طائفي وإعلاء لراية الوطن على راية الطائفية، فقد كانت نسبة الزيجات المختلطة بين الطوائف المتباينة هي الأعلى في الشرق الأوسط، وكان من الواضح انه إذا نجحت تلك الاستراتيجية في العراق فان بامكانها ان تنجح في أماكن أخرى كثيرة.
ويقول كوك أن هدف إسرائيل من ذلك كان إدخال العراق في دائرة الاضطراب الدائم وزرع بذور شقاق طائفي إقليمي يقطع الطريق على دعوة القومية العربية، واطلاق اليد الإسرائيلية بترحيل عرب 1948 من فلسطين إلى خارج ارض “إسرائيل الكبرى” بحجة أن الجميع في الشرق الأوسط يبتعدون عن بعضهم على أسس دينية وعرقية، فلماذا لا تفعلها إسرائيل.
ويقول كوك أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 أتاحت فرصة ذهبية لأصحاب هذه الرؤية وجعلت الحديث عن صراع الحضارات وتفتيت الشرق الأوسط يخرج من مجالس الهمس إلى العلن. معلقون غربيون في تكملة لما قاله كوك يذكرون أن ساسة الغرب يعملون الآن بدأب لنقل الصراع المذهبي إلى سوريا لنشر الفوضى والتفتيت في كل المنطقة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن السودان قد انفصل قسمه الجنوبي مسبقا ولا تزال هناك مشاريع لمزيد من التقسيم فيه، وأن الفوضى تعم ليبيا واليمن ومصر وحتى تونس، وكل شيء في هذه البلدان يشير أنها سائرة في هذا الإتجاه، وليس العكس.
وتجدر الإشارة هنا إلى ما قاله ساسة واشنطن للزعيم الراحل ياسر عرفات خلال المفاوضات على إتفاق أوسلو من أجل الضغط عليه: “إعلم أنك من منطقة قابلة لتعديل الحدود والبشر في أي وقت”.
أفادت دراسات صادرة عن مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ومعهد الدراسات السياسية الاستراتيجية المتقدمة خلال عقدي الثمانينات والتسعينيات، أن إسرائيل تريد حصار العراق وسوريا من الشمال من خلال وجودها في تركيا والتجسس عليهما من خلال علاقاتها مع الأكراد والحكومة التركية وتريد تل أبيب كذلك التغلغل في الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى عن طريق تركيا لتكون قطبا مهما يساهم في المخطط الأميركي لمحاصرة روسيا من كل الاتجاهات، ومنعها من إستعادة دورها العالمي البارز خلال عهد الإتحاد السوفيتي.
ذكر احد العاملين في مكتب رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي أن إسرائيل تدفع باتجاه قيام حرب أهلية في سوريا على الطريقة العراقية أو اللبنانية، وان مصلحتها تكمن في انهيار النظام الحالي دون قيام نظام آخر متماسك في مكانه، وهذا يؤكد وجود مشروع يتعمد إغراق سوريا في الفوضى والإقتتال، وليس غير ذلك، وإخراجها كلية من معادلات التوازنات الإستراتيجية في المنطقة لتسترخي إسرائيل وتطمئن.
البداية تقسيم 5 دول
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية يوم 28 سبتمبر 2013، خريطة تظهر تقسيم 5 دول في الشرق الأوسط إلى 14 دولة، لافتة إلى أن المنطقة التي تعد المحور السياسي والاقتصادي الأكثر أهمية في النظام الدولي الذي يعاد تصميمه في حالة تقلب.
وركز التقسيم الذي قدمه المحلل “روبرت رايت” يوم السبت 28 سبتمبر، على سوريا، وقسمها إلى “3 دويلات وهي الدويلة العلوية التي تسيطر على الممر الساحلي، والدويلة الثانية هي كردستان السورية التي بإمكانها الانفصال والاندماج مع أكراد العراق في نهاية المطاف، أما الثالثة فهي الدويلة السنية التي بإمكانها الانفصال ومن ثم الاتحاد مع المحافظات الوسط في العراق”.
وسلطت الصحيفة الأميركية، الضوء على المملكة العربية السعودية، كثاني الدول التي يمكن تقسمها إلى 5 دويلات وتضم، “السعودية الشمالية، والشرقية، والغربية، والجنوبية، والدولة الوهابية”.
أما عن ثالث الدول، فهي ليبيا التي قسمتها الصحيفة الأميركية، إلى “دويلتين هما طرابلس وبرقة، ومن الممكن أن تصبح ثلاثة بإقامة دولة فزان في الجنوب الغربي”.
كما أوضحت الـ “نيويورك تايمز”، أن العراق يظهر كرابع الدول التي تم تقسيمها، “حيث من الممكن أن ينضم أكراد الشمال إلى أكراد سوريا، وتنضم العديد من المناطق المركزية التي يسيطر عليها السنة إلى السنة في سوريا، ويصبح الجنوب خاصا بالشيعة”.
أما الدولة الأخيرة حسب الصحيفة الأميركية فهي اليمن، وتم تقسيمها إلى دويلتين، واشارت أنه من الممكن أن يصبح جزء من اليمن جزءا من دويلة السعودية الجنوبية.
ويختم رايت الذي أعد هذا التقسيم، بالقول أن “رسم خريطة مختلفة سيكون تغييرا استراتيجيا في اللعبة للجميع، ومن المحتمل أن يكون التقسيم الجديد هو إعادة لتشكيل التحالفات والتحديات الأمنية وتدفق التجارة والطاقة لجزء كبير من العالم”.
صحيفة “نيويورك تايمز” تحدثت فقط عن مخطط تقسيم 5 أقطار عربية إلى 14 دويلة، وهذا هو جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي ينص على تفتيت دول المنطقة إلى ما بين 54 و56 دويلة متصارعة والذي فضحته وسائل إعلام عربية منذ سنوات كثيرة ولكن لم يثر نفس ردود الفعل الحالية أو الإنفجار الإعلامي الحالي لسبب بسيط أنه لم يصدر عن مصادر غربية معتمدة.
دراسة للبنتاغون
خلال صيف سنة 2013 سربت بعض المصادر الإعلامية الغربية دراسة ذكرت أنها وضعت لحساب البنتاغون الأميركي تحتوي على ما يقارب من 1736 صفحة تتضمن تشخيصا ووصفا دقيقا لأوضاع الدول العربية مع تركيز على دول الخليج العربي التي تتحكم في جزء كبير من إنتاج النفط في العالم.
عسكريا صنفت الدراسة جيوش سوريا ومصر والسعودية وباكستان كأقوى الجيوش في المنطقة الشرق أوسطية الشرقية التي تمتلك ترسانة أسلحة ضخمة وقدرات تسليح ذاتية وخبرات مثل الجيش العراقي سابقا، وفي بحث مكون من 432 صفحة أشارت الدراسة إلى كيفية تفتيت تلك الجيوش، وذلك بتحييد الجيش الباكستاني عبر شغله بصراعات مختلفة وعمليات عنف داخلية تضعف الإقتصاد وتؤلب فئات المجتمع ضد بعضها، بينما أشير إلى أن الجيش السوري قد تم استنزافه بشكل كبير حتى نهاية فبراير 2013 رغم الدعم الروسي الكبير بالسلاح، وأشارت الدراسة أيضا إلى التكنيك الواجب إتباعه في تفتيت الجيش المصري وخاصة عبر الزج به في مواجهات داخلية واسعة والعمل على نسف التناسق بين قياداته والعمل على بروز إنشقاقات تقود إلى جيش مواز مناهض للقيادة الحالية.
ووضعت الدراسة أكثر من 69 سيناريوها متوقعا للمواجهة بين شعوب المنطقة قبل الشروع في عملية التقسيم إلى دويلات وولايات بحجم قطر.
تراهن الدراسة على تحقيق النجاحات المتتالية رغم قصر المدة التي تتوقعها للوصول إلى النتيجة وتعزو ذلك إلى عمق الإنقسام الأيدلوجي والفكري والعرقي والطائفي.
تتضمن الدراسة سبل تخدير الشعوب بشعارات الربيع العربي والثورات لمحاربة الفساد، والغزو الإعلامي عن طريق أكثر من 38 قناة مرئية ومسموعة وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ليس كل التاريخ مؤامرة
يقول الكاتب والمؤرخ محمد حسنين هيكل “ليس كل التاريخ مؤامرة ولكن المؤامرة موجودة في التاريخ. إن من لا يرى مؤامرة في كل ما فعله الغرب في المنطقة منذ بدايات القرن الماضي، من وعد بلفور، وسايكس بيكو، وإقامة إسرائيل، وما فعله منذ بدايات هذا القرن، فمن لا يجد في ذلك مؤامرة، فإنه لا يفرق بين التمرة والجمرة”.
ويضيف هيكل إن التفتيت الطائفي على مستوى المنطقة يحتاج بالضرورة إلى طائفيين أو أكثر، أو إلى نوعيات تدعي الليبرالية والعلمانية ولكن لا تدري خطر ما تفعل، أو أنها مخترقة بوسيلة أو بأخرى، أو تحركها دوافع وأحقاد وكيديات خاصة. فالقوى العلمانية واليسارية والقومية والليبرالية الحقيقية والمبدئية والصادقة مع ذاتها، لا تؤدي هذا الغرض، لأن تكوينها الفكري والثقافي والعقائدي لا يسمح لها بذلك. إذا من هو المؤهل للقيام بهذا الدور؟ طبعا هي القوى الدينية المتعصبة والمتطرفة والتكفيرية. والنوعيات الأخرى المشابهة، فضلا عن كل من يغذي الثقافة الطائفية بالقول أو الكتابة أو الفتاوى والخطابات والمقابلات والأحاديث والألفاظ… الخ.. هؤلاء جميعا هم الرهان لجر المنطقة إلى الدائرة التي تخطط لها دوائر الصهيونية العالمية، وهي تفتيت المفتت، من خلال الضخ والحقن الطائفي حتى الصدام، ثم تجزئتها على مقاسات تتلاءم مع إسرائيل وتضمن مستقبلها لقرن قادم على الأقل مع حلفائها، لأن سايكس بيكو قد شاخَت ولم تعد صالحة لخدمة هذه الإستراتيجية الصهيوأميركية.
مخططات التقسيم
إن الدعوات إلى إضعاف العرب وتقسيم المنطقة إلى كانتونات عرقية ودينية وقبلية كانت دوماً موضع مخططات وتصورات استراتيجية لمعاهد البحوث الاميركية التي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني مثل: مؤسسة التراث، والمعهد الأميركي لأبحاث السياسة العامة، ومعهد أبحاث السياسة الخارجية، ومعهد بروكنغز، هذا إضافة إلى العشرات من معاهد الدراسات الأخرى مثل: مركز فريمان للدراسات الإستراتيجية في تكساس، والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي، ومعهد دراسات السياسة والإستراتيجية المتقدمة.
وهذه المعاهد طرحت دوماً أهمية الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة وإيجاد نظام ٌقليمي شرق أوسطي بدلاً من النظام الإقليمي العربي، الكل يتذكر طرح شيمون بيريز بعد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 عن قيام شرق أوسط كبير، ينسجم مع هذه الرؤى والاستراتيجيات الصهيونية. وهذا ما نادت به أيضاً وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس عندما تحدثت عن ولادة شرق أوسط جديد في بداية العدوان الإسرائيلي سنة 2006 على لبنان، وأعادت الحديث عن نظرية “الفوضى الخلاقة”.
رئيس أركان أميركي سابق يكشف المحظور
يوم الجمعة 4 أكتوبر 2013 نقلت عدة وكالات أنباء دولية وصحف مختلفة تصريحات نسبت إلى رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الأسبق الجنرال المتقاعد هيو شيلتون، ذكر فيها أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تعمل على زعزعة استقرار الأنظمة في كل من مصر والبحرين. ونقلت صحيفة “وورلد تربيون” الأميركية، على موقعها الإلكتروني، عن شيلتون، الذي خدم في عهد كل من الرئيسين الأميركيين بيل كلينتون وجورج دبليو بوش والذي يبقى بحكم موقعه القيادي السابق ومهامه الجديدة بعد التقاعد كمستشار للعديد مما يسمى مستودع العقول الأميركي مطلعا على العديد من الملفات المصنفة سرية، قوله “إن مصر نجحت في إيقاف الحملة التي قام بها أوباما لزعزعة الاستقرار في البلاد خلال عام 2013″، لافتا إلى أن وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي، مدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع السابق، تمكن من كشف المؤامرة الأميركية لدعم الإخوان المسلمين الذين وصلوا إلى سدة الحكم وسط اضطرابات لم يسبق لها مثيل، وهو الأمر الذي أدى للإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي في 3 يوليو 2013.
وأضاف أنه إذا لم يتم الإطاحة بمرسي بمساعدة الجيش لكانت مصر قد تحولت إلى سوريا أخرى وتم تدمير الجيش المصري بالكامل.
وأوضح شيلتون، الذي لم يكشف عن مصادر معلوماته، أن الحلفاء العرب قد ابتعدوا عن واشنطن وشكلوا تحالفا بين مصر والسعودية والإمارات ضد الإخوان المسلمين.
وعلى الصعيد ذاته، قال شيلتون إن أجهزة الاستخبارات الأميركية قادت حملة ضد البحرين، التي أرهقتها “الثورات الشيعية، وأن واشنطن قدرت أن البحرين ستكون لقمة سائغة ومن شأنها أن تكون بمثابة المفتاح الذي يؤدي إلى انهيار نظم دول مجلس التعاون الخليجي”.
بعد حوالي 48 ساعة على تناقل وكالات الأخبار ما وصف بتصريحات الجنرال المتقاعد هيو شيلتون أصدرت السفارة الأميركية في البحرين بيانا قالت فيه: لقد تحققت البحرية الأميركية مباشرة من الجنرال هيو شيلتون بأن الادعاءات التي نشرتها إحدى الصحف حوله ملفقة تماما. لقد تأكدنا من الجنرال بنفسه أنه لم ولن يدلي أبدا بتصريح كاذب بكل وضوح مثل هذا. لم يكن الجنرال شيلتون على شبكة فوكس نيوز ابدا ليتحدث عن البحرين. في الواقع، كان آخر ظهور له على شبكة فوكس في عام 2010 عندما كان يقدم سيرته الذاتية.
ان الجنرال شيلتون لم يعمل أبدا في الأسطول الخامس الأميركي مثلما يدعي الخبر. الجنرال شيلتون بطل أميركي ومقاتل مخضرم يحمل أوسمة. لقد تقاعد الجنرال شيلتون من الجيش الأميركي في عام 2001 بعدما أحتل أرفع منصب في العسكرية الأميركية كرئيس لهيئة الأركان المشتركة. ان الولايات المتحدة الأميركية ومملكة البحرين تتمتعان بعلاقات ثنائية قوية على العديد من المستويات وهي علاقة تمتد إلى ما يقارب من سبعة عقود.
المسجل هنا أن مصدرا إعلاميا واحدا من بين العشرات سقط في خطأ القول أن الجنرال شيلتون كان قائدا للأسطول الخامس.
النفي الأميركي أستقبل بكثير من الشك خاصة لما سبقه من تصريحات من البيت الأبيض تكذب تسريبات خطيرة ومحرجة وفي مقدمتها ما نشر على موقع ويكيليكس الذي وضع أمام الجميع على الانترنت مئات آلاف الوثائق المصنفة سرية.
قضية الإنكار في سياسة البيت إنطبقت كذلك على إدوارد جوزيف سنودن المتعاقد والتقني والعميل السابق لدى وكالة المخابرات المركزية، والذي عمل كمتعاقد مع وكالة الأمن القومي قبل أن يسرب تفاصيل برنامج التجسس بريسم إلى الصحافة.
في يونيو 2013 سرب سنودن مواد مصنفة على أنها سرية للغاية من وكالة الأمن القومي، منها برنامج “بريسم” إلى صحيفة الغارديان وصحيفة الواشنطن بوست.
في البداية ذكرت واشنطن أن تصريحات سندون خيالية ومغرضة ونابعة عن عقل مريض، ولكن بعد أن إتضح أن الكاذب هو البيت الأبيض تبدلت أساليب التعامل مع الرأي العالمي.
يقول مراقبون إن تصريح الجنرال شيلتون يقدم تفسيرا منطقيا للتقارب المتسارع بين بلدان خليجية والسلطات المصرية التي جاءت لحكم مصر بعد إزاحة النظام الإخواني بعزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي.
ويضيف هؤلاء أن الحزم الذي أبدته دول الخليج في توجهها للتحالف بقوة مع النظام المصري الجديد والتعاون مع الجيش المصري لإسقاط الإخوان يأتي في سياق مواصلة العمل لمواجهة المخطط الأميركي، بعد أن تبين أن وصول الإخوان المسلمين إلى حكم مصر لم يكن ينفصل عن مخطط الإدارة الأميركية ضد منظومة دول الخليج العربي كلها.
ويشار أنه منذ اندلاع الاحتجاجات في البحرين لم يسجل الملاحظون أي موقف أميركي واضح مما يجري وخاصة من أحداث عنف إرهابية تمت إدانتها من أكثر من قوة إقليمية ودولية.
وقد حاولت إدارة الرئيس أوباما تسليط الضغط على الحكومة البحرينية عبر تكثيف الانتقادات للملف الحقوقي البحريني سواء بشكل مباشر، أو عبر منظمات وهيئات معروفة تبعيتها للولايات المتحدة.
حبل التواصل الذي لا ينقطع
البعض مال إلى التشكيك في تصريحات رئيس هيئة الأركان الأميركي السابق ومسايرة النفي الصادر عن السفارة الأميركية في المنامة.
الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية في جامعات بمصر قال خلال اتصال هاتفي بفضائية “سي بي سي” إنه يجب التوقف عند تصريحات هيو شيلتون، فهذا الجنرال لم يعمل مع الرئيس الأميركى باراك أوباما، وإنما عمل مع كلينتون وجورج بوش، ولذلك يكون السؤال من أين حصل على هذه المعلومات؟
وتابع: أن الصحيفة التي نشرت هذه الأنباء ليست من الصحف الرئيسية في الولايات المتحدة الأميركية، ومن ناحية أخرى لم يكشف رئيس هيئة الأركان الأسبق عن مصدر معلوماته، كما أن الأطراف التي تحمست لهذه التصريحات معروفة بمعارضتها وتحيزها ضد أوباما، زيادة على أن هناك حملة هجومية في أميركا على أوباما بسبب الشرق الأوسط، حيث يقول خصومه إنه أفقد الولايات المتحدة قدرتها على التأثير، وضيع فرصة التخلص من النظام السوري الحالي بسرعة.
وتابع: أصحاب هذه الانتقادات يلومون الرئيس الأميركي لأنه لم يمارس الضغط الكافي على السلطة المصرية الجديدة لإعادة الرئيس مرسي إلى الحكم، ومنهم السيناتور جون ماكين، مؤكدا على أن هذه المعلومات لعسكري سابق وليس تصريحا أو معلومات صحيحة، ومن الصعب على مسئول أميركي سابق الحصول على معلومات سرية.
ما نساه الدكتور مصطفى كامل السيد وهو يفند التصريحات المنسوبة للجنرال هيو شيلتون أن مخططات الإدارة الأميركية الخاصة بمصر والبحرين ليست وليدة إدارة الرئيس أوباما، فهي موضوعة منذ سنوات عديدة وضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد وذلك حتى قبل رئاسة بوش الأبن، كما نسي الدكتور مصطفى كامل السيد أن الرؤساء الأميركيين المتعاقبين في البيت الأبيض يكملون ما شرع في تنفيذه أو تخطيطه من سبقوهم، حيث أن قادة البيت الأبيض سواء جمهوريين أو ديمقراطيين لا يختلفون مع بعضهم في الخيارات السياسية سوى في أمور لا تبدل من التوجه الإستراتيجي العام وكل ما قد يختلفون بشأنه يكون في غالب الأحيان التكتيك المتبع للوصول إلى نفس الهدف.
لهذا فإن الجنرال هيو شيلتون كان مطلعا على المخططات الأميركية وهو في الخدمة وقبل تقاعده، زيادة على ذلك فإن هذا القائد العسكري وكغيره من ساسة وقادة الجيوش الأميركية ومسيري أجهزة الأمن يبقون على إتصال وعلم بكثير من مستجدات قرارات البيت الأبيض سواء كمستشارين أو خبراء مستقلين أو كجزء من منظومة الدراسات الأميركية التي تقدم المشورة ليس فقط للسياسيين بل كذلك للشركات التي تستثمر ملايير الدولارات لجني مزيد من الأرباح في مناطق مختلفة من العالم.
المهم أيضا أنه في عملية التعامل مع التصريحات المنسوبة للجنرال هيو شيلتون، من الواجب العودة قليلا إلى الخلف حيث أنه منذ نشر شبكة ويكيليكس
مئات ألاف الوثائق السرية الأميركية سنة 2006 تجتهد الأجهزة الأمنية الأميركية لمنع تكرار الكارثة التي أضرت بواشنطن ولكن دون نجاح كامل. مصادر رصد موثوقة في العاصمة الفدرالية الأميركية تتحدث عن وجود شكوك بشأن شخصيات نافذة في مراكز القرار تقوم مباشرة أو عبر أطراف ثالثة بكشف العديد من الملفات السرية، وهي مقتنعة أن ذلك يحول دون سقوط بلادهم في منحدر شيخوخة القوى العظمى ويفتح الطريق أمام سياسيين جدد يرغبون في إنقاذ الولايات المتحدة من ملاقاة مصير مشابه لإمبراطوريات عظيمة سابقة.
مؤذية ومفيدة
يوم 13 سبتمبر 2013 أعلن مدير المخابرات الأميركية جيمس كلابر ان تسريبات ادوارد سنودن حول برامج المراقبة التابعة لوكالة الأمن القومي الأميركي كانت مؤذية ولكنها فتحت المجال أمام نقاش مفيد حول الحريات العامة.
وذكر خلال مؤتمر صحفي حول التسريبات التي قام بها المستشار السابق في وكالة الأمن القومي الأميركي “اكره الاعتراف بذلك ولكن ما جرى وما كان مؤذيا فتح المجال أمام محادثات ونقاشات كان لا بد منها”.
وأضاف كلابر الذي يترأس 16 وكالة مخابرات ومنها وكالة الأمن القومي الأميركي في حال كان هناك عامل ايجابي لهذا الأمر فهو على الأرجح جذاب.
وأشار مع ذلك إلى انه قلق جدا من نتائج تسريبات المستشار السابق اللاجئ في موسكو على نشاطات وكالة الامن القومي الاميركي ومجمل وكالات المخابرات.
التعثر الذي يواجه مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير يثير قلقا كبيرا في الدوائر التي تتحكم في رسم السياسة الأميركية خاصة لأن موسكو وبكين وقوى أخرى تسعى للإستفادة من التعثرات الأميركية.
يوم الثلاثاء فاتح أكتوبر 2013 نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية تقريرا عن سعى روسيا إلى ملء الفراغ في الشرق الأوسط، وقالت إنه بعد عقدين من انهيار الاتحاد السوفيتي وتعزيز الولايات المتحدة لدورها باعتبارها القوة المهيمنة في الشرق الأوسط، فإن روسيا تعود وتسعى لطرق شتى لملء الفراغ.
وأضافت الصحيفة أن الجهود الدبلوماسية الأخيرة التي ساهمت في تجنب ضربة أميركية إلى سوريا أكدت إلى أي مدى ساعد دعم موسكو الثابت لحليفتها الأخيرة الباقية في العالم العربي في إعادة تأكيد الدور الروسي.
وقد ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باعتباره زعيم العالم الذي له التأثير الأكبر الوحيد على نتيجة حرب مستعرة تهدد استقرار المنطقة على نطاق واسع، وحصل على تنازلات من كل من الرئيس السوري بشار الأسد والأميركي باراك أوباما ممن أجل إصدار قرار من الأمم المتحدة يطالب سوريا بتصفية ترسانتها الكيماوية.
وتتابع واشنطن بوست قائلة: وبشكل أقل وضوحا، قامت سوريا بتدعيم تحالفات جديدة وإحياء صداقات قديمة أبعد منذ ذلك، والتواصل مع دول طالما اعتبرت أنها تنتمي إلى فضاء النفوذ الأميركي بطرق تكرر تنافسات القوى العظمى في عصر الحرب الباردة.
وتشمل تلك البلدان مصر والعراق، الدولتين العربيتين ذات الثقل اللتين بدأتا استكشاف علاقات أقرب مع موسكو في الوقت الذي عبرت فيه إدارة أوباما عن تردد في أن تصبح متورطة بشدة في الاضطرابات التي يشهدها الشرق الأوسط.
ويقول محللون عرب إن الأمر يظل محل تساؤل فيما يتعلق بما إذا كانت روسيا عازمة على عدم التنافس مع الولايات المتحدة على المنطقة الحيوية من الناحية الاستراتيجية.
ويقول مصطفى العاني، من مركز أبحاث الخليج في دبي إن السعودية، القوة العربية الأكبر، والتي لا تزال أقرب حلفاء أميركا بين العرب تشعر بشكوك عميقة إزاء مناورات روسيا، ومقتنعة أن موسكو مشاركة في جهود لخداع الولايات المتحدة على حسابها.
ويضيف العاني أن الرأي يذهب إلى أن روسيا تنظر إلى المشكلة الكاملة في الشرق الأوسط في الموقع القديم للحرب الباردة، فحيثما تكون أميركا، يجب أن يفسدوا اللعبة.
فهم ليس لديهم أي مبادئ، وسياستهم الوحيدة هي مواجهة الأميركيين.
لكن فيودور لوكيانوف، رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية في موسكو، يرى أن الأمر ليس كذلك، ويقول إن السعودية وحلفاؤها في الخليج هم من يحاولون خوض ألعاب كبيرة بأنفسهم، ويلقون بغرور الحجارة على بيت زجاجي.
ويضيف قائلا: النوايا الروسية في المنطقة متجذرة في عدة اعتبارات، لكن يأتي في المقام الأول التأكيد على دور روسيا في العالم كدولة لا غنى عنها، لاسيما في ظل العجز الأميركي على حل المشكلات.
ميدل ايست اونلاين