
كتب الصحفي الأمريكي توماس فريدمان في الأسبوع الماضي أثناء العمليات العسكرية الحربية المتبادلة بين إسرائيل وإيران، كتب ينصح قرأه أنهم إذا أرادوا أن يفهموا كيف يدور هذا الصراع فإن عليهم إعادة مشاهدة مسلسل (طهران) الذي أنتجته نتفلكس قبل سنتين. ولمن لا يعرف المسلسل فإن قصته تتمحور حول عميل للموساد يعمل وسط طهران، وينفذ عمليات ضد نظام الملالي، ويستقطب بعض القادة والمؤثرين الإيرانيين للعملية الاستخباراتية معه في إيران. فريدمان أراد أن يقول: أن تفوق إسرائيل بالأعمال الاستخباراتية ونجاحها في تجنيد قادة إيرانيين للعمل معها أساس من أسس تفوقها العسكري. وأنا استنتج مما كتبه فريدمان أهمية الدراما التلفزيونية في تسويق السياسات وخلق التصورات مع الاحتفاظ بالجاذبية والمتعة الفنية. وللمفارقة فقد أعادت معظم منصات التدفق الرقمي عرض مسلسل طهران بجزئيه في مواكبة واضحة للحرب الإيرانية الإسرائيلية.
على ذكر الدراما التلفزيونية فإن ما جرى بين 13 و 22 حزيران الجاري بين إسرائيل وإيران، من تبادل لهجمات جوية وصاروخية عنيفة، كانت ذروتها تدخل البطل الأمريكي في حركة حاسمة لإنجاز ذروة ضرورية للدراما تمثلت بقصف المنشآت النووية الإيرانية ب 14 قنبلة من نوع (ام القنابل) إضافة لثلاثين صاروخ توماهوك. كل ما جرى وقع وكأنه أحداث في مسلسل هوليودي. لا يقدم حكاية واقعية اجتماعية، أو عسكرية وسياسية، بل يقدم صراعا عسكريا يعتمد على شخصيات قيادية مخادعة ومتقلبة وذات مزاج غامض، وغير متوقعة المواقف. وهذا ان كان ساطعا في شخصية بطل اللعبة الرئيس ترامب، فهو أيضا من خصائص نتنياهو صاحب الفتيل الذي فجر العمليات وسط إيران. كما أن المرشد خامنئي الذي تتلقى بلاده وبرنامجه النووي الضربات الإسرائيلية والأمريكية، وترد عليها بشكل موجع في تل أبيب أحيانا، وبشكل مسرحي عديم الجدوى على القواعد الأمريكية. خامئني هذا أيضا متقلب المزاج ومخادع أيضا. يقول امرا وينخرط في عكسه ليحقق نصيبه من الخداع الذي يمارسه كل من ترامب ونتنياهو. دراما خداع يقودها مخادعون. لكنها تدمر بلادا وتغير خرائط القوى. تقضي على البرنامج النووي الإيراني، وتكسب إسرائيل مع إنجازاتها ضد إيران مزيدا من خوف ورعب مواطنيها من الاستهداف الإيراني. وبطل هذه الدراما الرابح الكبير هو الزعيم ترامب. الذي يضرب ويوجع عندما يريد. ويأمر بوقف إطلاق النار ليستجيب له المتحاربون عندما يرغب. دراما خداع ومخادعين. لذلك مجنون من يصدق أي من هؤلاء المخادعين. حتى لو كانوا يمثلون أدوار الرؤساء أو المرشد أو الزعيم أو القائد او او آلخ.
يبدو أن استباحة الدراما كفن ابداعي وصل إلى القادة والرؤساء الذين يريدون لعب أدوار درامية أمام شعوبهم وجيوشهم وأمام الكاميرات والإعلام. وليزيد في إضافة الإبهار لشخصياتهم التي يؤدونها يعتمدون التقلب والمواقف المفاجئة، والمبالغة في ردود الفعل، والشطط في الاحكام. ويقوم سلوكهم الدرامي هذا على التمسك بالخداع كعبقرية تتلاعب بأعصاب الشعوب وأمنهم واستقرارهم ومستقبلهم. عبقرية خداع تبقيهم في كرسي الحكم والقرار، وتلمع نجوميتهم أمام المتابعين المغشوشين والمنقادين. وإذا كان قادة أقوى الدول يخبصون بالدراما كل هذا التخبيص فلا عتب على المخرجين المدعين والمتسللين إلى هذه المهنة إذا خبصوا ومارسوا أميتهم ومنفختهم لتشويه معنى الدراما وخداع المشاهدين كما يفعلون غالباً.. كنا نحزن على الدراما وعلى الإبداع الدرامي. بتنا أمام دراما عسكرية سياسية متهورة لا تتوانى عن الانزلاق إلى حروب مدمرة من أجل تلميع البطل الدرامي الذي هو الزعيم السياسي المتعالي أو المتأله أو المتكبر!!
بوابة الشرق الأوسط الجديدة