دراما الغرف المغلقة في «جراند أوتيل»
الدراما في مسلسل «جراند أوتيل» نموذج مصغر للحياة بأسرها وأحداثها التي تقع داخل فندق في أسوان. وكما أن الحياة رواية طويلة زاخرة بالأخطاء الدرامية الفادحة ومع ذلك نقبلها ونحبها إذا ما استطعنا إليها سبيلاً لأن الحياة حلوة كذلك الدراما في «جراند أوتيل» زاخرة بالأخطاء الدرامية الفادحة ومع ذلك نحب الدراما في «جراند أوتيل» لأن المسلسل حلو ونحب مشاهدته إذا ما استطعنا سبيلاً في زحمة دراما رمضان. ولكن بعد وقت قليل حسمت أمري بمتابعته لأن المسلسل كامل من مجاميعه حتى مجاميع الممثلين الذين يملأون ردهات وجنبات الفندق تشعر أنهم عاملون في الفندق لا مجاميع في المسلسل.
عموماً هناك غرام بدراما الغرف المغلقة التي تحوي الأسرار في مكان واحد تشتبك فيه الأحداث والبشر في علاقات تشبه سلك سماعة الخليوي كلما فككت عقده اشتبكت من جديد. لذلك ليس غريباً أن أقع في غرام مسلسل «جراند أوتيل» ومسلسل «أفراح القبة» الذي تدور كثير من أحداثه داخل كواليس المسرح وغرف ممثليه… دراما الغرف فرصة عظيمة لمجموعة من العلاقات المتخمة بكل متناقضات النفس البشرية من حب وكره وحقد وتضحية ومؤمرات… لذلك لا أعتبر المسلسل بوليسياً كما يمكن أن يراه بعضهم، هو في اعتقادي ماكيت للحياة، ونحن لا نعيش حياة بوليسية، لكننا نعيش حياة حبلى بالأحداث سواء كانت هذه الأحداث صادقة مثل حمل «ورد» أم كاذبة مثل حمل «آمال»… صادقة مثل حب «أمين» أم كاذبة مثل حب «قسمت» لبناتها. وعلى سيرة الحب اللافت في هذا المسلسل أن كل الرجال يقدمون فيه قصص حب عظيمة من حب «أمين» لـ«ورد» ثم حب «مراد» لـ«نازلي» على رغم شرّ «مراد» الواضح إلا إن حبه أيضاً واضح. حب «صديق» لأرملته. حب «إحسان» لزوجته «آمال»… وطبعاً حب «علي» لـ«نازلي».
كل الرجال في هذا المسلسل يحبون بصدق ويقدمون التضحيات تلو التضحيات إلى درجة تجعل متابعات المسلسل من الجنس اللطيف يقعون في غرام رجال «جراند أوتيل» ولسان حالهن يقول: «وعلى هذا الجراند أوتيل ما يستحق الحياة»، خلاف الحياة مع رجال كوكب الأرض. أما نساء «جراند أوتيل» فمعظمهن شريرات وطامعات والحب آخر ما يطمحون إليه. من «ضحى» و«ورد» و«قسمت»، ولم ينج من ذلك القبح سوى «نازلي». لذلك فإن الماكيت الذي يقدم للحياة نسبة غير منضبطة حيث إن فكرة الماكيت تقوم على النسبة والتناسب بين ما هو واقع وما هو مصغر… لكن الماكيت هنا قدم نسباً مغلوطة فصغّر الكبير وقلل الكثير.
المسلسل يحكي قصة أخ يسافر لأسوان للبحث عن أخته في مقر عملها بعد أن انقطعت خطاباتها التي كانت ترسلها له بانتظام من مقر عملها في «جراند أوتيل» في زمن الخمسينات قبيل ثورة يوليو ويعرف أنها طردت قبل شهور لاتهامها بالسرقة فيلتحق بالعمل بالأوتيل منتحلاً شخصية جديدة للتعرف إلى سر اختفاء أخته بعد طردها من العمل ليصبح مجيئه إلى الفندق شبيهاً بمجيء أحدنا إلى الدنيا حيث تبدأ الصدمات والمفاجآت تتوالى وتتصاعد مثل كونشرتو صاخب كما في الحياة ذاتها. وكما يسعى بعضهم إلى ما يسمى بجودة الحياة، فإن صناع هذا العمل قرروا أن يصنعوا ما يسمى جودة الدراما. فالمسلسل من ألفه إلى يائه فيه حرص شديد على تقديم الأفضل في الديكور والتصوير والتمثيل وجودة الاقتباس في الكتابة والعمل مأخوذ من مسلسل إسباني يحمل العنوان ذاته. ويبدو أن التناغم الذي حدث في رمضان الماضي بين كاتب السيناريو تامر حبيب والمخرج محمد شاكر خضير في مسلسلهما «طريقي» (بطولة نجمة الغناء شيرين عبد الوهاب والمقتبس أيضاً من مسلسل كولومبي)، قد أتى ثماره فزاد التوهج والتألق وبدا ذلك في أداء الممثلين الرفيع. فالمسلسل يكتشف المطربة أنوشكا في مساحة جديدة وهي تقدم دور «قسمت هانم» بمنتهى البراعة وكذلك المتألقة أمينة خليل في دور «نازلي» حيث أعادت للأذهان صورة الهوانم الحقيقية من أداء هادئ يعتمد على لغة العيون ونبرة الصوت الواثقة وأحيت صورة الفتاة الرومانسية. أما «غول» التمثيل الجديد محمد ممدوح فأدى دور «أمين» بأسلوب مدهش، ولم يفلت منه الأداء الحركي ولا الصوتي مرة. وبدت دينا الشربيني مذهلة في دور «ورد». وجه قريب لا تشك أبداً أنك قابلته يوماً واصطدمت به في الحياة لفرط طبيعيتها.
سوسن بدر كعادتها دائماً تتفوق على نفسها، أما محمود البزاوي فقدم شخصية من أجمل الشخصيات الدرامية بجمال خاص وحكمة تشبه الشخصية، فيما قدمت مي الغيطي دور «فاطمة» بسلاسة لافتة.
ويبقى من أكثر الأشياء التي تميز مسلسل «جراند أوتيل» أنه إذا أردت أن تحسبه مسلسلاً بوليسياً تجده كذلك، وإذا شئت أن تغلفه بغلاف رومانتيكي تجده كذلك، وإذا أردت أن تراه مسلسلاً اجتماعياً فهو كذلك… فكما أن الحياة واسعة تشمل مظلتها كل شيء، لذلك يمكن أن نعتبر المسلسل «ماكيت» للحياة.
صحيفة الحياة اللندنية