دراما رمضان … وحروب للفوز بالتاج
على صفحات الصحف والمجلات، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي اشتعلت «حروب الفوز» بين مسلسلات عرضت على مدار شهر رمضان، ضمن المهرجان السنوي الدرامي العربي المفتوح. واللافت أنّ هذا الموسم الذي استحال مهرجاناً شهيراً للسباق الدرامي، أقيم من دون رئيس أو راع أو حتى قانون ولكنه ظلّ الأوسع جمهوراً وانتشاراً في عالمنا العربي لارتباطه بشهر الصوم الكريم، الذي تتغير فيه بعض العادات ويصبح الجلوس في المنزل أحد ملامحه المهمة، وتغدو الفرجة على التلفزيون طقساً لا غنى عنه.
هكاذا قرر صناع الدراما تكثيف العروض اعتماداً على ركون الجمهور إلى البيت غالباً، وقرر المنتجون تحويل إنتاجهم ليصبح هدفه أن يلحق بالعرض الرمضاني، وما دون ذلك غير مهم لهم، ولكنه أصبح مهماً لفئة أخرى تعتمد أيضاً على شاشات التلفزيون في رواج بضاعتها، وهم المعلنون والذين أصبحت لهم بعد أكثر من عقد من الزمان خريطة إعلانية موازية لخريطة المسلسلات وعلى الشاشات نفسها. ولأن الزحام أصبح شديداً وكل قناة تنوء بما تحمله من مسلسلات جديدة وإعلانات مختلفة، بعضها أصبح يتنافس في عالم الدراما، وبواسطة نجوم المسلسلات أنفسهم، فقد اختلط الأمر على مشاهدين كثر فقدوا بوصلة التركيز على الأعمال التي يتابعونها لاضطرارهم الى الانتظار بعد كل مشهد أو أثناء وصلة إعلانية طولها يفوق المشاهد الدرامية.
بعضهم الآخر أصبح يلعب مباراة مع الإعلان فيحرك المؤشر على مسلسل ثانٍ وقناة ثانية فور وقت المعلن بإعلانه، وحين يعود الى مسسله الأصلي يكتشف أن المشهد التالي قد فاته وهكذا. أما الفئة الأكثر تعجلاً والأقل صبراً فودعت شاشات التلفزيون الى اليوتيوب لترى ما تريده من دون خسارة فادحة. وهكذا لاحت الفرصة الى بعض صناع الدراما التي لم يأت ذكرها بالمدح في الحوارات الإعلامية الميدانية لأن يقولوا بأن أعمالهم هي الأعلى مشاهدة، ولم يتوقفوا عند هذا، وإنما قدم بعضهم أرقاماً، فوصل الأمر إلى نوع من الكوميديا السوداء أثناء العرض، بحيث يعلو صوت جديد ببيان مفاده أن المسلسل الفلاني هو الأنجح والأفضل، حدث هذا يومياً تقريباً، وحتى مع أصحاب الأعمال التي اتسعت صفحات النقد لها، والى حد تشعر معه بنوع من حوار الطرشان، وأن متخصصين جدداً ظهروا للدفاع عن المسلسلات الجديدة أثناء عرضها وشحذ الهمم من أجلها، خصوصاً حين يكون أبطالها من النجوم الكبار.
وأخيراً، بعد نهاية مهرجان المشاهدة الكبير، جاءت الاستطلاعات لتؤكد حقائق واضحة في ما قدمته الشاشات من أعمال وصل عددها إلى أربعين عملاً درامياً جديداً، وأولى هذه الحقائق التي عبرت عنها استفتاءات أجرتها صحف كبرى، بالإضافة طبعاً الى مقالات النقاد، أن الأعمال الكوميدية في أزمة كبيرة مع وجود أسماء كبيرة من صناعها على الساحة، وعلى رأسهم عادل إمام نفسه، النجم الأهم في عالم السينما والدراما الكوميدية العربية، والذي أثار مسلسله «عفاريت عدلي علام» انتقاد النقاد وجمهور عريض لم يعطه صوته في هذه الاستفتاءات.
والأمر الثاني أن تنوع الأعمال وعددها الكبير أتاحا فرصاً عديدة لتقديم نوعيات نادرة من الدراما مثل تلك المأخوذة عن نصوص أدبية مهمة مثل «لا تطفئ الشمس» عن رواية إحسان عبدالقدوس و «واحة الغروب» رواية بهاء طاهر الحائزة جائزة بوكر العربية (2008)، وبدت عملاً مغايراً تماماً للأعمال الأخرى في تقديمها لجانب من الحياة المصرية المخفية عن أعين كثير من المصريين قبل مئة عام، مبتدئة بهزيمة (أحمد عرابي) الضابط الثائر على الاحتلال الإنكليزي وقتها والانتقام من كل مؤيديه، ومنهم بطل الرواية، بالنفي إلى واحة سيوة الصحراوية.
أما الأمر الثالث فهو إعادة اكتشاف لممثلين كبار كانوا قد توقفوا عن التقدم إلى ما يستحقونه من أدوار مثل الممثل القدير ياسر جلال الذي خطف اهتمام المشاهدين والنقاد بدوره كبطل أول في مسلسل «ظل الرئيس»، والممثل الشاب أمير كرارة كبطل في دور مختلف عن بطولات سابقة اعتمدت على القوة «الفتونة»، فقدم في «كلبش» دور ضابط شرطة اتهم ظلماً بقتل مواطن ويحاول تبرئة نفسه. وهناك أيضاً كريم عبدالعزيز في «الزيبق» في عمل يقدم قصة من قصص الاستخبارات العامة بعد غياب هذا النوع لسنوات، ويوسف الشريف في «كفر دلهاب» الذي يطرح فاتنازيا درامية عن العلاقة بين المواطنين والسلطة. وأمام هؤلاء قدمت نجمات مهمات أدواراً جديدة تماماً في مسيرتهن الفنية، مثل يسرا في «الحساب يجمع» في دور خادمة منازل تتحول إلى (مخدماتية) وتحمل هموماً فوق الوصف حتى لا يغتالها الآخرون، ومنة شلبي في دور باحثة إرلندية (كاترين) تحضر إلى مصر بحثاً عن بعض الآثار المختفية وتلتقي الضابط محمود (خالد النبوي) وتتزوجه وتتعذب معه نتيجة ظروف حياتهما في «واحة الغروب». وكذلك هند صبري في دور أمينة بطلة «حلاوة الدنيا» التي تصاب بالسرطان قبل زفافها بشهر واحد وتتغير حياتها تماماً كما يتغير موقف الآخرين منها، ونيللي كريم في دور جميلة بطلة «لأعلى سعر» التـــي تسرق صديقتها القديمة ليلى (زينة) زوجها ومكانتها وحتى ابنتها وتتعذب كثيراً حتى تسترد نفسها وتعود رافعة الرأس.
وهناك بالطبع أدوار أخرى مهمة وجدت لها مساحات في الأعمال الدرامية، وأحدثت تأثيراً مهماً لدى جمهور عريض من المشاهدين مثل الدور الذي قام به الممثل الكبير نبيل الحلفاوي في «لأعلى سعر» كأب موسيقي يظهر من جديد في اللحظة المناسبة في حياة ابنته لدعمها وتقديم نموذج مختلف لها ولنا، أكثر إنسانية واتساقاً مع النفس.
والدور الذي قدمه ممثل قدير آخر هو أحمد كمال في «واحة الغروب» كزعيم قبيلة ولكنه بعيد من الجمود والحس القبلي يدرك تماماً عذاب (مليكة) ابنة شقيقه ورفضها الزواج قسراً وفقاً لعادات الواحة، إضافة الى دوري ممثلين شابين هما أحمد داود ومحمد فراج (سمير وسوني) في مسلسل «هذا المساء» كشريكين في محل لبيع وإصلاح أجهزة الموبايل والصراع المادي والنفسي الذي يواجههما من أجل مقاومة إغراء معرفة خصوصيات الآخرين خصوصاً النساء، واستغلال عملهما بغية تكوين علاقات غير شرعية تقوم أولاً على الابتزاز، إضافة الى دورين مهمين قامت بهما ممثلة شابة مقتدرة هي حنان مطاوع في «حلاوة الدنيا» و «هذا المساء».
ثمة تغيير كامل لأسلوب وطريقة الأداء لاسمين كبيرين الأول هو أشرف عبدالغفور، ممثل المسرح القدير، الذي قدم ولأول مرة دور رجل أعمال ثري ومغرور في مسلسل «طاقة نور» الذي رأينا فيه أيضاً نجم السينما هاني سلامة في دور رجل مغامرات يستخدم قدراته البدنية وسلاحه لتصفية معاركه مع الخطيرين وكم أجاد كلاهما في أداء دوره الجديد الذي مثل تحولاً مهماً في مسيرته.
والعجيب في كل هذا أن أياً من هؤلاء لم يحظ بشرف الدخول إلى قائمة الأعلى أجراً التي يحاول بعضهم تدشينها باعتبارها عنواناً للجودة والإجادة.
صحيفة الحياة اللندنية