دع عنك لومي..
يقول صحافي يكتب في موقع أمازيغي تحت اسم ” أزرو” وبلغة ساخرة : ” ربما كان للعرب الفضل في إدخال كلمة ” راسيزم” أي العنصرية إلى اللغات اللاتينية، وأصلها جاء من كلمة ” رأس” العربية، وقد وقع تمريرها عبر الأندلس إلى أوروبا ومن ثم إلى كافة أصقاع العالم”.
ويتحدث الكاتب عن ” مظلومية ثقافية” قد لحقت الأمازيغ من العرب مشتشهدا بأمثلة كثيرة، لعل أبسطها في نظره هي قضية الأسماء، فالعروبيون ـ كما يسميهم الكاتب ـ وعلى اختلاف توجاهتهم ومذاهبهم، يذكّرون أن الأسماء الأمازيغية أسماء كافرة، إذ أن “أيور” مثلا، هو عندهم اسم ” مشرك ” أما ” قمر” فإسلامي، والفرق هو أن الأول بلغة الأمازيغ، والثاني بلغة العرب.
وييحاول مثقفون أمازيغ من شمال أفريقيا أن يثبتوا ” عنصرية العرب ” في نظرهم من خلال وقائع وسجالات، كان بعض العرب يتندرون بها، وتحمل سخرية واضحة من ثقافتهم كقول أحد عرب الأندلس:
“رأيت آدم في نومي فقلت له … أبا البرية إن الناس قد حكمو
أن البرابر نسل منك قال أنا … حواء طالقة إن كان ما زعموا”
الإقرار بالنزعة العنصرية التي تعامل بها مؤسسات رسمية ومنابر إعلامية في العالم العربي بقية القوميات والثقافات في العالم العربي، جعل حتى الكثير من الكتاب العرب يقرّ بها، بل ويبدي تعاطفا كبيرا مع زملاء في الصحافة والكتابة مثل الأكراد، وهذا ما جعل الصحافي السوري محمد منصور، يدعو الكتاب الأكراد أن يقاطعوا المنابر الإعلامية العربية وأن لا يغرقوها بعشرات المقالات المكتوبة باللغة العربية، وكتب يخاطبهم في مقال صحفي: ” انسحبوا وانظروا كيف ستتراجع الثقافة وستنهار مقالات الرأي، وسينعدم التحليل.. وسيجد العرب أنفسهم مضطرين للاستعانة بمترجمين كي يترجموا مقالاتكم كما يفعلون مع الكتاب الغربيين الذين يشاركونكم الانتماء للعرق الآري.
ويضيف منصور الذي يكتب في إعلام المعارضة السورية: ” كنا إذا وجدنا في جيب طالب جامعي ورقة كتب عليها كلمة بالكردي، أو شعاراً أو صورة تمت بصلة لرمز كردي، نسارع إلى “شحطه” إلى الفرع، مستفدين من التهمة المخابراتية الجاهزة المسماة (النزعات الانفصالية) التي كان يرفعها ويتاجر بها (الشعب).”
النزعة العنصرية لدى المجتمعات العربية، لا تقتصر على النظرة إلى الأعراق والثقافات الأخرى، بل أيضا في تلك النظرة التفاضلية بين الأفراد، وغياب ذلك الانفتاح الطبقي بين فئات المجتمع، ولقد حدثنا شاهد عيان كان حاضرا عندما دخلت سيدة عيادة متخصّصة للأمراض العصبيّة، بحثت عن مقعد انفرادي و شاغر في قاعة الانتظار المكتظّة فلم تجده، اضطرّت للجلوس إلى جانب امرأة بسيطة المظه،,متواضعة الهندام، سألتها وهي تهوّي بمروحة الريش ,تحرّك قدميها بعصبيّة واضحة وهي تنظر إليها بتأفّف: ” ما الذي جاء بك إلى هنا ؟!…لا تقولي لي إنّك جئت للتداوي؟”، أجابت المرأة الفقيرة: ” وهو كذلك يا مدام” فقالت السيدة بعجرفة: ” لم أكن أن مرضي قد أهين إلى هذا الحد”، ثمّ غادرت العيادة وقد استكثرت على تلك المسكينة مرضا تراه لا يليق إلاّ بالفئات الراقية من أمثالها..
من هنا تبدأ العصبيّة والعصبيات, في التفكير والسلوكيات والنزعات …قبل الشرايين والأوعية والارتجاف والنوبات ..
كيف لهذا الطبيب الذي غادرت عيادته تلك السيدة المتكبّرة أن يعالج داءها العضال ,دون الاستعانة بالحبوب المهدّئة والنصح بالإسترخاء واليوغا التي لم تنفع –حتى أهلها.
وتقول منى من مصر: ” بينما كنت أمشي مع صديق سوداني بوسط القاهرة ، صرخ شاب مصري يعمل بمحل للحقائب اليدوية غاضبا :”دي والله العظيم خسارة فيك”
وتتساءل منى: “هل أصبح المشي مع السودانيون في شوراع مصر يثير غضب الناس ؟”، وتضيف: ” للأسف نعم … فهنا علامات العنصرية تلمع في أعين بعض الناس، كيف لا و بنت شابة تمضي مع أسود سوداني .. يا نهار إسود .. هم الرجالة البيض إنقطعوا ؟
أعمال درامية مصرية كثيرة، كرست نزعات عنصرية ضد السودانيين والنوبيين وأهل الصعيد، مثل بعض الأدوار النمطية ك”عصمان السفرجي” و “عبد المنعم البواب ”.حيث تنحصر صورة الممثل السوداني دائما في العمالة المنزلية و حراسة أبواب العمارات، أما المرأة السودانية فهي تظهر دائما على بداوتها و طبيعتها بلباسها التقليدي و لم يتجاوز حضورها دائرة “الدادة نعمات ” التي تهتم بالأبناء و ترعاهم في ظل راحة أمهاتهم.
وكثيرا ما تسقط وسائل إعلام عربية في مستنقع العنصرية، أمّا الأمثلة فعديدة ومتنوعة، كالطريقة التي وصفت بها صحيفة لبنانية السوريين المهجرين، واتهمتهم ب” تغيير هوية شارع الحمراء في بيروت”.
الغريب أنّ النزعات العنصرية بين العرب أنفسهم، نجدها لدى من يقدمون أنفسهم كقوميين وعروبيين، مثل حديث بعضهم عن منطقة الجزيرة العربية.
والأغرب في أمر القوميين أن رؤيتهم هذه ليست رؤية بحثية، أو فرضية علمية، وإنما هي موقف إثنولوجي عنصري نهائي، غير قابل للتغيير.