دمشق الأبهى
دمشق الأبهى..لكم تأخذني الأفكار و الأحلام حول مدينتي دمشق !..
كيف كانت عمرانيا على وجه الدقة ، و كيف آلت إلى ما هي عليه الآن ….إلى سؤال آخر : هل كانت دمشق أبهى و أجمل مما هي عليه الأن أم أنها فقدت الكثير من بهائها ؟
صحيح أن التغير هو سمة للوجود الحي و علامة التطور الذي لا مفر منه غير أن تدخل البشر الطائش أو المذعور كثيرا ما يطغى على عوامل التطور الطبيعي للأشياء ، فالأزقة الضيقة جدا مثلا في حارات دمشق القديمة تكاثرت بسبب خوف السكان من سهولة إقتحام الجيوش الغازية و العصابات المخربة ، فآثروا التخلي عن الشوارع إلى الأزقة التي يسهل على السكان إغلاقها في وجوه الغزاة غير أن الأحداث التي أصابت دمشق في السنين الأخيرة و سببت لها تغيرات ضارة كالاستهلاك الأرعن للأرض الزراعية الخصبة في الغوطة الخضراء المحيطة بدمشق و التعدي على الأحياء القديمة و أخطر ما طرأ على البشر من تمزق للعلاقات الإجتماعية الحميمة في الطقوس و في التواصل الإجتماعي و تفشي الفساد و التلوث فما هي الصورة الأن لدمشق ؟
لا شك أن هناك معالم تراثية في الزمان و المكان ما تزال قائمة و لكنها مهددة باستمرار ، ذلك لأن التغيير في الزمن أمر خفي نكاد لا نلاحظه و إذا لاحظناه لا نعبأ به كما في الظواهر السلبية التي تطرأ على العادات و التقاليد الحسنة كتبادل الزيارات و التكريمات و التعارف و الإعتزاز غير الضار بالتراث عموما و هي تغيرات يمكن تلافيها بما يتلاءم مع الخصوصة العريقة لدمشق ، كما صنع مثلا سكان العاصمة البولونية “فارصوفيا” حين خرب النازيون الأحياء القديمة الجميلة خرابا شاملا قبل إنسحابهم من بولونيا في نهايات الحرب العاليمة الثانية فأعاد هؤولاء السكان بناء الحي القديم ” ستارة مياستو” حجرا حجرا و زقاقا زقاقا حسب الخرائط القديمة تماما من دون أي تغيير !…
إن المغزى العميق لهذه الظاهرة الإنسانية هو أنها تحمي الذاكرة الوطنية من النسيان و الإغتراب و الرخاوة ، فالمكان بهذا المعنى هو المجرى الذي يتدفق فيه الزمن و تضعف شيئا فشيئا تفاصيل الذاكرة الوطنية مع مرور الزمن و يبقى المكان وحده هو الوسيلة الوحيدة الباقية في الحفاظ على بعض هذا التراث و بالتالي على نضارة الذاكرة للوطنية و بالتالي الحفاظ على الشخصية المتميزة للمدينة التي يعتبرها معظم المؤرخين أقدم مدينة في التاريخ الحضاري للبشر.
إن التغني بأمجاد دمشق و معالمها الحضارية ، و الطبيعية كبيئة خضراء واسعة حافلة ليس نواحا رومانسيا و لكنه يغدو كذلك إذا ما بالغنا في الإفتخار إلى حد الغرق في مستنقعات التفاخر فإذا ما حافظنا على ما تبقى من الأمكنة التي لم تندثر بعد، أمكن للمكان أن يغدو مساعدا نشيطا في عملية ترميم ناصعة للتاريخ العريق حفاظا على سمعة دمشق كأقدم مدينة عرفها البشر!.
بوابة الشرق الاوسط الجديدة