دمشق: «الغموض البنَّاء» في مواجهة غموض 2254
لم تصدر من دمشق تصريحات رسمية ترحب أو ترفض قرار مجلس الأمن الدولي 2254، كما لم يتبين علنا إن كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أصاب الدقة أم لا، حيال توقعاته بأن «لا يعجب» القرار القيادة السياسية في دمشق، علماً أن سوريا لم تعجب سابقاً بمؤتمري جنيف في العام 2012، برغم الزخم الروسي الذي رافقهما، وبالأخص حين صدر البيان الأول الشهير، الذي يحدد مسار العملية السياسية المرهون بتشكيل «هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات»، لكنها لم ترفضهما علناً.
وشاركت وزارة الخارجية السورية وموظفون في القصر الرئاسي كما هو معروف، بجولتي محادثات، حرصاً منها على إظهار «إيجابية ديبلوماسية وتعاون دولي، كما إرضاءً للحليف الروسي»، برغم القناعة المسبقة أن جنيف حمل «بذار موته في طياته»، على الأقل من وجهة نظر دمشق، وأن القرار الدولي الذي قاد التفاهم الأميركي – الروسي إليه مجدداً، مساء الجمعة الماضي، هو بدوره يحمل من الغموض ما يسمح بتحوله إلى قرار دولي شبيه بكثير من القرارات الدولية التي سبقته.
ووفقاً لمعلومات «السفير» ستشارك سوريا في جلسات تفاوض مستقبلية تجري بدعوة أممية، كما سبق وفعلت في جنيف مرتين، من دون ثالثة، حين أرسلت دمشق وفداً سورياً رفيع المستوى ترأسه نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وليد المعلم للمشاركة في محادثات برعاية أممية، مع وفد يضم ممثلين عن «الائتلاف الوطني» المعارض.
وليس معلوماً بعد متى سيحصل هذا على وجه التحديد، علماً أن دمشق مشغولة في الوقت الراهن في إيجاد «حل لقضية مشاركة تنظيمات إرهابية في وفد المعارضة»، الذي يُفترض أن كتلته الأكبر قد تشكلت في الرياض، وتعمل تحت إشرافها وتضم ممثلين عن فصائل مقاتلة، تُعتبر من ألد أعداء الجيش السوري وحلفائه في المعركة الحالية.
وترفض سوريا بشكل قاطع التفاوض مع «مجموعات إرهابية»، وهو أمر عبّر عنه صراحة الرئيس السوري بشار الأسد في لقاء صحافي جرى تزامناً مع انعقاد مؤتمر الرياض لقوى المعارضة السورية. وهو ما يعني، وفقاً لخبراء ومسؤولين سوريين، أن أي تفاوض يجب أن ينتظر القائمة التي تحدد من هي الفصائل التي تُعتبر إرهابية من تلك التي تستطيع المشاركة في العملية السياسية.
ولا يعني هذا أيضاً، أن هذه اللائحة ستحمل أخباراً جيدة، بالنسبة لدمشق، على اعتبار أن ديناميكية الحرب وفرص إنهائها تفترض إشراك أصحاب القدرة العسكرية الكبيرة في البحث عن تسوية.
ووفقاً لمعلومات مسرَّبة ساهم لقاء أمني رفيع المستوى بين مسؤولين أمنيين سوريين وأردنيين في عمان، في توسيع دائرة تصنيف المجموعات الإرهابية على الأرض السورية، والتي بلغت 167 مجموعة، علماً أن موسكو ودمشق وطهران تلتقي على تعريف واحد لتلك الجماعات، ولدورها في الحرب.
ويرحّل القرار الدولي بالنسبة لدمشق القضايا ذاتها التي شكلت عقبات في السابق، وبينها «مصير الرئاسة السورية»، كما كيفية انتقال «الصلاحيات الكاملة» من مؤسسة الرئاسة بشكل كامل نحو «الحكومة الوطنية» التي يُفترض أن تتشكل خلال ستة أشهر بعد بدء المفاوضات، وتقوم بالإعداد لدستور جديد. ويشكل هذا الترحيل، الذي يستهدف أولاً إطلاق المسار السياسي (كما سبق وحصل في جنيف ولاحقاً في موسكو) سبيلاً لتمهيد منصة ثابتة لمناقشة مثل هذه القضايا.
إلا أن عوامل تدمير هذه المنصة كبيرة بدورها، وتبدأ بفرضية تحقيق وقف كامل لإطلاق النار، فشل مراراً سابقاً، من دون أن يشمل الفصائل المصنفة إرهابية، وفق التصنيف الأممي المقبل، وهو أمر أقر مسؤولون بإمكانية حصوله تحت ضغط رعاة المجموعات المسلحة، ولا سيما بعد تجربة التدخل التركي العسكري في العراق، والذي انتهى بسرعة بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأميركي باراك أوباما مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان.
وسيصبح ضغط الرعاة هو مفتاح التشغيل، لانطلاق عربة القرار 2254، ولا سيما أن المنسق العام لهيئة التفاوض عن مؤتمر الرياض رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب رفع سقف مطالب المعارضة بشكل يتجاوز مرحلة الأشهر الستة للتفاوض، كما انتقد «الائتلاف» القرار أيضاً.
ألا أنه وفي حال ضمت قاعة الطرفين معاً، كما حصل بأشكال مختلفة سابقاً، فإن عوامل كثيرة ستترك تأثيرها على مسار الأشهر الستة، من التفاوض، علماً أن سوريا لا زالت تضم حاضنة شعبية كبيرة من الطرفين، «لا تجد جدوى كما لا تؤيد العملية السياسية المحتملة»، لكن الوقت يمر، والمزيد من التعقيدات قد تنشأ وفقاً لما يراه خبير سوري متابع لهذا المسار في دمشق، حيث ترسخت القناعة مؤخراً بأن أوباما يريد أن يرى مساراً سياسياً ذا فعالية قبل اختتام ولايته الرئاسية العام المقبل، ولكن من دون أن يخرج عن أطر المصالح الأميركية، وبالتوافق مع روسيا، لأن احتمالات أن يحصل «شيء مشابه سريعاً بعد رحيله أقرب للعدم من أي احتمال آخر».
صحيفة السفير اللبنانية