دمشق تستعيد ذكرى الكاتب الكبير صدقي اسماعيل !
دمشق ــ خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة:
تبرز بعض الأسماء في الفضاء الثقافي السوري، وكأنها بقايا نبض في القلب السوري الحضاري التي تعثر كثيرا في الحقبة الأخيرة. وفي هذا الصدد طرح الباحث السوري الدكتور اسماعيل مروة اسم الكاتب الكبير الراحل صدقي اسماعيل، من خلال قراءة نقدية في سلسلة ندوات اشتغل عليها خلال العام ، وأعادت ندوته الأخيرة تجربة هذا الكاتب إلى الصدارة وذكّرت بأن ثمة حاجة كبيرة لاسترجاع تراث هذه القامات في ضوء الفقر الثقافي يعم المنطقة العربية
وقد عرف السوريون صدقي اسماعيل في أكثر من فن ثقافي ، ومن أشهر مايتذكرونه هو ” الشعر«الحلمنتيشي» الساخر والهازئ الذي طرحه من خلال جريدة الكلب التي كان يصدرها، إضافة إلى عمله الأدبي الرائع “الله والفقر” الذي استمد منه المخرج السوري علاء الدين كوكش مسلسله الشهير أسعد الوراق .
وقد غاب اسم الكاتب الراحل صدقي اسماعيل طويلا عن النشاط الثقافي السوري، وهو كما تصفه الصحفية سوسن صيداوي ” أبو الكلمة في الأدب والرواية والمسرح والقصة والترجمة” وظهر في الندوة عبر المداخلات متعدد الصور ، فقد تحدث الدكتور مروة عن علاقته مع إسماعيل ، قائلاً: «صدقي إسماعيل أحببته لأن في اسمه جزءاً من اسمي، بعد ذلك اقتربت منه في(العرب وتجربة المأساة)، وبعد ذلك في روايته (العصاة)، وبعدها عشقته في(الله والفقر)، بعد ذلك قرأته في فكره القومي.. عندما وصلت إلى مرحلة محددة بدأت أقرأ شعره المشترك مع الشاعر سليمان العيسى في جريدة الكلب، وهي تجربة فريدة في تاريخنا الأدبي والإعلامي والصحفي، أن تُنشأ جريدة من بدايتها إلى نهايتها، تتناول الهم السياسي والفكري والقومي، بالشعر” .
ونقل الدكتور مروة تعريف هذا الشعر بأنه ” الشعر«الحلمنتيشي» أي الشعر الساخر والهازئ” الذي نشره اسماعيل من خلال جريدة الكلب، وقال : ” إذاً إسماعيل يمثل مرحلة من النهوض القومي، هذا النهوض الذي نفتقده اليوم لدى حاملي هذا الفكر من الذين آمنوا بالفكر القومي وآمنوا بعودته ومراجعته بين فترة وأخرى”
في الندوة ظهرت قامة إعلامية سورية كبيرة هي عواطف الحفار إسماعيل ، وهي زوجة الكاتب الراحل صدقي اسماعيل وهي مذيعة كبيرة ومهمة ظهرت على الشاشة السورية وانكفأت بإرادتها عن الظهور قبل نحو ربع قرن ، وتحدثت هذه الزوجة عن حياتها معه فقالت إن إسماعيل كان يتمتع بدماثة خلق وسرعة بديهة وظرف ولطف وينشر الفرح أينما حلّ وهو الذي كان يمتاز مزاجه بالصفاء والأفق المفتوح على الفكر القومي والعالمي ولم يُضِع ساعة واحدة دون أن يقرأ أو يكتب أو يترجم ليستثمر أوقاته الضائعة بكتابة الشعر الساخر في جريدة “الكلب” ”
وتورد صحيفة البعث في تقرير للصحفية أمينة عباس أن الكاتب الراحل صدقي إسماعيل توفي في العام 1972 إثر نوبة قلبية تاركاً وراءه أعداداً كبيرة من الكتابات المخطوطة والنصوص المعدّة للنشر، وحين لم تتمكن أية جهة من طباعتها ثم طُبِعت في ستة مجلَّدات، كما طبعت الهيئةُ العامة السورية للكتاب فيما بعد مجموعة من الكتب التي خصصها إسماعيل للحديث عن أعلام الفن التشكيلي والشعر العالمي، مشيرة إلى أن أعماله المسرحية بقيت بعيدة عن القراء ولم يُتَح لها الانتشار وأن اهتمامه بها كان من منطلق أن المسرح وسيلة تعبيرية تساعده على إيصال أفكاره الفلسفية بشكل مؤثِّر ومباشر على الناس، وكل مسرحياته بقيت مجهولة عدا “أيام سلمون” التي أُخرِجَت للمسرح بعد وفاته من قبل الفنان أسعد فضة..
الأديب محمد طربيه شارك في الحديث عن الكاتب الراحل صدقي اسماعيل فأشار إلى تنوع اهتماماته الفكرية والأدبية، وخاصة بسبب ما تعرض له كسائر أبناء لواء الاسكندرون السليب، كما أن انخراطه في معترك العمل السياسي أغنى من اهتماماته الثقافية، قائلاً: «فإذا كانت اهتماماته الثقافية تشمل القصة القصيرة (الله والفقر) والرواية (العصاة) والدراسة الأدبية رامبو قصة شاعر متمرد والترجمة الإعصار عن بوشكين… أقول إذا كانت اهتماماته متنوعة إلى هذا الحد الكبير بالقياس لعمره الزمني الذي لم يكمل فيه نصف القرن فإن تجربته السياسية والحياتية بشكل عام كانت مصدراً غنيا من مصادر إثراء عطائه الفكري.
أما الناقد بيان الصفدي فقد توقف عند ظاهرة جريدة الكلب، التي كتب فيها أهم الشعراء العرب والتي لم يكن لها تاريخ صدور محدد، بل كان بما تحويه كديوان شعر كبير، قائلاً: «عرفت سورية ظاهرة طريفة ليس لها مثيل في الوطن العربي، وربما في العالم، فقد وُلدتْ جريدة«الكلب»التي أنشأها وكتبها إبداعاً الأديب«إسماعيل»، وبخط يدِّه فقط، وكانت بدايتها في أوائل الخمسينيات 1952، وكانت لها بدايات أولى منذ 1944على شكل محاولات ساخرة لطلاب في الثانوية باسم «المنشار» حيناً و«الجسر» حيناً آخر بمشاركة مجموعة أصدقاء منهم سليمان العيسى وغازي أبو عقل، أما «الكلب» فقد استمرت أكثر من عَقدين، وكانت ذات ميزات خاصة جداً، فهي شعر كلها، حتى في إعلاناتها، فهي ديوان كبير من الشعر الساخر يوجهه«إسماعيل»إلى شتى أمور الحياة، صغيرها وكبيرها، وليس لها موعد محدد للصدور، وتوزع يدوياً، وقد يسهم فيها على ندرة شعراء وأدباء بين حين وآخر..