دمشق وواشنطن.. سباق الشرق السوري
لا تنتظر التحركات الأميركية على الأرض خارطة طريق لسياسة بايدن في سوريا، فكل المؤشرات تؤكد استمرار سياسة ترامب وأوباما أو تشهد الصحراء الممتدّة بين الشرق السوري والغرب العراقي كمائن متنقّلة وضربات خاطفة، وإذا كان تنظيم داعش يبدل في استراتيجيته التي كانت قائمة قبل غزوة “كسر الحدود” في العام 2014 على التمكين واحتلال الأرض، لكنه لا يبدل في استراتيجية استنزاف الجيش السوري، من خلال عمليات مباغتة وسريعة، من أجل منع الجيش والحلفاء من الإمساك بالطريق البرية دير الزور – حمص – دمشق بشكل آمن ومستدام.
راقبت القوات الأميركية في قاعدة “التنف” التنظيم في عمليات الهجوم على حافلات الجيش أخيراً، وقدَّمت دعمها الاستخباري واللوجستي، بحسب ما رصدته اتصالات الجيش السوري، بعد نقل العشرات من مسلّحي داعش عمداً من سجون الحسكة إلى “التنف” لأداء هذه المهمة تحديداً.
قضى الجيش السّوري على المجموعة المهاجمة في العمليات الأخيرة التي تمثلت باستهداف حافلات مبيت الجيش السوري على طريق دير الزور – دمشق، في كمين نصبه في حقل التيم في عمق بادية دير الزور وقرب المقرات العسكرية الأميركية على مشارف حقول النفط، بعد رصد سوري روسي، لتكون الرسالة مزدوجة لواشنطن بأن لا قيامة جديدة للتنظيم، وأن عمليات تتبّع خلاياه مستمرة.
تهجير “داعش” من السّجون إلى البادية مجدداً قد يمنحه فرصة لإعادة تنظيم صفوفه والقيام بعمليات منسقة ضد الجيش السوري، وربما محاولة غزو مدن أو مناطق سورية يتحصّن بها لتأمين قواعد خلفية لعملياته، وهو ما تريده واشنطن لتعقيد المشهد السوري مجدداً ضمن استراتيجية الضغط إلى الدرجة القصوى على دمشق وحلفائها.
وجدت واشنطن في مسلّحي التنظيم داخل سجون “قسد” ورقة استثمار سياسي وميداني، لتحويل البادية السورية وشريان الإمداد البري بين دول المحور، طهران وبغداد ودمشق، إلى واحة للتنظيم الإرهابي مرة أخرى، وخصوصاً بعد ترك الممرات مفتوحة بين البلدين، فليس مصادفة أن يتحرك التنظيم في هجمات متزامنة بين ساحتي سوريا والعراق منذ نهاية العام الفائت، في لحظة استحقاقات سياسية في انتخابات رئاسية سورية وبرلمانية عراقية.
وليس مصادفة تحرك قوات “قسد” في الوقت نفسه لحصار أحياء الدولة السورية في الحسكة والقامشلي ومنع دخول المواد الغذائية وصهاريج المياه ووسائل نقل الطلاب والمواطنين، ضمن شروط أميركية أربعة، أبرزها قطع توريدات النفط عن الدولة السورية، ومنع أي تفاهم أو اتفاق معها، وإنهاء التوتر مع أنقرة، وهو ما يفسّر اصطدام كل المساعي والوساطات الروسيّة لإنهاء الحصار بذرائع “قسد” في حصار الجيش السّوري لأحياء الأشرفية والشيخ مقصود ذات الأغلبية الكردية في حلب، وهو أمر تنفيه المصادر الرسمية تماماً.
ولا تنتظر التحركات الأميركية على الأرض خارطة طريق لسياسة بايدن في سوريا، فكل المؤشرات تؤكد استمرار سياسة ترامب وأوباما أو ربما سياسة أكثر عدائية. وقد وصلت تعزيزات عسكرية غير مسبوقة إلى المالكية في المثلث الواصل بين الحدود العراقية والسورية والتركية في أقصى الشمال السوري، مع تسيير دوريات على الحدود، وسط أنباء عن إقامة قاعدة عسكرية أميركية في المدينة التي هددت أنقرة قبل أيام بعملية عسكرية للسيطرة عليها لطرد “قسد” منها.
تعيد واشنطن استثمار الجميع وتوحيد كلّ الأوراق لتبقي على جبهة مواجهة وحيدة مع الجيش السوري وحلفائه، في رهان على إعادة إحياء مشروع تقسيم سوريا الذي لم تتمكن من تحقيقه طيلة 10 سنوات من الحرب السورية، لكن دمشق لا تزال تملك الكثير من الخيارات العسكرية والسياسية قبل أن تحسم واشنطن أمرها في شرق سوريا.ربما سياسة أكثر عدائية.
الميادين نت