ران تشونغ جينغ أهم شعراء قوميات الأقليات في الصين
ران تشونغ جينغ يعد من أهم شعراء قوميات الأقليات في الصين، وأكثرهم تأثيرًا في تشونغتشينغ، حيث تركت قصائده السحرية ذات النمط الغريب انطباعًا عميقًا لدى القراء. الشاعرة الصينية الشهيرة ماي شاو جينغ وصفت ران قائلة: حينما تقرأ شعر ران، تتساءل لماذا أنا لست واحدًا من أبناء الأقليات؟
ورغم الموسيقى والأغاني التي تسطع من القصائد إلا أن هناك مسحة من الأسى والحزن، ويمتاز الشاعر بخيال خصب يصل بالتجربة الشعرية إلى آفاق وتخوم لم تقتحم من قبل. وللشاعر تجربة شعرية مميزة متنامية مثقلة بهبات العطاء الشعري فعبر القصائد نستطيع سبر أغوار الشاعر الض يعد ران تشونغ جينغ من أهم شعراء قوميات الأقليات في الصين، وأكثرهم تأثيرًا في تشونغتشينغ، حيث تركت قصائده السحرية وذات النمط الغريب انطباعًا عميقًا لدى القراء. انحدر من جبال وولينغ منتميا لأبناء قومية توجيا، وولد في عام 1966 وتخرج في جامعة نانتشونغ للمعلمين في عام 1987. نشر أولى قصائده “الرقص الجبلي” في مجلة أدب قوميات الأقليات، وبدأ دخول عالم الإبداع الشعري. ورفض فرصة العمل في المدينة وانتقل إلى هضبة كانغبا وعمل أستاذًا في جامعة كانجينغ للمعلمين. ثم انتقل إلى عمق هضبة التبت وراح يصف حياة أهل التبت وعاداتهم وتقاليدهم ويصور المشاهد الرائعة لهضبة كانغبا ويوضح رؤيته الخاصة للقراء عن الهضبة. وفي قصائده لا يشعر القارئ بأدنى تنافر، بل يحس بإيقاع الهضبة
وعادة ما يدمج بين الواقعية وأساطير الهضبة الخرافية فينتج شعورًا بالحكمة والفكاهة ويدمج بين اللغة الأصلية واللغة التبتية وكشفت المترجمة والكاتبة ميرا أحمد في تقديمها للمجموعة الشعرية التي ترجمتها أخيرا وصدرت بالتعاون بين دار البوصلة للنشر وبيت الحكمة أن موضوعات ران تنقسم بين موضوعين تلك القصائد التي راح ينظمها طيلة عشر سنوات، وهو يعيش في هضبة التبت مثل “كانغبا”، و”حواء”، و”الأرض العشبية”، وتلك الأخرى التي نظمها في جبال وولينغ والتي تعبر عن حنينه واشتياقه إلى بلدته مثل “البوق” و”موسيقى الريف” و”إرادة البلدة” وغيرها من القصائد الأخرى.
وتكمل موضوعات النمط الأول والثاني بعضها البعض؛ فقد شكلت كل منهما العالم الشعري لران، حيث رسخت الأولى مكانته الشعرية والثانية قد وسعت آفاقه الشعرية ومداركه الفكرية وأثرت خياله. وإلى جانب موهبة الشعر يتمتع ران بموهبة كتابة الأغاني الشعبية، وقد أضافت كل منهما إلى الأخرى.شعر الأقليات دائمًا يعد جزءًا مهمًا من الشعر والأدب الصيني، وعلى الرغم من أنه ليس نمطًا سائدًا، إلا أن منظوره الخاص وثقافاته الوطنية المختلفة قد أثرت دلالة الشعر الصيني
وأكدت أن شعر الأقليات دائمًا يعد جزءًا مهمًا من الشعر والأدب الصيني، وعلى الرغم من أنه ليس نمطًا سائدًا، إلا أن منظوره الخاص وثقافاته الوطنية المختلفة قد أثرت دلالة الشعر الصيني. ويتسم شعر ران بخصائص فريدة باعتباره شاعرًا من أبناء توجيا كواحدة من قوميات الأقليات في الصين، فعادة ما يتغنون بسمات قوميتهم الخاصة، ودائمًا ما يتخذ من هويته وموطنه خلفية شعرية ليعكس سمات الأقليات، هذا بالإضافة إلى تأثر شعره بسمات قومية هان، فنجد شعره يجمع بين ثقافة توجيا وأهل التبت وقومية هان، ويجمع بين الواقعية والأساطير والحكايات الشعبية. ضخ شعر ران دماء جديدة إلى الشعر المهمش وألهمه وزاد من الثراء الأدبي في تشونغتشينغ.
وقالت ميرا أحمد إن تحمسها إلى ترجمة هذا العمل كون ران أهم شعراء الأقليات وأكثرهم تأثيرًا، وعالمه الشعري الثري الذي يمزج بين الواقع والأسطورة حتى يخال لك أنك تطالع أغنيات من حكايات شعبية. وهذه هي المرة الأولى التي أخوض تجربة ترجمة أعمال أدبية من قوميات الأقليات. بالإضافة إلى الديوان في حد ذاته وما يحمله من سمات شخصية أبناء الأقليات التقليدية الأصيلة، وسحر الطبيعة الخاص في هذه المناطق، وروائح الأرض الطيبة، ومواطن الجمال والإبداع في هذه الأرض، وكأنما الشاعر ظمأ إلى البحث عن مواطن الجمال وراح يرتوي منها ومن فيضها الثريّ. هذا الديوان يعد تجربة شعرية ثرية لواحد من أهم شعراء الأقليات، وهو ترجمة لتجربته الوجودية في الحياة والتي لا تنفصل عن كونه شاعر.
وأشارت إلى أن الشاعرة الصينية الشهيرة ماي شاو جينغ وصفت ران قائلة “حينما تقرأ شعر ران، تتساءل لماذا أنا لست واحدًا من أبناء الأقليات، خاصة أن الأقليات مكان يحتاج إلى أن تتبعه مثل الروح وتقتفي أثرها”. وترى أيضًا “أن الشعراء من أمثال ران ينبغي أن يكون جميعهم من أبناء الأقليات.” لأنه سيمنحك الفلسفة العميقة لأغاني التاريخ ونبض الوطن ويهديها لك كتذكار”. وهذا تقييم مهم جدًا من شاعرة كبيرة مثلها.
ورأت ميرا أحمد أن المجموعة الشعرية تهتم بالتعبير عن ثقافة أبناء توجيا والذاكرة الوطنية لقوميات الأقليات، وتظهر الثقافة التقليدية والحياة الحقيقية لشعب توجيا وتستكشف بعمق روح الشعب. وتنعكس القيمة الفنية للمجموعة الشعرية في ثلاثة جوانب: يعود الشاعر إلى ثقافة الأغاني ويستكشف أسرار الأقليات، ويدرك التواصل بين الروح والأرض، ويحفر المعاني العميقة للمشهد الريفي الأصيل، ويتناول صوة الأم الرئيسية وألم توجيا، ويعرض الصورة الوطنية لشعب توجيا في عملية البقاء على قيد الحياة وهذا بدوره يعزز القيمة الفنية والسحر الخاص لشعر ران تشونغ جينغ. وتتسم المجموعة بلغة تعبيرية قوية نقلت بوضوح الحياة الأصلية في المناطق الجبلية والهضبة، ولغة شعرية عذبة سائغة لا تكلف فيها ولا تصنع، تنساب إلى الناس رقيقة صافية.
ولفتت أن المجموعة تضم قصائد تحمل داخلها السمات الخاصة للأقليات وخاصة أبناء توجيا وتكشف بساطة الحياة والعادات والتقاليد لأبناء هذا الشعب.. والحياة في المناطق الجبلية ومشاهد الطبيعة الخلابة وصور من الحياة اليومية وحياة المزارعين البسطاء والخير الذي تراه في وجوه مختلفة؛ في وجوه البشر وفي حصاد الحقول. كانت عيون الشعر ثاقبة ومفتوحة على وسعها لكل شيء حوله، يراقب ويسجل ويختزن ولا يرى بعيون الأشخاص العاديين، بل بعيون مغايرة وقلب مختلف، فمشاعر الشاعر أصدق وأعمق من مشاعر الأشخاص العاديين، فيحاكي الطبيعة من منظوره الخاص ويصفها بنظرة عميقة وواسعة، وربما تكون نظرة فلسفية، فيرى في صور وحقيقة الأشياء ما لا يراه الآخر.. وهذه هي أسمى غايات الشاعر.
وقالت ميرا أحمد إن الشاعر ران يأخذنا في رحلة إلى البعيد البعيد، وكأننا على بساط سحري نرى أشياءً خاصة وصور طبيعية فريدة ليست موجودة في أية مكان.. نكهة شعرية خاصة يتفرد به وحده باعتباره واحدًا من شعراء الأقليات، ويبدو أن شعراء الأقليات يتمتعون بعاطفة جياشة وخيال خصب عن بقية الشعراء، وربما تعود الطبيعة الجبلية التي يعيشون بها قد تركت أثرها في نفسه، فجمع شعره بين الرصانة والرقة وبين القوة والعذوبة، فلا تشعر وأنت تتنقل عبر قصائده المنظومة بتكلف شعري أو رصانة مفتعلة، بل تشعر أنك جزء من هذه الطبيعة التي يوصفها، وأنك جزء من هذه اللوحة الشعرية التي تتطلع إليها أمامك أو لون من ألوانها.. ألوان متناسقة؛ فتجد الخافت وتجد الصارخ، وتجد ألوان الفرح والبهجة، وتجد ألوان الحزن والألم.. تسمع صرخاته وهو يرثي أمه وتسمع ضحكاته وهو يرسم صور الطبيعة وكأنه طير من الأطيار يصدح ويغرد فوق الغصون.
وفي بعض القصائد عبر عن حنينه واشتياقه إلى بلدته فتشعر أنه ابن مغترب يرغب في العودة إلى حضن وطنه، واستعادة ذكريات الطفولة البريئة. حملت القصائد طابع غرائبي وكأنها قصائد من أساطير الزمان، وغلبت عليها نكهة الأغاني الشعبية وهذه سمة تميز قوميات الأقليات. تغمر الشاعر روح جبلية أصيلة تكسبه صدقًا ورصانة وبعدًا عن التكلف وخلوًا من الصنعة ونسيجًا شعريًا ينم عن صدق العاطفة وروعة التصوير، فلا يملك القارئ إلا أن يتأثر بما يحمله من مشاعر.
وتابعت “نتأمل القصائد فيأسرنا هذا النفس الشعري النامي، والموسيقى المتلاحقة المنسابة وهذه الصور الشعرية الفاتنة. فنحن لسنا أمام قصائد مباشرة، بقدر ما هي لوحات فنية فاتنة وصور شعرية نادرة رسمها الشاعر وتفنن في إبداع إيقاعها والموسيقى الموائمة وجرسها المنشود.
ورغم الموسيقى والأغاني التي تسطع من القصائد إلا أن هناك مسحة من الأسى والحزن، ويمتاز الشاعر بخيال خصب يصل بالتجربة الشعرية إلى آفاق وتخوم لم تقتحم من قبل. وللشاعر تجربة شعرية مميزة متنامية مثقلة بهبات العطاء الشعري فعبر القصائد نستطيع سبر أغوار الشاعر الضاربة الأعماق في التاريخ والحياة فهو شاعر متعدد الروافد والدوائر، ويجمع شعره بين تناقضات عدة، فتجد روح الشاعر واهنة وضعيفة، وأحيان أخرى تجده يقطر عزة وكبرياء. واستلهمت قصائده حماسة غير معهودة وشجاعة أبية أتى بها من حياة الجبال ومن الطرق الجبلية الوعرة، فيمضي بك إلى الأمام في همة وعزيمة من جديد وتارة أخرى تجد اليأس ينخر روحه عميقًا، وكأنه يهوي في بئر سحيقة ويحاول الخلاص.
ميدل إيست أون لاين