تحليلات سياسيةسلايد

ردّ جبهة المقاومة حتمي: العدو يوسّع دائرة المواجهة

علي حيدر      

تتعدّد الأسئلة حول اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، في طهران، ومنها ما يتعلّق بكيفية الردّ على هذا العدوان وحجمه وأهدافه وأطرافه وآلياته وأدواته، سواء من قِبل الجمهورية الإسلامية، أو جبهة المقاومة ككلّ؛ ومنها ما يتّصل بالنتائج المترتّبة على ما تقدَّم، والسيناريوات المرجّحة والممكنة، وكيف سيؤثّر ذلك على المعركة الدائرة في فلسطين، وعلى مشاركة جبهات الإسناد فيها؟ لكن تلك الأسئلة تستوجب أولاً تناول رهانات العدو وأهدافه من الخيار العملياتي العدواني الذي أقدم عليه، والدور الأميركي قبله وخلاله وبعده؟

تشي الاعتداءات الإسرائيلية، من الحديدة في اليمن إلى الضاحية الجنوبية وصولاً إلى العاصمة الإيرانية طهران، بأن نقطة تحوّل في المعركة الدائرة تتشكّل. وبأن المنطقة باتت أمام مرحلة جديدة: لناحية سقوفها العالية ومخاطرها المحسوبة. على أن قراراً بهذا المستوى، لا يمكن أن يتبلور إلا نتيجة تقدير إستراتيجي يَحسب مخاطر الاتجاهات القائمة وتداعياتها على الأمن القومي الإسرائيلي. ويأخذ في الاعتبار الخيارات التي تهدف إلى حرفها نحو اتجاهات أخرى. وبالتأكيد، فقد تم التشاور والتنسيق حول ذلك مع واشنطن، كونه ينطوي على مخاطر أكبر من أن تتحمّلها تل أبيب منفردةً، إذا ما انزلقت الأمور نحو السيناريو الأشدّ خطورة.

السياقات

أدركت قيادة العدو. أنه لا أمل في فكّ جبهات الإسناد عن غزة. وأنه لا يمكن إسرائيل التكيّف مع هذا الواقع، في ظلّ صمود المقاومة في قطاع غزة. كذلك، فإن المسار التصاعدي لتلك الجبهات سيقوّض مرتكزات الكيان. وربما أيضاً يؤدي إلى تداعيات داخلية دراماتيكية فيه، ويعمِّق مأزقه. ويَظهر أن هذا المفهوم تبلور بعدما فشلت خيارات المرحلة السابقة – وانتهت إلى تصاعد الجبهات – في إخضاع حركة «حماس» في الميدان كما في المفاوضات. وبات على قيادة العدو. وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، أن تتّخذ خياراً حاسماً. يراوح بين التكيّف مع المجريات العملياتية والمعادلة الحاكمة لها – وهو أمر صعب جداً على إسرائيل -. أو الذهاب نحو اتفاق بما يتلاءم مع مواقف الأطراف ومعطيات الواقع الميداني – الأمر الذي يرفضه نتنياهو وحكومته -، أو رفع الضغوط إلى مستويات جديدة، وهو ما تمّت ترجمته في سلسلة الاعتداءات الأخيرة، ومن ضمنها اغتيال إسماعيل هنية في طهران.

نقل المعركة من الداخل الإسرائيلي إلى مختلف ساحات جبهة المقاومة،

يشكّل اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ»حماس»، ترجمةً لقرار إسرائيلي معلن بتصفية قادة الحركة، وتحديداً كل مَن له صلة بالتخطيط لـ»طوفان الأقصى» وتنفيذه. ولذلك، يتوقّع أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من مسار يستهدف قادة «حماس» في الخارج، فضلاً عن الداخل. لكن العملية تجاوزت هذا البعد المهمّ، إلى اختيار طهران ساحة لتنفيذ الاغتيال، في رسالة تحدٍّ للقيادة الإيرانية. لإفهامها بأن إسرائيل لن تبقى ملتزمة بالمعادلة التي حكمت الحرب حتى الآن. وإنّما قرّرت أن تردّ بنقل المعركة من الداخل الإسرائيلي إلى مختلف ساحات جبهة المقاومة، بما فيها طهران.

ويعني ما تقدّم. أن إسرائيل لم تعد تتعامل مع غزة كساحة مركزية، وإنما انتقلت إلى مرحلة قرّرت فيها نقل ساحة الجهد الرئيسي في القتال إلى ساحات أخرى أيضاً، بما فيها طهران. ويمكن الافتراض أن قيادة العدو استندت أيضاً إلى رهان مفاده بأن يساهم الوضع الداخلي الإيراني والأولويات التي تتّصل بمعالجة الملفّ الاقتصادي، في تقييد القيادة الإيرانية. كما تستند إسرائيل، ومعها الولايات المتحدة، إلى تقدير عنوانه أن جبهة المقاومة وإيران لا يريدان حرباً كبرى في هذه المرحلة. وبذلك، تكون قيادة العدو قد أظهرت تصميماً جدّياً على أنها، وإنْ كانت لا تريد حرباً شاملة هي الأخرى. إلا أنها ستخوضها إذا ما أصرّت جبهة المقاومة على مواصلة عملياتها الإسنادية لقطاع غزة.

احتمالات التدحرج إلى حرب شاملة

بتعبير آخر. قفزت إسرائيل نحو خطوة عملياتية خطيرة (طهران والضاحية تحديداً). رفعت معها احتمالات التدحرج إلى حرب شاملة، من دون أن يكون ذلك حتمياً إلى الآن. ويراهن الثنائي، واشنطن – تل أبيب، بهذا. على وضع إيران وجبهة المقاومة أمام محطّة اختبار حول ما إن كانتا مستعدتَين للمخاطرة أيضاً بردّ مضادّ يدفع المسارات العملياتية نحو الصدام الكبير. إلا أن التقدير المتقدم قد يكون خاطئاً. إذ يمكن جبهة المقاومة الردّ بشكل مدروس وقاس في الوقت نفسه، ونقل كرة النار إلى الحضن الأميركي – الإسرائيلي. وفي كل الأحوال، فإن ما سيُحدِّد مآل التطورات، هو طبيعة الردّ وحجمه، كما الردّ الإسرائيلي – الأميركي المضادّ.

في الخلاصة. فإن الرهان الإسرائيلي يبقى على قرار الولايات المتحدة في المرحلة التي تلي. وما إن كانت ستكتفي بدور عملاني في مواجهة الردود التي قد تتعرّض لها إسرائيل أم لا. وعلى هذه الخلفية. ذكرت الإذاعة الاسرائيلية. أن «وزير الأمن، يوآف غالانت، أكّد لنظيره الأميركي، لويد أوستن، أن العلاقات الأمنية بين تل أبيب و واشنطن هي أساس ردع إيران وأذرعها». في إشارة إلى ضرورة أن يدرك قادة محور المقاومة. أن ثمّة تصميماً أميركياً على دعم إسرائيل مباشرةً في مواجهة أيّ ردود أو حرب قد تنشب، على أمل أن يثنيهم هذا عن خيار الرد.

لكن النتيجة المؤكدة أنه أيّاً كانت السيناريوات التي ستسلكها الحرب في غزة والمنطقة. فإنها دخلت مرحلة جديدة تدفع في نهاية المطاف إمّا نحو انفجار إقليمي كبير. أو بلورة بديل واقعي يؤدي إلى وقف الحرب ويتواصل في ظلّه الصراع. ولكن ما قبل ذلك، فإن الميدان سيشهد مرحلة من التصعيد والمواجهة المضبوطة.

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى