
أصداء واسعة حققتها النجمة رشا بلال في مسلسل “خطيئة أخيرة”، من خلال شخصية “روبي” التي قدمتها بصدق وإحساس عالٍ، مما ساهم في تعلق جمهور المسلسل بهذه الشخصية التي لمست وجدانهم، فهي المرأة التي تخلط بين العفوية والجرأة، بين الضعف والمكابرة، وبين الرغبة في الحب وواقع يعاكس كل الأحلام.
وفي حوارها ” تتحدث رشا بلال بصراحة عن التحديات النفسية وراء الشخصية. وتفكك التناقضات التي حملتها “روبي”، وتفتح قلبها للحديث عن الفن، والمرأة، والتمثيل، وحتى عن حياتها بعيداً عن الكاميرا.
رشا بلال تتحدث عن شخصية روبي
“روبي” بين العفوية والجدل.. قراءة في الشخصية
“روبي” شخصية جريئة وصادقة رغم أخطائها، كيف تعاملتي مع هذا التناقض الداخلي بين عفويتها وسلوكها المثير للجدل؟ وهل شعرتي بتعاطف شخصي معها أثناء التصوير؟
في رأيي الشخصي،”روبي” شخصية تتسم بالعفوية، وهذا أمر ملموس وواضح للجميع. فهي لا تستطيع اصطناع العفوية أو التظاهر بها أيضا. وهذه السمة لا تتعارض من وجهة نظري مع سلوكها الذي قد يبدو مثيراً للجدل، لأن هذا السلوك مرتبط بهدف محدد. سواء ذلك المرتبط بماضيها الذي تعرفت عليه من خلال قراءة الشخصية. أو الهدف الذي كان واضحاً للمشاهدين منذ بداية المسلسل.
قبل عرض المسلسل. كان من الواضح أن “روبي” تسعى إلى إقامة علاقات متعددة مع رجال ذوي نفوذ أو مكانة اجتماعية. بهدف الاستفادة منهم مادياً أو بشكل غير مباشر. هذه الاستفادة قد تكون مالاً، هدايا ثمينة مثل السيارات أو المجوهرات، أو حتى تأمين سكن أيضا. وربما دعماً معنوياً أو وساطة لتحقيق مصالح شخصية كانت تلك العلاقات وسيلة لتحقيق نمط حياة معين تطمح إليه. وكل ما كانت تفعله في هذا السياق كانت تقوم به بعفوية وبدافع صادق، قد تبدو الأفعال جريئة أو يحيط بها الغموض أحياناً. لكن الهدف كان واضحاً، والتنفيذ يتم بعفوية نابعة من صدق داخلي أيضا. وهنا، أرى أن العفوية والصدق في حالتها ليسا متناقضين بل مترابطين ويكمل أحدهما الآخر.
مضيفة: “مش معنى أنها عفوية يكون سلوكها مقبولاً، مش كل العفوية في الحياة مقبولة، في ناس بِضحّك وفي ناس مؤذية في عفويتها”.
رشا بلال الهدف الأسمى لروبي
أما بعد عرض العمل، فقد أصبح الهدف الأسمى لـ “روبي” أكثر وضوحاً للمشاهدين، إذ تطمح إلى تكوين أسرة، والحصول على شريك حقيقي، وإنجاب أطفال أيضا. وأن تكون أماً محبة وحبيبة مخلصة.
هذا التحول في الهدف ينعكس بشكل مباشر على سلوكها، ويجعلها تمر بتقلبات نفسية وتغيرات ملحوظة في تصرفاتها. ومع ذلك، تظل العفوية جزءاً أصيلاً من شخصيتها، صحيح أنها أحياناً تحاول ارتداء “قناع” لتبدو بصورة مختلفة عن حقيقتها، وقد ظهر ذلك في عدد من المشاهد، لكنها في اللحظات الفاصلة، عندما توضع تحت الضغط أو تواجه مواقف حاسمة، تظهر حقيقتها بوضوح: طيبتها، عفويتها، وصدقها.
قلت إن “روبي”تمتلك وجهاً واحداً مهما حاولت أن تتقمص شخصيات مختلفة، هل كان من الصعب عليكِ الحفاظ على هذه الشفافية في الأداء رغم صراعات الشخصية العاطفية والنفسية؟
لم أشعر أن الأمر كان صعباً بالمعنى الحقيقي للصعوبة، لأنني بصراحة كنت مستعدة جيداً، ودرست الشخصية بعمق، وأفهمها تماماً. أعرف ما يسعد “روبي” وما يحزنها، ما يخيفها وما يقلقها. لقد وصلت إلى درجة من الفهم جعلتني، خلال معظم أوقات التصوير، أشعر بأنني أعيش بداخلها؛ كأن “روبي” هي الحاضرة. بينما “رشا” غائبة تماماً. في أغلب المشاهد التي قمت بتصويرها، كان الإحساس يأتيني بهذه الطريقة.
ولا شك أن طريقة كتابة الشخصية لعبت دوراً كبيراً في ذلك، كما ذكرت سابقاً،. فهي شخصية ثرية ومكتوبة بعناية، وتمتلك الكثير من التفاصيل والحكايات التي تغري أي ممثل بالدخول إلى أعماقها.
العامل الآخر المهم كان المخرج طارق رزق، الذي أعتبره مخرجاً متميزاً. وقد ساعدني كثيراً في الوصول إلى درجة أعمق من التواصل مع الشخصية. كان دقيقاً في ملاحظاته، ومهتماً بأدق التفاصيل أيضا. وهو ما ساعدني على الحفاظ على درجة عالية من الشفافية في الأداء، من دون أن أشعر بأن الأمر عبء أو تحدٍّ ثقيل.
رشا بلال ما سبب ارتباط الجمهور بروبي
الجمهور أحب “روبي” رغم أخطائها، وربما بسبب صدقها، برأيك، لماذا ارتبط الجمهور بها بهذه القوة؟ وهل ترينها ضحية لمجتمع أو ضحية لنفسها؟
روبي” في الحقيقة ضحية لجهتين، ضحية للمجتمع، وضحية لنفسها. أما كونها ضحية للمجتمع، فذلك لأسباب واضحة. أولها أنها نشأت في ظروف عائلية صعبة، كما عانت من أوضاع مادية قاسية. حيث اضطرت منذ صغرها إلى العمل لدعم أسرتها، لتحمل مسؤولية والدتها وشقيقتها وتوفير حياة كريمة لهما. كما وجدت نفسها مضطرة لمغادرة وطنها بسبب الحرب، وأصبحت في مواجهة ظروف قاسية لم تخترها. إلى جانب أنها لم تحظ بفرص التعليم. ولم تكن الحياة منصفة معها أيضا. ومع أنها فتاة جميلة، فقد قررت في لحظة ما أن تستثمر هذا الجانب من شخصيتها، لأنها قريبة من الناس، محبوبة وعفوية بطبعها. ربما بدا لها هذا الطريق أسهل، فاختارته وسارت فيه.
أما كونها ضحية لنفسها، فذلك لأنها وصلت إلى مرحلة لم تعد قادرة فيها على مواساة ذاتها، ولا حتى على مسامحتها. تحمّل نفسها فوق طاقتها، وتجلد ذاتها باستمرار. تدرك تماماً من تكون، وتعي مواطن الجمال في داخلها، لكنها عاجزة عن الاقتراب منها. كلما حاولت التغيير، شعرت وكأنها تبتعد أكثر عن الجانب النقي الذي تراه في نفسها. إنها ضعيفة، وهذا الضعف بحدّ ذاته جعلها ضحية جديدة لنفسها.
“روبي” تبحث عن حب حقيقي وزواج يؤمن لها عائلة. هل ترين هذا الحلم بريئاً في هذا الزمن الذي نعيشه، أم هو أيضًا جزء من خطيئتها الأخيرة؟
حلم روبي
برأيي أن هذا الحلم بريء، في هذا الزمن كما في كل الأزمنة أيضاً، في النهاية هي امرأة ترغب في أن تعيش طبيعتها الإنسانية، أن تكون أماً، وزوجة، وحبيبة، وأختاً، تريد أن تشعر بذاتها، أن ترى نفسها في أدوار تعبر عن فطرتها، هذا الحلم بريء بطبيعته، حتى وإن كان تحقيقه صعباً في زمنٍ أصبحت فيه المشاعر الحقيقية نادرة.
حتى وإن لم يكن من حولها صادقين أو حقيقيين، فلا أحد يستطيع أن ينكر طبيعته أو يحاربها، نحن بشر، وفطرة المرأة في أغلب الأحيان تميل إلى هذا الحلم، وأكاد أجزم أنه لا توجد امرأة، إلا فيما ندر، لا تتمنى أو تحلم بأن تصل إليه.
ولهذا، لا أراه جزءاً من خطيئتها الأخيرة، لكنه من زاوية أخرى، قد يكون أحد الأسباب التي دفعتها نحو تلك الخطيئة، فحتى الأحلام البريئة قد تتحول أحياناً، من دون قصد إلى مبررات لسلوكيات خاطئة، ولهذا أقول” ليست هناك خطيئة واحدة نهائية، فمن الممكن الحلم البريء يتسبب في خطيئة أو جزء منها”.
مشهد وفاة “حياة” كان من أكثر اللحظات وجعاً في المسلسل، وظهرتي فيه بتأثر عميق وصدق لافت، كيف حضّرتي نفسك لهذا المشهد؟ وهل ترك فيكي أثراً نفسياً حتى بعد انتهاء التصوير؟
المشاهد الفنية التي تركت أثراً نفسيا
بلا شك، لقد ترك فينا أثراً نفسياً كبيراً، لكنه ليس المشهد الوحيد الذي أثر بي، فهناك مشاهد عديدة حملت ثقلاً عاطفياً بالغاً، هذا السؤال طرح قبل عرض تلك الحلقة التي أذهب فيها إلى “عمر” لأتحدث معه بشأن ابنته، وأرجوه ألا يتركها، هذا المشهد كان بالنسبة لي أكثر تأثيراً بكثير، لأنه أتى بعد لحظة وعي وإدراك حقيقي لما تسببت فيه شخصيتي.
أما مشهد تلقي خبر وفاة “حياة”، فقد جاء في لحظة كانت فيها الشخصية لا تزال تحت وقع الصدمة، لم تستوعب الأمر بعد، لذا كانت رد فعلها فطرياً وأولياً، بينما مشهد المواجهة مع عمر، حيث تقول له “لا تتركها ستصبح مثلي، أنا حرمت من والدي”، حمل مكاشفة صادقة ومؤثرة للغاية، ولمسني من أعماقي.
هناك بالفعل مشاهد كثيرة قدمتها “روبي” أثرت في بصدق. لكن هذان المشهدان تحديداً مشهد الوفاة، ومشهد المواجهة كان لهما وقع خاص. وأعتقد أن الجمهور سيتأثر بهما أيضاً، لأن كل المشاهد التي قدمتها كانت نابعة من صدق داخلي، من دون أي تصنع وأقولها بصدق، ذلك المشهد الأخير مشهد المكاشفة آلمني كثيراً، وبكيت طويلاً بعد انتهاء التصوير، لأنه لامس شيئاً عميقاً في داخلي.
البساطة وأشياء أخرى..جانب آخر في حياة رشا بلال
ظهورك دائماً يحمل لمسة خاصة بين البساطة والأناقة، ما الفلسفة التي تعتمدينها في اختياراتك للأزياء؟ وهل تهتمين بالموضة كأداة تعبير عن ذاتك؟
في الواقع، يمكن تلخيص الأمر بأنني أتبنى فلسفة “الصورة الكبرى” التي ترتبط بطبيعة العمل والهدف من الظهور. لكن إن أردت اختصار الأمر أنا أرتدي ما يجعلني أشعر بالراحة.
أفضل الأقمشة القطنية، وأميل إلى البساطة والعملية في حياتي اليومية، بعيداً عن التكلف أو التعقيد. نمط حياتي يحتاج إلى ملابس مريحة، عملية، وكاجوال، تساعدني على الحركة بسهولة وتسهل عليّ تفاصيل يومي، من دون أن أشعر بأنني مقيدة أو متكلفة في إطلالتي.
أما في المناسبات الخاصة أو الأحداث الكبيرة فالأمر يختلف هناك، أسعى للظهور بصورة معينة، أختارها بناءً على الانطباع الذي أرغب في تركه، أحياناً أود أن أبدو جدية ورزينة، فأرتدي بدلة ذات طابع قوي ومتماسك، وأحياناً أخرى أود أن أظهر بصورة ناعمة ومرحة، فأختار فستاناً بألوان فاتحة وفي بعض الأحيان، أحب أن أعكس جانباً أكثر جرأة أو استقلالاً، فألجأ إلى ملابس “أوفر سايز” مع أحذية مميزة.
الأزياء هي وسيلة للتعبير عن الذات.
بصراحة، لا ألتزم بأسلوب واحد أو نمط محدد، في داخلي شخصيات متعددة وأحب التعبير عنها جميعاً من خلال ملابسي، بشرط أن تكون الإطلالة صادقة وتعكس ما أشعر به فعلاً، وأن تناسب المناسبة التي أطل بها من خلالها، وفي النهاية، الأزياء بالنسبة لي هي وسيلة للتعبير عن الذات.
كثير من الفنانين يحاولون رسم هوية بصرية خاصة بهم، كيف ترين هويتك الفنية؟ وهل تعتبرين أن الشكل الخارجي جزء أساسي من بناء هذه الهوية؟
بالتأكيد، المظهر الخارجي عنصر مهم للغاية بالنسبة للفنان عموماً، وللممثل بشكل خاص، لأنه يترك الانطباع الأول لدى الجمهور، ولذلك فهو يشكل جزءاً أساسياً من هوية الفنان البصرية، ربما لم أفكر في هذا الأمر بشكلٍ عميق سابقاً، لكني أؤمن بأن الشكل الخارجي يمكن أن يكون انعكاساً حقيقياً لما في الداخل وبالنسبة لي، لم يحدث يوماً أن ارتديت شيئاً يتعارض مع شخصيتي أو أحاسيسي الداخلية، دائماً ما كان هناك انسجام طبيعي بين ما أبدو عليه خارجياً، وبين ما أشعر به داخلياً.
في الحقيقة، لم أكن أعطي هذا التوازن أهمية كبيرة في الماضي، لكنني بدأت مؤخراً خلال السنة الأخيرة تحديداً أهتم أكثر بمسألة رسم “هوية بصرية” تعبر عني بشكل أوضح، أصبحت أسعى بوعي لأن يعكس مظهري الخارجي ما بداخلي، وأن يكون هناك تناغم أكبر بين الشكل والمضمون.
ولعل هذا الاهتمام الجديد ينبع من حبي للفن والجمال “بحب أرسم”، فأنا درست بكلية الفنون الجميلة، وأهوى الألوان والموضة وكل ما له علاقة بالجمال، لذلك لديّ نظرة فنية وذوق خاص أحرص على أن يظهر في أسلوبي، بطريقة تتسم بالعفوية والصدق. ربما لم أكن أخطط لذلك من قبل، لكن لحسن الحظ، كانت النوايا صادقة، ولهذا سارت الأمور بشكل جيد وطبيعي، مكملة “بحب الفاشون والألوان، بحب كل شي يخص الجمال، فأكيد عندي نظرة وعندي زوق معين بحاول أنه يبان للناس”.
مجلة سيدتي.