رفضٌ روسي لتحذير ترامب: الجيش يدخل حدود محافظة إدلب الجنوبية
لم تغيّر تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي طالبت بوقف التصعيد العسكري في إدلب من توازنات الميدان، بل شهد الأخير بعدها دخول الجيش السوري إلى أول بلدة في ريف إدلب الجنوبي، انطلاقاً من محيط كفرنبودة
تزامنت العودة الجزئية للمعارك إلى بعض خطوط التماس في محيط «جيب إدلب» مع جولة جديدة من التجاذب الأميركي ــ الروسي العلني حول مجريات الميدان هناك، وسط غياب لافت لحصيلة المشاورات الروسية ــ التركية المستمرة بشأن «التهدئة» المفترضة. الأيام التي سبقت ، لم تحمل تغييرات لافتة على الأرض، ولكنها شهدت استمرار القصف الجوي، والصاروخي المتبادل، على طرفي حدود منطقة «خفض التصعيد». غير أن محيط بلدة كفرنبودة عاد إلى الواجهة، إثر تحرّك الجيش السوري شمالاً نحو بلدة القصابية والتلال المحيطة بها.
دخول البلدة، خلال وقت قصير جداً من الاشتباكات، مكّن الجيش من إحكام السيطرة على الطريق الممتد منها نحو الهبيط وصولاً إلى خان شيخون شرقاً، وعلى أطراف جبل شحشبو غرباً. اللافت في تحرير تلك البلدة هو أنها أول بلدة يدخلها الجيش على هذا المحور ضمن حدود محافظة إدلب الإدارية، إلى جانب كونها المنطلق الرئيس للهجمات المضادة التي استهدفت بلدة كفرنبودة، منذ بداية جولة المعارك الأخيرة.
ورغم أن دخول البلدة ومحيطها يأتي ضمن مسار استكمال العمليات العسكرية التي افتُتحت بتحرير كفرنبودة قبل أسابيع، إلا أن دوافعه كانت تكتيكية في جانب منها، ولا سيما أن البلدة وفّرت موقعاً متقدماً لائتلاف الفصائل المسلحة، استخدمته في إطلاق القذائف الصاروخية نحو بلدات ريف حماة الشمالي، وهو ما استمر أمس بوتيرة أقل، عبر استهداف عدة بلدات حموية، أبرزها قمحانة.
وإلى جانب المكسب المباشر للجيش، جاء التحرك أمس ليؤكد أن مسار العمل العسكري مرتبط بما تمليه الضرورة الميدانية، لا بالأجواء الدولية المندّدة به والساعية إلى تحجيمه. فهو انطلق، بعد ساعات فقط على تغريدة جديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، يستهجن فيها «القصف الجهنمي» من «روسيا وسوريا، وبدرجة أقلّ إيران» على إدلب، مضيفاً القول: «العالم يراقب هذه المذبحة. ما هو الهدف منها؟ ما الذي ستحصلون عليه منها؟ توقفوا!». وأتت تغريدة ترامب بعد تنديد جملة من المنظّمات غير الحكومية، نهاية الأسبوع الماضي، بما قالت إنه صمت دولي إزاء التصعيد العسكري الحاصل في محافظة إدلب.
ولم يغب الرد الروسي طويلاً على «طلب» ترامب المقتضب، إذ خرج المتحدث باسم «الكرملين»، ديميتري بيسكوف، ليؤكد أن الغارات الجوية «تستهدف الإرهابيين»، وأن «القصف الذي يقوم به هؤلاء من إدلب غير مقبول، ويجري اتخاذ إجراءات لتحييد مواقع إطلاق الصواريخ الخاصة بهم». وأضاف بيسكوف أنه «في إدلب، لا يزال هناك حشد كبير لإرهابيين ومقاتلين يستخدمون هذا الوجود لاستهداف مدنيين أو القيام بأعمال عدائية ضد منشآت عسكرية روسية». كذلك، شدّد على أن «روسيا مستمرة في التعاون والتنسيق مع تركيا، المسؤولة عن منع هذه الهجمات انطلاقاً من إدلب»، وملتزمة تنفيذ «اتفاق سوتشي» في هذا الشأن.
وفي موازاة تطورات إدلب، بدا لافتاً تعليق «الكرملين» على ما تم تناقله عن احتمال بحث «مقترح» يتضمّن «رفع العقوبات» عن دمشق مقابل «احتواء النفوذ الإيراني»، في الاجتماع الأمني الروسي ــ الأميركي ــ الإسرائيلي المرتقب في حزيران / يونيو الحالي، إذ دعا بيسكوف إلى «توخي الحذر الشديد في عملية التدقيق بالأخبار المزيفة، والتي ستكون كثيرة في هذا الشأن»، رافضاً الدخول في تفاصيل الاجتماع المرتقب بالقول: «لن أضع العربة أمام الحصان».
وبالتوازي، لم يستبعد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي، قسطنطين كوساتشوف، احتمال طرح الجانب الأميركي مثل هذه «الصفقة»، غير أنه شكّك في أن يدخل ملف «النفوذ الإيراني» ضمن أي اتفاقات محتملة بين الجانبين الروسي والأميركي، على حد ما نقلت عنه وكالة «تاس» الروسية. وقال كوساتشوف إنه «لا تأكيد رسمياً لهذه الفكرة. لكن من الممكن أن يتم طرح مثل هذا السيناريو من قبل واشنطن، والغرض الحالي من الحديث عنه في الإعلام هو محاولة استقراء رد الفعل الممكن من روسيا لتحليله».
أكد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، أن بلاده لا تعترض على «تضافر جهود» منصتي «أستانا» و«المجموعة المصغّرة» في الشأن السوري، مضيفاً أن «الأمر الوحيد الواجب مراعاته من خلال التصرفات والتصريحات، هو التأكيد على التمسك بسيادة سوريا واستقلالها وسلامتها». ولفت فيرشينين إلى ضرورة تعزيز جهود إعادة الإعمار بعد الحرب في سوريا، مضيفاً أنه «قبل كل شيء، يتعلق الأمر بالجوانب الإنسانية، إذ يحتاج الأشخاص الذين عانوا خلال السنوات الأخيرة إلى توفير ظروف أولية للمعيشة». وأضاف أنه «لا شكّ في أن السوريين لديهم القدرة على القيام بذلك (إعادة الإعمار)، لكنهم يحتاجون أيضاً إلى المساعدة… التي يجب أن تكون من دون تسييس ومن دون وضع شروط من جانب أوروبا والولايات المتحدة الأميركية».
صحيفة الاخبار اللبنانية