رقصة الظل الأخيرة».. شعر النثر وحلم الواقع (نديم جرجورة)

 

نديم جرجورة

في «رقصة الظل الأخيرة» لرامي طويل (قاص وسيناريست سوري) صادرة عن «دار الساقي» أحببت أكثر التداعي العفوي الذي لم يحل بسلاسة السرد، بل في تشظيه على الشاكلة التي جاء فيها، نرى إلى المساحة الأوسع للرواية، وإلى القبض على كافة عناصرها، مسنودة من ملاحظات هنا وهناك، وأحداث بدت في النهاية، لازمة ضرورية لاكتمال المشهد العام.
رواية غريبة يبدأها طويل إثر انتهاء علاقة ماريا بحبيبها الشاعر الشاب، بعد أن تقع في غواية الشعر لدى خليل، الشاعر المعروف والمكرّس كرمز ثقافي. ماريا، في محاولة البحث عن ذاتها، تمتهن التصوير الضوئي قبل أن ترتبط بجراح التجميل سليم عواد، فتكتشف في ما بعد مثليته الجنسية، تهجره وتعود إلى المدينة البحرية الصغيرة باحثة فيها عن ذاكرة ماضية. تلتقي خليل وقد ماتت زوجته وتفرغ مع مجموعة من أصدقائه لتأسيس متحف يروي تاريخ المدينة المغيب من قبل السلطة. رواية تغوص في تشوهات بشر يعيشون في بلد يمعن في اضطهاد أبنائه، فلا نعثر في الحقيقة كقراء، على شخصية سلمت من تلك التشوهات، وهي وجهة نظر الراوي في مقاربة خلفية نقدية، لحال سياسية واجتماعية في بلده خبرها عن قرب، وسجلها في محاولة إشهارها، والإشارة إليها اجتماعياً وفنياً وسياسياً. لرامي الطويل في القصة مجموعة بعنوان: «الخاتم» وعرض له مسلسلان: «صراع المال» و«الهروب».
يبدأ طويل بوصف الخطوة التي اتخذتها ماريا في الهرب من زوجها، وبالكاد هذه الملامسات التي تطال أكثر من مشهد، متنقلاً من فكرة إلى أخرى، وبالتداعي الحر، تجره تلك الفكرة إلى فكرة أخرى، وحكاية أخرى، واستطراد يقود إلى آخر. ثمة هذه الطريقة المسرفة في التأليف الروائي، التي لا تبدو أكثر من لعبة منهجية، ولكن في الفن الشكل دائماً هو أكثر من شكل، ولعل الإجابة عن السؤال المطروح بشكل ملح في ثنايا السرد: ما هي الحياة الإنسانية وأين تقع شاعريتها. عند رامي الطويل الشعر يقع في مقاطعة الحدث والمصائر التي يؤول إليها أبطاله، وليس في الحدث وفي حتمية المصائر نفسها. يكتب رامي الطويل سيناريوهات منفصلة، لكنها تودي إلى احتواء تعقد الحياة في العالم الحديث في رواية واحدة، وعنده تلك الميزة في فن الحذف، الذي بدا ضرورة حاسمة، ووجهنا كقراء إلى جوهر الأشياء. أيضاً عند طويل، ذلك التأليف باتباع خط منفرد. منذ بداية البداية في الرواية ـ أي منذ هروب ماريا ـ نرى الراوي يهرب من مجال الخط الواحد، وذلك بعمل شق في السرد المتواصل لقصة ما. فحين يسرد خط هروبها، يدعها تقابل شخصيات أخرى تحكي قصصها الخاصة، وهناك في الجزء الأول أربع من هذه الشخصيات، أي أربع تفريعات تسمح لنا بأن نخطو خارج الخط المتواصل لإطار العمل، ما يسمح بالتنفس إذا صح التعبير، وبالمدى، وبالإطلالة الصبورة على صيرورات الأحداث.
«رقصة الظل الأخيرة» تتضمن في العمق تلك النبرة الساخرة من الحب، والقصة الرومانسية، وكذلك الرواية السياسية حول مجموعة من الشخصيات تظهر تشوهاتها في متن النص.
في مواضع من الرواية مقاطع رائعة من الشعر مستوحاة من «التكنيك الخيالي» الخاص بالحلم. هذه المواضع مثل جزر داخل الرواية، ولقد أراد من خلالها الراوي أن يأتي الحلم والواقع مترابطين ومختلطين تماماً بحيث لا يستطيع المرء أن يميّز أحدهما عن الآخر. خط الرواية الرئيسي مرتبط بتكنيك السرد الروائي، لكن يرتبط بأكثر من ذلك بموضوعها العام: الشياطين التي تستحوذ على الإنسان حين يفقد إيمانه بوطنه وبمسؤوليه وبما يترتب على هذه العلاقة من تشوهات ترخي بثقلها على الأشخاص.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى