«سر الأسرار» هدية أرسطو العامرة بشموس المعرفة إلى الإسكندر
يرى الباحث سامي سلمان الأعور، في تقديمه لكتاب «السياسة والفراسة في تدبير الرئاسة» المعروف بـ«سر الأسرار» لمؤلفه أرسطاطاليس، أنه أعظم كتاب كتبه أشهر فيلسوف لأشهر ملك وقائد عرفته العصور طراً. فهذا الكتاب خزانة علم ثمينة، بقيت مدخرة في هيكل الشمس، منذ عهد الإسكندر حتى عهد الخليفة العباسي جعفر المتوكّل، وهي مدة تناهز الاثني عشر قرناً.
«سر الأسرار» كتاب نفيس، وكنز ثمين، لم تتداوله الناس بعد، ولم يأخذ حقه في التصدر لمكتبات أهل الخاصة والعامة، في أرجاء المعمورة شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، وهذا أمر طبيعي (بحسب الباحث الأعور) لأنه كان ولا يزال، من عادة الملوك والدول والفلاسفة والعلماء، إخفاء الأسفار القيّمة، ذات الأسرار العلميّة الدقيقة، أو المعارف الروحانيّة، أو الحكميّة، وذلك لأسباب منها: تأكيد تفوقها على غيرها، والضن عليها بالوصول إلى الدهماء، إذ ربما تُستخدم علماً يُقصد به كبح الشر، وبعث الخير. والتكتم على الأسرار العلميّة، سواء كانت اقتصاديّة أو عسكريّة، ومحاولة هتك أسرارها، للحصول على ألغازها، التي ما زالت قائمة إلى اليوم، ولكن بجهد أنشط، ودأب أقوى.
يعود الفضل في الحصول على كتاب «سر الأسرار» إلى الخليفة العباسي جعفر «المتوكل» بن محمد «المعتصم» بن هارون الرشيد المكنى بأبي الفضل، وقد عثر عليه الفيلسوف والطبيب والمترجم الشهير «يوحنا ابن البطريق» في هيكل الشمس الذي كان قد بناه إسقلابيس لنفسه، وقد نقله وترجمه ابن البطريق إلى اليونانيّة والروميّة والعربيّة (كان يُتقن هذه اللغات إلى جانب السريانيّة) كما نقل العديد من الكتب الأخرى، بكثير من الدقة في الترجمة وصياغتها بلغة عربيّة سليمة ومعبّرة.
مؤلف كتاب «سر الأسرار» هو أرسطو طاليس: أرسطاطاليس بن نيقومافس، حكيم الزمان، وأفضل حكماء أقاليم الهند والفرس والروم واليونان. وقد نهج كتّاب الفلسفة القدامى والمحدثون من العرب باختصار اسم (أرسطاطاليس) إلى (أرسطو) وكلمة أرسطاطاليس تعني: الفاضل الكامل، أو كامل الخلق.
أهدى أرسطو كتابه «سر الأسرار» المعروف بعنوان «السياسة والفراسة في تدبير الرئاسة» إلى تلميذه قائد اليونان الأكبر الإسكندر الذي تعلّم على يديه أنواع المعارف الإنسانيّة الأساسيّة كالشعر، والسياسة، والأخلاق، والطب، والفصاحة، والطبيعة، والسلوك، والغذاء، والقيادة، وكان مجتهداً في دروسه، ملماً بعلوم أستاذه، يكاد يحتكره، حتى إنه كان يمتعض ويتأثر لنشر أستاذه كتبَه ومعارفه بين العامة، وعدم حجبها ومنعها عنهم. وقد توفي أرسطو بعد تلميذه الإسكندر بسنة واحدة.
لاقت مخطوطة «سر الأسرار» من الاهتمام والعناية، ما لم تنله مخطوطة قبلها أو بعدها، مع أن العصر الذي ظهرت فيه كان من أزهى وأزهر العصور التي عرفها العرب والإسلام، في شؤون الحضارة والعمران وتشجيع اللغويّين والعلماء والفلاسفة والمترجمين وكافة أصحاب الفنون والصنائع وأهل الموسيقى والفنون الجميلة، على العمل والإنتاج، وقد تُرجمت خلال هذه الفترة أكثر الكتب قيمةً من لغاتها الأصليّة إلى اللغة العربيّة، وكان يُدفع لقاء ترجمة كل كتاب وزنه ذهباً.
تضمن مخطوط «سر الأسرار» حيثيات علاقة أرسطو بتلميذه الإسكندر، والرسائل المتبادلة بينهما، والأحداث التي رافقت فتوحات الإسكندر في العديد من الدول، بدءاً من الدول المجاورة لبلاده وانتهاءً بالهند والسند والصين، وبالتالي الأصداء التي ترددت في ما بعد، في عقول وقلوب الفاتحين أمثاله، ومنهم نابليون الأول أحد أعظم الأدمغة العسكريّة التي أنجبها التاريخ، الذي قال إن الإسكندر قد فتح بشرذمة قليلة من الرجال قارة من الكرة الأرضيّة، لأنه كان سائراً بحساب دقيق، فنفذ مشروعاته بجسارة، وقادها بعقل ورزانة. فالإسكندر قد جمع في نفسه بين الجندي الكبير، والسياسي الخطير، والمشروع العظيم.
ورد في فهرس المخطوطات العربيّة المحفوظة في الخزانة العامة بالرباط اسم كتاب «السياسة والفراسة في تدبير الرئاسة» المعروف بـ«سر الأسرار»، تصنيف الفيلسوف الجليل الفاضل أرسطاطاليس بن نيقوماخس الفيثاغوري، ألّفه لتلميذه الملك الأعظم الإسكندر بن فيليبس ملك مقدونية، تعريب يوحنا ابن البطريق.
كما ذُكر اسم الكتاب في عدد من المراجع العربيّة المهمة منها: كتاب «عمدة العارفين» للأشرفاني. وفي متن كتاب «المنافع في الطب» من تأليف الشيخ الإمام العالم العلامة إبراهيم بن عبدالرحمن بن أبي بكر الأزرق.
كما ذكره المستشرق (بروكلين) في الملحق الذي أضافه إلى كتابه الشهير «تاريخ الأدب العربي»، وقد طلبت جامعة الدول العربيّة من المستشرق إدخال ملحقه في صميم الكتاب، ففعل ذلك في طبعاته اللاحقة.
بعد حياة صاخبة، عاشها الإسكندر؛ هذا البطل العظيم، والفاتح الجبار الذي قضى وفي نفسه شيء من قرطاجة الفينيقيّة، التي لو فاتها لساد البحر كما ساد البر، سحب الدهر من تحته بساط المجد، وقلب القدر به كرسي العز، فتوفي في بابل سنة 323 ق. م. عن ثلاث وثلاثين سنة من العمر، بعد حمى لازمته أكثر من عشرة أيام، من دون أن يُسمي وريثاً للعرش، فوُضع في نعش من الذهب، وبقي جنوده ثلاثة أيام يتقاطرون لتوديعه الوداع الأخير، ثم وضع بعدها في نعش من الزجاج مُلئ بالعسل لحفظ جثته من التلف، وأرسل جثمانه إلى مصر ليتم دفنه كما أوصى في معبد آمون، ولكن صديقه برويكوس لم يستطع أن ينفذ الوصيّة، ثم ضاع أثر القبر والجثمان بعدها، ولم يبقَ إلا ضريحه الرخامي الفخم موجوداً فارغاً في مدينة إسطنبول، وهو مشهور بضريح الإسكندر.
من أنفس العبارات التي قيلت فوق نعشه: «قد كان هذا الملك يُخزّن الذهب، واليوم هو خزين فيه».
مجلة البيان الاماراتية