سراديب أدبية تدهشنا ببراعتها اللغوية والفكرية
ثلاثة فصول وعشرة بحوث يضمها كتاب الزميل الأديب عبدالهادي عباس، مساعد مدير تحرير جريدة الأخبار، الذي صدر في معرض الكتاب في دورته الماضية تحت عنوان: “سراديب الدهشة.. قراءات في الشعر والنثر ينشغل عبدالهادي- الذي حصل مؤخرا على درع مجمع اللغة العربية – طوال فصول كتابه بالأدب العربي وكيفية الدفاع عنه وكيف يتم توجيه هذا الأدب لخدمة القضايا الفكرية والوطنية التي تحتاج إليها مصر في الظروف الحالية؛ إنه يقبس من تاريخنا الأدبي الحديث ويجلو إشراقاته لتضيء لنا طريق المستقبل، إنه يضع المؤسسات الثقافية والأدبية أمام مسئولياتهم الوطنية.
وكل ذلك يتم بلغة غاية في الرقي الأدبي وكأنك أمام كتابات العقاد أو إبراهيم المازني أو طه حسين أو زكي نجيب محمود أو أحد أولئك الأدباء الكبار الذي أسسوا لمصر الحديثة كيانا فكريا كبيرا والذين افتتن بهم عبدالهادي، فهو يركز عليهم في كتابه تركيزا شديدا، وكأنه يشير إلى أنه لا تقدم ولا تجديد في الفكر أو الحياة دون الرجوع إلى قواعدنا التراثية الثابتة مع الانتقاء من المذاهب الغربية الحديثة ليطير الوطن بجناحي الأصالة والمعاصرة إلى آفاق المستقبل الرحيب.
حتى في الإهداء يبدع عبدالهادي ويكتب كلمات تُعبر عن تأثيرك في نفسه، فلا تتشابه إهداءاته للزملاء، فتقف طويلا لتستمتع بذلك الإهداء الذي يفتح أمامك باب حُب الكتاب فتبدأ فورًا تصفح الصفحات. صحيحٌ أنك لا بد أن تستعين بالمعجم لأن بعض الكلمات ستقرأها للمرة الأولى، لكنك لن تجد الكلمة نابية ولا غريبة عن موضوعها الذي تم وضعها فيه وكأنها خُلقت لتكون هنا، وستشعر بعد أن تبحث عن الكلمة وتعرفها أنك تستمتع بالكتاب على المستوى اللفظي والمستوى المعنوي وأنك ستكسب في كل الأحوال رغم وعورة الطريق.
يشير عبدالهادي في غلاف كتابه إلى أن هذا الكتاب بحوث ودراسات عجلى في الشعر والنثر.. أشتات مجتمعات في الشعر والنثر كتبتها إبان دراستي في دار العلوم – نضر الله أيامها وسقاها هاطل الديم – إذ كان القلب أخضر وأملود الشباب أنضر، ربما يكون قد تغير بعضها الآن بعدما امتاح العقل من بئر الحياة ما يسد به ظمأه المعرفي، وربما لا تزال هناك آراء لا تزال تقبض على جمر براءتها الأولى، تحول دون الانسراب إلى تعقيدات النقد الحديث وطرقه الوعرة.. تلك هي سراديب الدهشة.. دهشتي الأولى في عالم الكلمة.
قليلة هي الإصدارات الشبابية الجادة التي تقول شيئا وتحمل فكرا، فالمكتبات تُخرج لنا يوميا مئات العناوين التي لا تستحق حتى ثمن الحبر الذي كُتبت به؛ ولكن هناك أيضا كتبا تقول إن الأدب العربي بخير، وسيظل بخير، ما دامت هناك “سراديب” أدبية تُدهشنا ببراعتها اللغوية والفكرية.
ميدل إيست أون لاين