سلافة معمار: التمثيل متعة أولاً
في قرية عرمون الكسروانيّة، تعكف سلافة معمار على تصوير مشاهد شخصيّة ناريمان في مسلسل «بنت الشهبندر»، من تأليف هوزان عكو، وإخراج سيف الدين السبيعي. خلال فترة الاستراحة، نسألها ما إذا كانت تحمل شخصياتها معها إلى خارج موقع التصوير. ذلك أمر مرفوض أكاديمياً، وغير حقيقي، بالنسبة لها. تقول الممثلة السوريّة: «يصدف أن تكون بعض الأدوار مليئة بحالات صعبة على الصعيد السيكولوجي، لكنّها ترتبط باللحظة نفسها التي نؤديها فيها. نحن نسعى إلى إيجاد نقاط مشتركة عميقة جداً وموجعة ومتعبة ذهنياً بيننا وبين الشخصيّة، لكنني لا أحمل أي شخصية معي بعيداً عن مكان العمل». تضيف: «قد تحرّكني شخصية ما ذهنياً وعاطفياً ولكن لا أجد فكرة التقمّص حقيقيةً».
خلال اليوم المختار لإجراء هذه المقابلة، صادف وجود ذهب، ابنة معمار من زوجها السابق سيف الدين سبيعي، في مكان التصوير. تقول الأمّ التي تنشر من وقت لآخر صور ابنتها ذات الضفائر الذهبيّة، عبر حسابها على «إنستغرام»: «لا تناسب ظروف العمل الأطفال بالطبع، لكن اليوم لم يكن لديّ ضغط، فآثرت أن تكون إلى جانبي وإلى جانب والدها». وردّاً على سؤالنا، تصف العمل تحت إدارة سبيعي بـ»الممتاز».
فلسفة اللحظة
تعي معمار جيداً قيمة اللحظة التمثيلية. يعنيها انتقاء أدوار تسبر أغوار النفس، وتطرح أسئلة وجودية، وتحفر عميقاً فيها. اليوم هي ناريمان ابنة الشهبندر العاشقة في مسلسل تتشارك بطولته مع قصي خولي وسيف شيخ نجيب. «أستطيع القول إنّ العمل حالة جديدة ومختلفة عن الدراما التي اعتاد عليها المشاهد، وهو عمل شامي بالمعنى الشامل للشام التي تضم لبنان وسوريا والأردن وفلسطين».
نسألها عن الدور الذي أتعبها ذهنياً أكثر من غيره، فتحيلنا بسرعة إلى شخصيّة ورد في مسلسل «قلم حمرة» لحاتم علي. «أتعبتني ورد ذهنياً لأنّ النص كان مليئاً بأسئلة وجودية وكان يحفر عميقاً في داخلي وفي داخل المتلقي. هذا الدور جعلني أعيد النظر بأفكار وأمور عدّة، من خلال طرح الأسئلة على نفسي، ومن خلال إعادة طرحها. هو دور نبش في عمقي الإنساني».
تستعرض معمار مجدداً أدوارها وتصف دور بثينة في «زمن العار» (2009، رشا شربتجي) بالحالة الإنسانية العالية التي تحفر في النفس وتسبر الأغوار حول الخوف والحب والآخر والماء والهواء. «كان هذا الدور ذا تأثير عال على نفسي، كذلك الحال بالنسبة إلى أدواري في «ما ملكت أيمانكم»، و»توق»، و»أبواب الغيم»، و»تخت شرقي» (الأعمال الأربعة المذكورة أنتجت في العام 2010)».
نشوة المسرح
تعدّ معمار اليوم، واحدةً من أبرز نجمات الدراما العربيّة، ما يجعل سؤالها عن أدوار عالميّة أمراً مشروعاً. تقول معمار إنّ ذلك لا يندرج في إطار طموحاتها حالياً. «جميع العاملين في مهنة التمثيل يتمنّون الحصول على شهرة عالمية، وكان عليّ أن أبدأ في سن السابعة عشرة للتحضير لخطوة مماثلة. اليوم لا وقت لديّ، لكن إذا دعيت إلى تجربة ذات مواصفات أقرب إلى العالمية، سأكون سعيدة بالطبع».
ابتعدت معمار عن السينما بعدما قدّمت عملين في العام 2005، هما «علاقات عامة» لسمير ذكري، و»تحت السقف» لنضال الدبس. تقول إنّه لا إنتاج سينمائياً في الفترة الحالية، ولا توجد صناعة سينمائية سوريّة بالمعنى العميق للكلمة، بل هناك محاولات، وفي مصر السينما تعاني أزمة كبيرة. «تتملكني رغبة كبيرة لأن تكون لديّ تجربة سينمائية بغض النظر عن جنسيتها، هذا الأمر يعني لي الكثير ومهم جداً بالنسبة إلى تفاصيل عملي كممثلة».
بجانب نجوميّتها على الشاشة الصغيرة، لمعمار أدوار هامّة على خشبة المسرح، كان آخرها مسرحية «عربة اسمها الرغبة» العام 2008، من إخراج غسان مسعود. «أرى العمل في المسرح نشوة التمثيل. أحبّ اللحظات التي أعيشها على الخشبة، تعيد إليّ الشعور بأهمية أدواتي المسرحية. الحالة المسرحية تنفضني نفضاً من الداخل، وتحرّك لديّ المشاعر الغريزية للبشر وللممثلين على حد سواء. المسرح هو ضرورة ملحّة، وأجد أنّه عليّ تقديم عمل مسرحي كل سنة أو سنتين، تبعاً للعروض الموجودة بالطبع». تضيف: «المسرح مرهق ويتطلّب التزاماً عالياً، وصفاء ذهن. اللحظة التي أؤّدي فيها مشهداً تمنحني قوّة فظيعة، وأشعر بالفعل أنّني أمتلك تلك اللحظة، وأنني أسيطر على صالة العرض في المواجهة بيني وبين الجمهور، وهذا يتطلّب جرأة كبيرة. هو شعور ساحر خاص بالمسرح، وأنا مشتاقة جداً للحظة الأولى من مسرحية، حيث أشعر أنّني قُذفت في الهواء».
الممثل ابن بيئته
نأت سلافة معمار بنفسها، إن جاز التعبير، عن موجة الأعمال العربيّة المشتركة. تقول إنّ هذه المرحلة ستكون عابرة في تاريخ الصناعة الدراميّة. «ما الأعمال المشتركة إلا نتيجة ما تريده صناعة الدراما والمحطات التلفزيونية في زمن الفضاءات المفتوحة، وإذا عرفنا كيف نتعامل مع هذه الرغبة سننتج أعمالاً نخبوية مهمة، والغربلة مستمرة ومرتبطة بالتاريخ».
برأيها، فإنّ تلك الأعمال لن تمحو الأعمال المحليّة، فقد «واجه العاملون في مسلسل «قلم حمرة» تحديّات عدّة وطرحوا على أنفسهم تساؤلات كون العمل سورياً بحتاً وليس تجارياً». تضيف شارحةً: «أقصد بذلك أنَّه لا يستقطب جمهوراً ومالاً، مع العلم أنّني لا أعتبر كلمة تجارية شتيمة». تتابع حديثها عن المسلسل: «شعرت من خلال «قلم حمرة» أنَّ الناس ما زالوا يتفاعلون مع الأعمال المحليّة في غمرة الأعمال المشتركة، ويجب أن تبقى الأعمال المحلية، وأنا متمسّكة بها وبهويّتها وبمواضيعها، ولا أريدنا أن نذوب بشكل هجين فيها، ولا أريدنا أن نفقد هويتنا. صحيح أن الفن والتمثيل لغة عالمية مشتركة، لكن الإنسان ابن بيئته أولاً وأخيراً، وهناك خصوصية لكل بيئة».
عن مشاركتها اليتيمة في الدراما المصريّة في مسلسل «الخواجة عبد القادر» (2012)، أمام الممثل يحيى الفخراني. تقول إنّ هذا المسلسل نال أصداء مميزة على صعيد النقد الصحافي، وهو عمل ذو خصوصية رائعة، لكنه لم ينل نجاحاً جماهيرياً ساحقاً، «وما زال العمل يتيماً لأن العروض المصرية الأخرى لم تستملني ولم يحالفني الحظ من جديد».
في العمق، لا تبدو معمار منشغلةً بالبحث عن أدوار على الشاشة المصريّة أو العربيّة، لمجرّد إضافتها على لائحة المنجزات في سيرتها الذاتيّة. تقول إنّ ما يعنيها في التمثيل اليوم، هو المتعة. «هذا الذي يعنيني في الفترة الحالية، أن أستمتع بالعمل الذي أقدّمه، مع ندرة هذه المتعة أو حتى انعدامها في أوقاتنا الحالية، لكنها الحقيقة، الفن متعة. أبحث عمّا يمتعني في ظل الخيارات المطروحة». على ضوء ذلك، تقول سلافة معمار إنّها تسير في درب المهنة، «بحثاً عن المختلف في النصوص وعن الجديد المميَّز والمثير».
صحيفة السفير اللبنانية