سورية: تزايد الطلاق وتعدد الزوجات في ظل الحرب
وافقت مهى، الوالدة لطفلين، وبسبب ظروفها المعيشية الصعبة أن تصبح الزوجة الثانية لابن عمها بعد ستة أشهر على مقتل زوجها، مثلها مثل الكثير من النساء السوريات اللواتي تأثرت حياتهنّ الشخصية بالحرب. ونتيجة النزاع الدامي في سورية المتواصل منذ أكثر من خمس سنوات، وما أسفر عنه من مقتل وهجرة المئات من الرجال في شكل يومي، ارتفعت نسبة تعدد الزوجات و تزايد الطلاق ، وفق أرقام رسمية.
وتقول مهى (31 سنة) وهي من سكان ضواحي دمشق التي شهدت معارك بين الجيش السوري والفصائل المقاتلة: «توفي زوجي قبل عام ونصف العام. وبقيت وحيدة مع طفليّ الاثنين طيلة ستة أشهر. كان الأمر في غاية الصعوبة». وتتابع لوكالة «فرانس برس» عبر الهاتف: «لذلك قرّر ابن عمي أن يتزوّجني لأسكن مع زوجته وأطفاله في المنزل ذاته». مضيفة: «كان الأمر صعباً في البداية خصوصاً أن زوجة ابن عمي هي أيضاً صديقتي. لكنها تقبلت الفكرة تدريجياً بسبب ظروفي الصعبة».
ويشرح محمد، زوج مهى البالغ من العمر 41 سنة، قراره قائلاً: «أصبح عدد النساء أكثر من الرجال، وقررت أنا وأربعة من أصدقائي أن نتزوج مرة ثانية من نساء فقدن أزواجهن من أجل السترة».
وتشهد سورية منذ العام 2011 نزاعاً أسفر عن مقتل أكثر من 290 ألف شخص غالبيتهم من الرجال. ما أدى إلى تفكيك عائلات وأثّر في العلاقات الزوجية في بلد ترزح الشريحة الأكبر من سكانه تحت خط الفقر ويعاني من البطالة. وتعدد الزوجات مسموح في سورية. ولكنه كان نادراً في الماضي. أما اليوم فقد تغيّر الوضع، وبلغت نسبة تعدد الزوجات في العام 2015 وبحسب الزيجات المسجلة في المحاكم الشرعية التابعة لمدينة دمشق، نحو 30 في المئة مقابل خمسة في المئة فقط في العام 2010.
ويقول القاضي الشرعي الأول محمود المعراوي لـ «فرانس برس»:
«خلال الأزمة استشهد الكثير من الشباب. أو فقدوا وهاجروا وأصبح عدد النساء أكثر من الرجال. فحل القانون والشرع المشكلة بتعدد الزوجات». ويوضح المعراوي أن «المحكمة الشرعية تجاوزت عدداً من الضوابط التي وضعها القانون للسماح بالزواج من امرأة ثانية من أجل مواجهة هذه الأزمة». في إشارة إلى قيود قانونية كانت تفرض مثلاً ألا يكون فارق السن كبيراً بين الرجل والزوجة الثانية، أو أن يكون لكل زوجة منزل مستقل.
وتزوجت صباح الحلبي (44 سنة) من رجل متزوج يكبرها بـ24 سنة من أجل إعالة طفليها. وتقول لـ «فرانس برس»: «فقد زوجي عمله في مدينة سقبا» قرب دمشق الواقعة تحت سيطرة الفصائل المقاتلة . بعد اندلاع الحرب. «لم يعد يتحمل مسؤوليته تجاهنا وهجرنا، فطلبت الطلاق منه ثم تزوجت من ممدوح» الذي يعمل سائقاً ويبلغ 68 سنة وتعاني زوجته الأولى من مرض خبيث . وكانت صباح تتحدث بعدما أتمت عقد قرانها في قصر العدل.
ويقول أبو عدنان إنه قرر الزواج من إحدى المستأجرات في منزله الكبير في حارة اليهود في دمشق القديمة بسبب ظروفها المعيشية الصعبة.
ويتابع الرجل البالغ من العمر 46 سنة: «كنت أتردد على قاطني الغرف والمستأجرين، ولاحظت مع مرور الوقت أن إحدى المستأجرات لا تتمكن من تسديد مستحقات الإيجار». ويضيف: «وضعي المادي جيد ويسمح لي بزواج ثان، فقررت أن أتزوجها لتسكن مع عائلتي في منزلي». ويتابع: «أنا متزوج منذ عشرين عاماً ولم أرزق بأطفال، وقد وافقت زوجتي الأولى على أن أتزوج مرة أخرى لعلّ الله يرزقني بطفل قبل أن أموت».
تزايد الطلاق وتعدد الزوجات في ظل الحرب
وقانون الأحوال الشخصية للمسلمين في سورية الذي يحكم الطلاق والزواج والتفريق والحضانة، مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية. أما الطوائف الأخرى فلها محاكمها الخاصة. وتقول الاختصاصية بعلم النفس الاجتماعي ليلى الشريف لـ «فرانس برس»: «باتت المرأة اليوم تقبل بأي زوج يكفيها مالياً ويشعرها بالحماية. وكانت لا تقبل به في الحالة العادية» قبل النزاع.
وبالتوازي مع ارتفاع نسبة تعدد الزوجات، تزايد الطلاق أيضاً. وقد سجّلت المحكمة الشرعية في دمشق 7028 حالة طلاق في العام 2015 مقابل 5318 في العام 2010. أي بزيادة قدرها 25 في المئة. ويعود ارتفاع نسبة الطلاق، بحسب المعراوي، إلى «أسباب اقتصادية وعدم إمكانية تأمين مسكن مستقل. إذ تضطر العائلة إلى تقاسم المسكن أو الانتقال للسكن مع الأهل. فضلاً عن عدم قدرة الزوج على إعالة زوجته» بعد الأزمة التي أفقدت الكثيرين أعمالهم. ويضاف إلى ذلك، بحسب قوله. تأثير الهجرة السلبي على العائلات. ويوضح: «نشبت خلافات بين الزوجين بسبب رغبة أحدهما بالسفر ورفض الآخر خوفاً من مخاطر السفر أو عدم الرغبة بالابتعاد عن الأهل». وبحسب الأمم المتحدة، دفع النزاع بـ 4,9 مليون شخص للجوء إلى خارج البلاد. فيما نزح أكثر من 6,6 مليون آخرين داخلها.
ويشرح المحامي جميل كردي لوكالة «فرانس برس» أن «المادة 109 من قانون الأحوال الشخصية تجيز التفريق للغيبة». وبموجب ذلك، وفق قوله، «يحق للزوجة أن تحصل على طلاقها بعد أن تثبت غياب زوجها لمدة تزيد على السنة بشكل قانوني». وهكذا، انتظرت فوزية (43 سنة) أن يرسل لها زوجها الذي هاجر إلى السويد قبل أكثر من ثلاث سنوات أوراق لمّ الشمل لتلحق به. وبعد طول انتظار من دون نتيجة قررت الطلاق منه. وتقول فوزية التي تقطن مع أولادها الثلاثة لدى أهلها في دمشق: «تمكنت من الطلاق ويمكنني الزواج الآن بآخر يعيلني».