سيرة اليمين الإسرائيلي بشخص بنيامين نتنياهو [3]

تتناول هذه السلسلة الكتاب الجديد لبنيامين نتنياهو بعنوان «بيبي: قصتي»، وهو يتضمّن سيرته السياسيّة وسرديّة اليمين الصهيوني المعاصر. أشرتُ في العدد الماضي أنني لن أشير في الاستشهادات إلى عدد الصفحات لأنني قرأتُ الكتاب في نسخة إلكترونيّة وعدد الصفحات ليس نفسه باختلاف البرامج والإعدادات الشخصيّة للقارئ.

يعتدّ نتنياهو كثيراً بفوزه بمنصب رئيس وزراء العدوّ في سن السادسة والأربعين، وهو اليوم الشخص الذي تولّى رئاسة الوزراء لأطول فترة في تاريخ الكيان الإسرائيلي. نتنياهو حكمَ أكثر من ديفيد بن غوريون، وهذا يعطي فكرة عن تأثيره على إسرائيل وحياتها السياسيّة. أوّل من اتصل به مهنئاً بفوزه بالمنصب عام 1996 كان بيل كلينتون الذي كان يدعم منافسه، شمعون بيريز. أرسل الحزب الديموقراطي أهمّ خبرائه في السلوك الانتخابي والإعلان الدعائي لدعم حزب العمل، لكن كلينتون رضخَ للنتيجة، إذ قال له: «عملنا كل ما في وسعنا لإسقاطك، لكنك هزمتنا بصورة عادلة». لكن هذا الاعتراف مهم: إذا كانت الحكومة الأميركيّة تعترف بأنها تتدخّل حتى في الانتخابات الإسرائيليّة، فما بالك بالانتخابات في دول العالم التي لا تربطها بأميركا العروة التي تربطها بإسرائيل؟ نحن اليوم نعلم الكثير عن انتخابات 1957 في لبنان: كيف كان عملاء المخابرات الأميركيّة يأتون بحقائب المال لرئيس الجمهوريّة اللبنانيّة (أبي العصر الذهبي، على ما يقولون عنه في المواقع، بالرغم من فساده الهائل وتلقّيه عمولات على صفقات ورُشى أجنبيّة في سنوات حكمه) كيف يوزّعها على المرشحين المحظيّين. وكما أن أميركا تموّل اليوم أي منافس شيعي لحزب الله في لبنان، فإنها آنذاك أنفقت الكثير لرفع شأن سامي الصلح لأنه كان الزعيم السنّي الوحيد الذي ماشى شمعون وعارض الخيار الناصري الشعبي، لصالح مشروع أيزنهاور.

طبعاً، زار الفائز الإسرائيلي الجديد البيت الأبيض في تقليد معروف، لكن عنجهيّة وغرور نتنياهو أزعجا بيل كلينتون على الفور. لم يرتح أبداً كيف أنه تعامل مع الرئيس الأميركي على أنه أدنى منه مرتبةً (وهو بالفعل أدنى منه مرتبة في صنع السياسة الأميركيّة نحو الشرق الأوسط، وهذا سارٍ منذ عهد ريتشارد نيكسون إلى اليوم). شعرَ كلينتون أن نتنياهو لم يراعه ويراع منصبه بما فيه الكفاية. قال كلينتون هائجاً لمَن حوله: «من هو زعيم العالم الحرّ؟»، مضيفاً شتيمة مقذعة، باعتراف نتنياهو. لكن نتنياهو لا يكترث لانزعاج الرؤساء الأميركيّين لأنه يعلم أن الرئيس ـــ كما الكونغرس ــ خاضع بالكامل للوبي الإسرائيلي، الذي بدوره يخضع لإرادة رئيس حكومة إسرائيل.

ويعترف نتنياهو أن بعض المتحدّثين الفلسطينيّين في الإعلام الأميركي حقّقوا نجاحات في تحسين صورة الشعب الفلسطيني في الرأي العام، ويذكر في هذا الصدد حنان عشراوي وصائب عريقات، مع أن الأولى كانت أنجح بكثير من الثاني في مخاطبة الإعلام العالمي، لكن مصداقيّتها العربيّة تقوّضت ـــ أو يجب أن تتقوّض ـــ لأنها كانت جزءاً لا يتجزّأ من منظومة أوسلو الفاسدة، وهي خاضت الانتخابات النيابيّة مع مرشّح جورج دبليو بوش المفضّل، سلام فيّاض. لا يعترف نتنياهو بأي طرح للشعب الفلسطيني: يلخّص مطالب الشعب الفلسطيني بـ«الإرهاب والحرب». وكلمة الإرهاب التي أطلقها العدوّ ضدّنا باتت لازمة في الخطاب العربي الرسمي والإعلامي. ويعيِّر نتنياهو الفريق الذي تولّى مفاوضات «مسيرة السلام» في إدارة كلينتون ويقول عنهم إنهم «في أغلبهم من اليهود». هذه الملاحظة العابرة لو وردت في كتاب لمسؤول عربي لأدّت إلى احتجاجات وبيانات تنديد وطلبات لعقد جلسات خاصّة لمجلس الأمن لاستنكار معاداة السامية عند العرب. لكن معاداة السامية الصهيونيّة مقبولة جداً في حسابات المنظمات الصهيونيّة.

وعثر صحافي أخيراً على مقابلة لنتنياهو قبل سنوات ويتحدّث فيها عن «اللوبي اليهودي». واستعمال مصطلح «اللوبي اليهودي» من قبل خصوم إسرائيل يؤدّي فوراً إلى حملة تهشيم وذمّ من قبل الصهاينة (مصطلح «اللوبي اليهودي» غير دقيق لأن هناك قطاعات مسيحيّة ويساريّة وإماراتيّة في اللوبي الإسرائيلي هنا). ويشكِّك نتنياهو بذكاء المسؤولين الأميركيّين الذين لا يقبلون فرضيّاته وطروحاته عن الصراع العربي ــ الإسرائيلي، ويقول: «استمرّوا في رفض الاعتراف بأن السبب الحقيقي لـ”المشكلة الفلسطينيّة” هو … الفلسطينيّون أنفسهم. رفضهم القبول بدولة يهوديّة هو قلب الصراع». أي إن الشعب الفلسطيني هو الذي طردَ نفسه من أرضه وارتكب المجازر ضد نفسه، ومنع نفسه من العودة إلى فلسطين.

وفي عام 1998، توتّر الجو بين النظام العراقي وبين الحكومة الأميركيّة. أمر نتنياهو الجيش باتخاذ تدابير دفاعيّة وهجوميّة (ليس من فارق عند العدوّ) ضد العراق. ويقول في روايته لتلك الفترة إن نائب وزير الخارجية الروسي زاره وسلّمه رسالة من صدّام حسين مفادها أن ليس لديه من خطة لقصف إسرائيل. أجابه نتنياهو: «أخبره أن قراره حكيم». طبعاً، يصف نتنياهو كل الطغاة العرب الذين طبّعوا مع إسرائيل بالرؤساء أو الحكّام ويسبغ آيات الاحترام والتبجيل عليهم (خصوصاً في السعودية والإمارات وعُمان والمغرب) فيما يصف كل حاكم عربي غير مُطبِّع بالديكتاتور. هذه معايير الحكومة الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية.

ويروي نتنياهو قصة مريضة إسرائيليّة صغيرة في السنّ مصابة بالسرطان وكانت سارة نتنياهو، زوجته، قد استعملتها في حملاتها لتجميل صورتها في الرأي العام الإسرائيلي (كانت قصص سارة نتنياهو في الإساءة إلى العاملين والعاملات في منزلها ومكتبها باتت معروفة للجميع). ويذكر أن سارة قررت اصطحاب المريضة المذكورة لحضور الألعاب الأولمبيّة في موسكو. لكن لا يذكر أنّ تعريض مريضة سرطان لحشد بحجم حضور الألعاب الأولمبية هو تعريض لحياة المريضة للخطر الشديد، لأن احتمال التقاط الفيروسات من قبل مريض يعاني من ضعف في المناعة هو كبير جداً. كما أن استعمال مرضى السرطان لأهداف سياسيّة يُعتبر من المحظورات.

ويروي قصّة محاولة اغتيال خالد مشعل في عمّان، والمحاولة المتعثّرة كانت واحدة من سلسلة من أعمال متعثّرة للموساد، التي تغيّرت صورتها في المنطقة والعالم. والقصّة مهينة جداً لكل سمعة الموساد. حرس خالد مشعل تعقّبوا عملاء الموساد وألقوا القبض عليهم وسلّموهم للشرطة الأردنيّة. يعترف بثورة غضب الملك حسين حول ما جرى. وحاول نتنياهو تلافي عواقب العمليّة عبر إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين مقابل إطلاق سراح مجرمي الموساد في عمّان. وكانت مجلّة «إيكونومست» قد أفردت غلافاً للفضيحة وعنونتها «المُتعثِّر الإسرائيلي المُتسلسِل» ـــ عن نتنياهو. طبعاً، اتهمها نتنياهو بالانحياز ومعاداة السامية. ويعترف نتنياهو أن علاقته مع الملك حسين تدهورت حتى بعد محاولته تطييب خاطر الملك. ألقى باللوم على زوجة الملك، الملكة نور وعلى سبب آخر. يقول إنه جلس أمام الملك واضعاً ساقاً على ساق، ما أزعج الملك. وفي عام 1998، التقى مع حسين في بريطانيا بمنزله في لندن. يقول إن نور نزلت الدرج ورأت سارة جالسة وتوجّهت لها بالحديث قائلةً: «أنتم الإسرائيليّون أتيتم إلى فلسطين بعد المحرقة وسطوتم على أرض الفلسطينيّين». يقول نتنياهو إن سارة أجابتها: «ليست أرضهم. كانت أرضنا على امتداد ثلاثة آلاف سنة».

يروي بعضاً من محادثاته مع عرفات. كلّما تقرأ عن عرفات تتيقّن أنه كان أسوأ قائد للحركة الوطنيّة الفلسطينيّة. كان ضعيفاً أمام الإطراء من خصومه وكان يعشق ألقاب التفخيم: السيّد الرئيس ياسر عرفات، القائد العام للثورة الفلسطينيّة، ولم يكن هناك ثورة ولا من يحزنون. يتصل نتنياهو بعرفات ويقول له: «أمامك ثلاثون دقيقة كي توقف النار… ولو لم تفعل سأرسل دباباتنا وندمّر نظامك». أجابه القائد العام للثورة الفلسطينيّة: «فهمتُ». وأوقف عرفات النار.

غيّرَ الكتاب من صورة مادلين أولبرايت في ذهني. كيف ننسى كلامها الوقح عن موت أطفال العراق من جراء العقوبات الأميركيّة وكيف أنها كرّرت الإجابة أمام الإعلام (لكنها في مذكراتها اعتذرت عن كلامها وقالت إنه كان خاطئاً، ص. 275 من كتابها «السيدة وزيرة الخارجيّة»). نتنياهو يكنّ لها كراهية شديدة لأنها كانت شديدة التقريع له ولحكومة إسرائيل. عندما اجتمع بها في لندن عام 1998، أعطته مادلين أولبرايت إنذاراً بقبول جوانب من المفاوضات مع الفلسطينيّين (لم يحدّد الجوانب تلك). قالت له أولبرايت، في خطاب لم يسبق أن وجّه وزير أميركي لرئيس حكومة إسرائيل ربما باستثناء جيمس بيكر في عهد بوش الأب: «معك ساعتان كي تعطيني جواباً. وإن لم تعطني جواباً، سأنزل إلى الردهة أمام الإعلام وأقول لهم من المسؤول عن منع السلام». يعترف نتنياهو إنه حنقَ وهدّد أولبرايت بأنه سيواجه الصحافة ويلومها على تهديد أمن الشعب اليهودي (وهي من أصل يهودي). هكذا بهذه السهولة يبتزّ رئيس حكومة إسرائيل وزيرة خارجية أميركا. يقول في مكان آخر إن أولبرايت «قرّعتني كأنني طفل في مدرسة». قالت له: «أرأيتَ ما فعلتَ؟ لقد ضايقتَ رئيس الولايات المتحدة». لم نكن ندري عن هذا الجانب الجَسور لأولبرايت في مواجهة إسرائيل. طبعاً، في السياسات المعلنة، كانت مثل غيرها، مَن سبقها ومَن خلفها (قد يكون أسوأ من خلِفها هو مايك بومبيو، عرّاب مرشّح السفارة السعودية في لبنان، ميشال معوض، لمنصب الرئاسة).

يتحدّث عن اجتماعات واي ريفر في آخر عهد كلينتون. يذكر أبو العلاء، لكن يظنّ أن اسمه «أبو الله»، بالحرف. ونتنياهو يزعم أمام الصحافة العربيّة أنه مُلم باللغة العربيّة من خلال سنوات خدمته في جيش الإرهاب الإسرائيلي. يعترف أن زيارة الملك حسين للمجتمعين في واي ريفر ودعوته إلى السلام كانت موجّهة ضدّه، لكن كل مَن يختلف مع نتنياهو هو معادٍ للشعب اليهودي.

أمّا عن حقبة أوباما، فهو يعترف أن الكيمياء كانت مفقودة بينهما لكن أوباما لم يكن فظّاً وقاسياً معه كما كانت مادلين أولبرايت. لكنه قال له قبل أن يغادر المكتب البيضاوي: «الناس عادة تقلّل في تقييمي لكنني آتٍ من شيكاغو حيث واجهت خصوماً قساة». اعتبر نتنياهو الملاحظة في أوّل لقاء بينهما كإهانة له. لكن نتنياهو شديد الحساسية وهو يعتبر أي خلاف في الرأي معه، حتى من قبل صهاينة أميركا، كتعبير عن العداء للسامية. نتنياهو يلخّص في شخصه الشعب اليهودي، بحسب رأيه. اعتبر نتنياهو أن أوباما عامله كـ«أزعر صغير في الحيّ». لكن كلمة أزعر لا تفي بالغرض في وصف مجرمي الحرب الإسرائيليّين. وأجاب نتنياهو أوباما بالقول: «أنا رئيس وزراء إسرائيل وسأفعل ما أحتاجه كي أدافع عن بلدي». يقول إن جو بايدن، كنائب للرئيس في عهد أوباما، قال له: «ليس لديك من أصدقاء كثر هنا، يا صديقي. أنا الصديق الذي لديك، واتصل بي عندما تحتاجني».

عن التطبيع بين السعوديّة وإسرائيل قال له روبرت غيتس، وزير الدفاع في عهدَي بوش وأوباما: «لن يبادروا (أي آل سعود). سيتبعون الآخرين»، وأضاف أن السعوديّين لن يفعلوا أي شيء من ناحية التطبيع قبل التوصّل إلى اتفاق مع الفلسطينيّين. ويروي نتنياهو بالتفصيل حكايات إلقاء خطبه، وينتشي بالرواية وينال ــ في كلّ مرّة ــ إعجاب اللجنة الفاحصة على طريقة إعلانات نجاح الأولاد في شهادات السرتفيكا في لبنان في الستينيّات. حتى ذلك الخطاب في الأمم المتحدة، والذي رسمَ فيه كاريكاتوريّاً قنبلة إيران النوويّة، والذي تلقّى من السخرية والهزء والتقريع ما لم ينله خطاب إسرائيلي في الأمم المتحدة من قبل، فإنه يعتبره ذروة في النجاح والبروباغاندا.

يتحدّث عن زيارة سريّة له لموسكو ولقائه مع بوتين. معظم أحاديثه مع بوتين تركّزت على إيران وخطر إيران (الظريف أن فريق السعودية في لبنان، من جنبلاط إلى الإعلاميّين، مصرّون أن هناك اتفاقاً تحت الطاولة بين إيران وإسرائيل ودليلهم على ذلك إيران ــ غيت التي لم يفهم بعد معظم هؤلاء ما تضمّنته، على شناعة الدور الإيراني المتمثّل برفسنجاني فيها). وفي هذه الزيارات كان نتنياهو يحثّ بوتين على تعطيل أو تأجيل صفقة صواريخ إس300 والتي كانت إيران قد دفعت مبلغاً مقدّماً لها. وفي زيارة علنيّة له عام 2010، كان لنتنياهو ما أراد. قرّر بوتين، صديق إسرائيل وحامي مصالحها، تأجيل تسليم الصواريخ لسبع سنوات. وفي زيارته تلك لموسكو، يلتقي صدفة برئيس وزراء اليونان، جورج باباندريو الذي يتملّق له مثل كل زعماء الدول الأوروبيّة. مهّد ذلك لبناء تحالف بين الدولتيْن. وكان عرفات يعدّ باباندريو من أصدقاء القضيّة الفلسطينيّة في الغرب.

وفي عام 2020، على أثر قتل جنود الاحتلال لركّاب باخرة تركيّة متوجّهة في مهمّة إنسانيّة نحو غزة، يروي نتنياهو بكل صراحة مضمون محادثته مع أوباما. رئيس وزراء إسرائيل يطلب من أميركا أن تطيع أوامره. يطلب من أوباما أن يستعمل حقّ النقض ضد قرار يدين إسرائيل في مجلس الأمن. أوباما أجابه بأنه لن يستطيع استعمال الفيتو: «لو فعلتُ ذلك فإن أميركا ستُعزَل» (وجواب أوباما منافق لأن أميركا تكون غالباً معزولة في التصويت على قرارات في الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة عندما تصوّب أميركا مع إسرائيل لصالح قرار لا يجاريها فيه غير ميكرونيزيا وجزر المارشال). طبعاً، نتنياهو شكّل لجنة تحقيق إسرائيليّة وهي خلصت إلى… تبرئة إسرائيل (هذه مثل تحقيق أحمد فتفت في شنيعة ثكنة مرجعيون عندما قرّر أنه كوزير داخليّة تصرّف بشرف ووطنيّة وشجاعة وضيافة يستحقّها أي جيش احتلال يزور لبنان).

لم يكتفِ نتنياهو بذلك بل نسّق مع أمين عام الأمم المتحدة، بان كي مون (الذي كان مثل سلفه ينفّذ الأوامر الأميركيّة). قال له بان كي مون حول خدمة مصلحة إسرائيل: «رئيس الوزراء. أسألك أن تثق بي. سأعيّن شخصاً ذا نزاهة حياديّة لتولّي تحقيقنا». لكن نتنياهو اعترض مذكّراً بتحقيق غولدستون. طمأنه مون قائلاً: «هذا ليس مجلس حقوق الإنسان. سأختار أنا شخصيّاً رئيس اللجنة ولن يخيب أملك في الاختيار». يقول نتنياهو عن ذلك: «ووفى بوعده. صدر تقرير الأمم المتحدة وأراح إسرائيل بـ”حياديّته”» (الحيادية في الغرب حول هذه المواضيع هو الانحياز لمصلحة إسرائيل).

يلتقي بمحمود عبّاس ويستهلّ الاجتماع به بالقول: «أريد أن أقول بوضوح منذ البداية أن الانسحاب لحدود 1967 غير ممكن وأنه في أي تسوية سلام مُتصوّرة، على إسرائيل أن تحافظ على سيطرتها على غور الأردن». يجيبه عبّاس بكل ضعف: «ولماذا تصرّ على غور الأردن؟»، يجيبه نتنياهو بأن ذلك يحمي شرق إسرائيل.

سُرّ نتنياهو بانفجار الانتفاضات العربيّة لأنها، برأيه، كان يجب أن تنسف مقولة مركزيّة القضيّة الفلسطينيّة. لكن أوباما خيّب آماله. يزعم نتنياهو، حانقاً، أن أوباما طالب بسرعة باستقالة حسني مبارك. وهذا غير صحيح على الإطلاق. حاولت إدارة أوباما أن تحمي نظام مبارك عند تعرّضه للغضبة الشعبيّة وهي حاولت، بعد إصرار الجماهير على رحيله، أن يخلفه عمر سليمان كي يبقى النظام على ما كان عليه من إذعان وتطبيع مع إسرائيل. ويقول نتنياهو: «حذّرتُ واشنطن أن سقوط مبارك قد يؤسلِم مصر». يتحسّر نتنياهو على رحيل مبارك ويقول عنه: «التقيتُ بمبارك مرّات عدة في القاهرة وشرم الشيخ وأحببتُه. كان بعيداً عن صورة الديكتاتور الوحشي الذي رسمها الإعلام العالمي عندما سقط». طبعاً، قارنه بالنظام الإيراني كما يقارن كل نظام الطغيان بالنظام الإيراني كي يُقنع أميركا أن كل طغاة الشرق الأوسط أفضل من إيران.

وفي اجتماع مع أوباما، ينجح نتنياهو في إثارة حنق أوباما. رفض في الاجتماع أي عودة إلى حدود 1967. وألقى محاضرة وعظ لأوباما. قال له: «لن يحدث ذلك»، أي العودة إلى حدود 1967. رئيس أركان البيت الأبيض همس في أذن السفير الإسرائيلي: «هل رئيسك يعظ دائماً الناس في مكاتبهم؟» أجابه السفير: «فقط عندما يركلون بلده في أسنانهم». في اليوم التالي، التقى نتنياهو مع جو بايدن. قال له الأخير: «نحن دولة فخورة، وليس هناك أحد، لا أحد، له الحق في إهانة رئيس الولايات المتحدة». قال له نتنياهو إن الإهانة لم تكن مقصودة. طبعاً، ختم بايدن الحديث بالمزاح. وبالرغم من الإهانة، فإن أوباما رضخ وتراجع في خطابه عن مسألة حدود 1967 وطالب الشعب الفلسطيني أن يأخذ في الاعتبار «التطورات على الأرض».

عن سوريا، يقول إنه بعد اندلاع الحرب أمر الجيش بمنع أي «دخول» للاجئين إلى فلسطين المحتلة. وزار جرحى سوريّين من الحرب في مستشفى إسرائيلي ميداني على الجانب الفلسطيني من الحدود السورية ــ الفلسطينيّة. يقول إنهم «لم يصدّقوا أن رئيس وزراء إسرائيل وفرقاً طبيّة إسرائيليّة تعتني بهم». دائماً الناس تعجب بتواضع واهتمام وإنسانيّة وذكاء نتنياهو. واحد من السوريّين الجرحى يقول له ـــ بحسب زعم نتنياهو طبعاً: «لقد كذبوا علينا كل هذه السنوات. قالوا لنا إن الإسرائيليّين شياطين. لكنكم أنتم الملائكة الوحيدون في هذا الجحيم». بصرف النظر عن صحّة كلام نتنياهو المعروف باستسهاله للكذب، لكن ليس من شكّ أن بعض الفصائل السورية المسلّحة وبعض المعارضة العلمانية والإخوانيّة شكّلوا جواً من الودّ السياسي نحو إسرائيل ويظهر ذلك كلّما تعرّضت الأراضي السوريّة للقصف الإسرائيلي.

(يتبع)

صحيفة الأخبار اللبنانية