ترتكز أحداث رواية “جزيرة الأشجار المفقودة” للروائية التركية البريطانية إليف شافاك على الآثار الإجتماعية والإنسانية التي تسبب فيها غزو القوات التركية قبرص في يوليو/حزيران 1974 ثم في أغسطس/اب 1974 حيث طُرد نحو 150,000 شخص (يشكلون أكثر من ربع مجموع سكان قبرص، وثلث سكانها القبارصة اليونانيين) من الجزء الشمالي الذي احتلته القوات التركية من الجزيرة، حيث يشكل القبارصة اليونانيون %80 من السكان، ولاحقًا في عام 1975، أي بعد أكثر من عام بقليل، نزح نحو 60 ألف قبرصي تركي من الجنوب إلى الشمال، لينتهى الغزو التركي بتقسيم قبرص على طول الخط الأخضر الذي تراقبه الأمم المتحدة، والذي ما يزال يقسم قبرص وتشكيل إدارة قبرصية تركية مستقلة في الشمال.
تروي إليف شافاك في روايتها الصادرة عن دار الآداب بترجمة أحمد حسن المعيني النتائج المأساوية لهذا الغزو كموضوع رئيسي. ومع ذلك، فإن الغرض الرئيسي ليس إخبار التاريخ. الهدف هو وصف الانفصال العاطفي بين مجتمعين يعيشان في نفس الجزيرة، والأحداث المؤلمة التي سببتها الحرب. إذا كان الهدف هو سرد التاريخ، فسيكون من الضروري العودة من عام 1974 وإخبار الأحداث التاريخية التي أدت إلى هذا المأساة. بعبارة أخرى، هذا الكتاب ليس كتاب تاريخ، إنه رواية ممتعة في رؤيتها ومعالجتها الجمالية والفنية تصف نتائج الغزو التركي انطلاقا من العام 1974.
تتناول الرواية حكاية تبدأ أوائل السبعينيات عام 1974 على أرض قبرص حين التقت الفتاة التركية المسلمة ديفني البالغة من العمر 18 عامًا والشاب المسيحي اليوناني كوستاس البالغ من العمر 17 عامًا في إحدى الحانات، لتبدأ بينهما علاقة غرامية، رغم احتدام الصراع في قبرص بين اليونانيين والأتراك، الذي تفاقم بشكل مطرد في تلك السنوات. حيث أنَّ منطق الحرب لا يُبقي على شيءٍ دون تدميرٍ أو تقسيم. يفترق الحبيبان، ثم يلتقيان، ويبتعدان مرة أخرى، لكن الحب يأبى إلَا أن يفرض نفسه على الحاضر، لينتهى بهما الأمر إلى الزواج في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وينجبان ابنتهما آدا التي ولدت في لندن ولا تعرف قبرص ولا العائلات التركية واليونانية في قبرص، مما يخلق لديهما نوعا من الاكتئاب العاطفي.
كان لقاء كوستاس وديفني في عام 1974 في جزيرة قبرص في حانة يسميانها منزلهما. الحانة هي المكان الوحيد الذي يمكن أن يلتقي فيه المراهقان في الخفاء، حيث كان يمكنهما الاختباء تحت الحزم التي تتدلى منها أكاليل الثوم والفلفل الحار والأعشاب البرية. هذا هو المكان الذي يمكن للمرء أن يجد فيه أفضل طعام في المدينة، وأفضل موسيقى. ولكن هناك شيء آخر للمكان؛ إنه حميمي يجعل المرء ينسى، حتى لو لساعات قليلة، العالم الخارجي وأحزانه المفرطة. في وسطه، شجرة تين تتجلى من خلال تجويف في السقف. تشهد هذه الشجرة لقاءتهما الهادئة السعيدة، ومغادرتهما الصامتة والخفية؛ وتكون ـ هذه الشجرة ـ هناك عندما تندلع الحرب، وعندما تتحول العاصمة إلى ركام،ويفترق العاشقان.
بسبب الحرب وأيضا حبه الممنوع، يهاجر كوستاس إلى لندن. ولكن بعد فترة يعود إلى قبرص ويتمكن من الزواج من ديفني، وينتقلانمعا إلى لندن لبداية حياة جديدة. كوستاس يأخذ شتلة شجرة التين معه من المطعم الذي دمر عام 1974، هذه الشتلة التي كان عليه أن يدفنها تحت الأرض لفترة لحمايتها من برودة لندن، إلى أن تمكن من زرعها.
آدا الابنة تبلغ من العمر 16 عاما تعود إلى الجزيرة التي ولد فيها والداها. تسعى يائسة للحصول على إجابات عما جرى وتأثيرات الغزو التركي على الجزيرة، وتسعى إلى حل سنوات من الأسرار والانفصال والصمت. لتكتشف أن الصلة الوحيدة التي تربطها بأرض أجدادها هي شجرة التين التي تنمو في الحديقة الخلفية لمنزلهم، والتي حرص والداها على رعايتها. تعود آدا إلى الجزيرة في السبعينيات، وبقايا الأمكنة السريةالتي إلتقت فيها والدتها التركية المسلمة وأبيها اليوناني المسيحي، وخاصة هذا المكان الأكثر سحراً الذي يضم شجرة التين الحكيمة التي كانت شهادة على الألم والفرح.
تركز شافاك في الرواية على الانتماء والهوية والحب والصدمة وفقدان الذاكرة من جانب وتخريبها من جانب آخر، والهجرة ليس فقط كعملية انتقال ولكن أيضا كعامل مؤثر على الهوية، وربما ترمي الإشارات التي لا حصر لها إلى الطبيعة، وخاصة الأشجار إلى الجذور، حيث تذكرنا المؤلفة بمهارة أننا جميعا مترابطون، وأن الأشجار والبشر تنمو جذورهما وتترسخ في الأرض، مما يشكل الهوية، لذا فإن مفتاح السعادة هو القدرة على حفظ الجذور مع تشكيل جذور جديدة، واكتشاف جزء جديد من أنفسنا.