شبح العطش يُظلّل الأردن: نحو طلب العون من دمشق؟
بعيداً من تفاصيل ما جرى التعارف عليه بـ«الفتنة»، وتجاوزاً لوضع جائحة كورونا وأثرها السيّئ في الاقتصاد، بدأ أهل الأردن استشعار الكارثة المائية التي أنذرت بها الحكومة على أبواب الصيف المقبل. وبعدما تناقلت وسائل الإعلام العبرية تمنُّع نتنياهو عن الاستجابة لطلب الأردن كمّية إضافية من المياه، أعلنت عمّان قبوله الطلب أخيراً، من دون نشر أيّ توضيحات، كحال ملفّ المياه برمّته مع إسرائيل، إذ إن تفاصيله غير مفهومة، وكمّياته وأسعاره غير واضحة، وهي طيّ الكتمان، وما يمكن رصده منها مجرّد تسريبات وأحاديث تبدو في مجملها مجتزأة، ومعظمها من الجانب العبري الذي تحدّث بصراحة عن المبالغ التي تدفعها عمّان منذ 2010 لقاء المتر المكعّب الواحد من المياه: 40 سنتاً أميركياً (غير معلوم إن كانت مصاريف النقل والخدمات تضاف إليها أو لا). وبحسب المُعلَن أردنياً حديثاً، فإنّ ما تمّت الموافقة عليه هو ثلاثة ملايين متر مكعّب فقط، من أصل ثمانية ملايين، ستكون بالسعر نفسه.
مشكلة الأردن في المياه متشعّبة، وتبدأ بجغرافية المملكة ومحدودية المياه الجارية فيها وقلّة المياه الجوفية، كما تزيدها بلّة الزيادة غير الطبيعية التي حصلت في عدد السكّان ولا سيما بعد الحرب السورية، ويضاف إلى ما سبق لصوص المياه الذين تحدّث عنهم وزير المياه والريّ، محمد النجار، وقال إنهم متنفّذون بخلفيات عشائرية ويسرقون ثمانية ملايين متر مكعّب سنوياً من الشبكات ثمّ يعيدون بيعها، عدا الاعتداءات المتكرّرة على خط مياه حوض الديسي المشترك مع السعودية. أمّا المشكلة الحسابية الأكبر، فهي مديونية المياه لإسرائيل، إذ إن فريق المفاوضات الأردني وقع في خطأ فادح، بأن التزم كمّيات محدّدة من المياه لإسرائيل لا بنسب مئوية، لتُشكّل هذه السذاجة أو الجهل التزاماً لا يمكن تسديده، جرّاء اعتماد الأردن على مواسم مطرية ومصادر مياه منابعها خارج أراضيه، ليجري الآن تصوير سوريا كسبب في معضلة المياه، ولا سيما مع الإجراءات السورية على امتداد نهر اليرموك الذي يصبّ في «سد الوحدة» ثم تذهب مياهه إلى تل أبيب وفق اتفاقية «وادي عربة».
تبدو عمّان في ورطة حقيقية. ومع وجود نتنياهو، يظهر أن تفاقم الأزمات واستغلالها سيكونان سمة المرحلة الباردة بين الطرفين. في المقابل، ثمّة بريق أمل في ما تحدّث عنه النائب عبد الكريم الدغمي في مداخلة بدأها بتأكيد معارضة مجلس النواب شراء الغاز من الاحتلال، مشيراً إلى حاجة المملكة إلى المياه في الموسم المقبل، مستنكراً عدم الاستعانة بدولة «عربية شقيقة» يشترك الأردن معها في «الوحدة» لأخذ المياه منها (سوريا)، بل عوضاً عن ذلك «التوجّه إلى شراء مياه مسروقة من أرضنا العربية الفلسطينية ومن أرضنا المسروقة في بحيرة طبريا، وتحديداً من نهر الأردن. وأكد الدغمي أن دمشق، التي لم يذكرها صراحة، استعدّت لتزويد عمّان بالمياه، معتبراً أن أخذ المياه كمساعدة أو شراء من دولة عربية أفضل من الشراء من «الدولة الصهيونية الحاقدة». ويشار إلى أن هذا النائب ترأس في 2018 وفداً توجّه إلى دمشق والتقى الرئيس بشار الأسد، وطرح معه قضية المعتقلين الأردنيين في سوريا، ليتمّ التوجيه بالنظر في قضاياهم وفق حساسيتها.
ومنذ اندلاع الحرب على سوريا، توقّفت العلاقات الرسمية على مستوى الحكومتَين، وكانت الوفود التي تتوجّه مساندة لدمشق إمّا بتشكيلة شعبية وجماهيرية وإما نيابية، وخاصة أن هناك تمنّعاً حكومياً عن اللقاءات مع السوريين. الجديد أن الكاتب فهد الخيطان، المقرّب من القصر ورئيس مجلس إدارة تلفزيون «المملكة»، والشخصية الأولى التي كتبت تفاصيل عن تورّط الأمير حمزة في حادثة «الفتنة»، تطرّق في مقالته: «اقتراح الدغمي.. هل تطرُق عمّان باب دمشق؟»، إلى إشارات إيجابية من الدولة في شأن التوجّه بالفعل إلى سوريا، عبر وفد اقترح الخيطان أن يضمّ الدغمي بمشاركة من مسؤولين حكوميين، لإقناعها بتزويد الأردن بالمياه على وجه السرعة، عوضاً عن الذهاب إلى الجانب الإسرائيلي. ومن الواضح أن سوريا أيضاً تريد هذا التقارب، وتحاول استمالة الأردن لإحداث انفراجة وفتح معبر «نصيب» الذي يُعدّ إغلاقه سياسياً. وإن كان الوضع الوبائي هو الحجّة المنطقية والأكثر قبولاً لدى كثيرين، إلا أن عمّان لديها حساباتها مع حلفائها في واشنطن الذين يخنقون جارتها بـ«قانون قيصر».
على أيّ حال، لا يملك الأردن ترف الوقت ولا نكء الجراح مع سوريا، وقد تبدو تفاهمات بين الطرفين على مسألة الجنوب السوري والربط الكهربائي كما أشيع منذ أشهر بادرة إيجابية، عدا عن أن عمّان، وإن لم تقلها صراحة، ترحّب بعودة طوعية للاجئين الذين تخلّى عنهم المجتمع الدولي، ولم يفِ بالتزاماته لعمّان بشأنهم، وهم 1.3 مليون لاجئ معرّفين لديها.