«شهر زمان»: عن أزمة تشبهنا
تبقى شخصيات مسلسل «شهر زمان»، كتابة وإخراج زهير قنوع، ضحايا على مدى الحلقات الأولى من العمل، غير أنها لا تلبث، باقتراب الحلقات من العشرين، أن تصبح جريئة، عنيدة بصورة متزايدة. شخصيّاتٌ تقاتل من أجل الحياة برغم كمّ القهر والبشاعة، لتكون أزمة السوريين في صلب الحدث. عَرضُ العمل الذي أنتجته «المؤسسة العامة للإنتاج» بالتعاون مع «قبنض»، على قناة «أم بي سي دراما» المشفّرة قلّل من فرص المشاهدة، على أمل أن يلاقي تسويقاً على قنوات مفتوحة في الأشهر المقبلة.
تدور الأحداث ضمن مجتمع مديني، وسط عائلة رفيق (نجاح سفكوني) المهجَّرة من منزلها والتي تقيم في بيت أخيه المسافر وزوجته محاسن (سمر سامي)، مع ابنتها جوري (ديمة قندلفت)، بجانب طبيب الأطفال يوسف (عباس النوري). تتطوّر الحكاية إثر سفر جوري بتاريخ يحدّده العمل في 22 تمّوز/ يوليو 2014، وعلى امتداد شهر من الزمن. تقول جوري: «ما بعرف إذا طالعة على الرحلة المزبوطة.. أو هي موضة الحلول اللي صاروا السوريين أشطر ناس فيها».
يضعنا حوار المسلسل المؤلف من ثلاثين حلقة أمام شاشة هادئة تزخر بتفاصيل همومنا، وكأنّ به لا يريدنا أن نعير انتباهاً لأصوات القذائف، أو لقهر المخطوفين، أو لمن يتربّص بلقمة عيشنا في الحرب. لا تتقدّم الكاميرا نحو الشخصيّات، بل تستعير لقطتها من دواخلهم، إلى جانب صور من ماتوا معلّقة على الجدار.
تعيش الصحافية جوري تجربة حياتيّة تبدأ باكتشافها بشاعة شخصيّة زوجها فوّاز (وائل رمضان)، في ليلة العرس. تقع يدها بالخطأ على الكومبيوتر المحمول الخاص به، لتتكشّف من خلاله رسائل العمل حول تجار الحرب والفساد والحب وعلاقات المصلحة والانهزام واليأس. تحمل شخصيّة جوري توجهاً إنسانياً يريد تصحيح خراب الضمير والأخلاق، لكنه غير كاف لمواجهة أحداث اكتفت بشهر واحد للتعبير عنها. تهرب ولا تكشف الحقيقة لأهلها، فيطلقون رحلة البحث عنها. تلتقي الطبيب يوسف، تنشأ لاحقاً علاقة حبّ بينهما. أيضاً نشاهد في العمل شباباً يصورون أفلامهم، أناس ينتظرون انتهاء الحرب، أحلام مهدورة، ثمّة من سافر وثمّة من يرغب بالسفر، ثمّة من قرّر البقاء واستمرار الحياة برغم الموت والألم.
لا يحقّق قنوع، كاتب العمل ومخرجه، صورة بديلة عن فكرة أو العكس، إنه يوائم بينهما. الأب المتوفى صورة معلقة، الأم حماية، البيوت أمكنة للتصوير، الأصدقاء والأخوة، والرسائل تأتي على لسان الشخصيات واضحة المعالم غير مزيفة، ونسأل أمام بساطتها: هل فعلاً هي حكايانا؟ نشاهد من هُجِّر من منزله ومن يبحث عن عمل أيضاً. تمضي حلقات النصّ إما بشخصيات مباشرة دالّة على الحدث، أو أخرى أخذت على عاتقها مونولوجات داخلية تحمل رسائلها معها، ما عدا محاسن (سمر سامي). تتمكّن هذه الأخيرة من إثارة المشاهد بفعل مقولات شديدة الواقعية والبساطة، تتعاطف مع الجميع وتشاركهم مشاكلهم.
لكن ثمّة تناقض يمكن التقاطه بين ما أُريد منه أن يكون معلناً وبين ما أُريد منه أن يكون رسالة. في مشهد يصوّر شباباً ينجزون فيلماً، «شو بتحب تقول للسوريين بنهاية الفيلم؟»، هنا تُطرح أسئلة كثيرة حول الغرض من مشاهد خرج بها النص عن مساره المعلن، بذهابه نحو قليل من التنظير. كما أنّ زمن البحث عن جوري يأتي طويلاً، وكأن كل شيء يجري بغيابها، لتكتفي هذه الشخصية بتقديم أسئلة حول الفساد من دون إجابات، وهذا يمكن أن يكون نتيجة انحياز مبطّن باتّجاه جوري بوصفها صاحبة الدور الرئيسي في الحدث. ليصبح شهر من عمر الأزمة شبيهاً بأشهر عدة سبقته أو أتت بعده.
صحيفة السفير اللبنانية