صحوة العشائر الصومالية في مواجهة حركة الشباب المتطرفة
صحوة العشائر الصومالية في مواجهة حركة الشباب المتطرفة… أعلنت ميليشيات صومالية متحالفة مع الحكومة قتل ما لا يقل عن 45 من مقاتلي حركة الشباب وقطع رؤوس بعضهم في ظل حمل المواطنين في مناطق وسط البلاد السلاح على نحو متزايد في وجه المسلحين، فيما يوصف بالصحوة العشائرية على غرار ما حصل في العراق وسوريا من صحوات عشائرية.
وجاء قطع الرؤوس السبت في أعقاب معركة في إقليم هيران بولاية هيرشبيلي حيث اندلع قتال كبير هذا الشهر بين حركة الشباب والميليشيات التي توسعت في الآونة الأخيرة والمتحالفة مع الحكومة الاتحادية.
وتقاتل حركة الشباب، وهي جماعة إسلامية مرتبطة بتنظيم القاعدة، الحكومة المركزية الضعيفة في الصومال منذ عام 2006، وتريد تنفيذ تفسير صارم للشريعة الإسلامية.
ويقول سكان إن حركة الشباب زادت من عمليات إضرام النيران في المنازل وتدمير الآبار وقطع رؤوس المدنيين في إقليم هيران وتطالب السكان فضلا عن ذلك بدفع ضرائب وسط أسوأ حالة جفاف منذ 40 عاما، وهو ما دفع المزيد من السكان إلى حمل السلاح.
واتفق محللون على أن الحكومة الصومالية تحاول استثمار ما تطلق عليها الثورة الشعبية ضد “حركة الشباب”، في بعض الولايات الفيدرالية لتتمكن من دحر التنظيم الإرهابي، واحتواء نشاطه في الجنوب والوسط على الأقل.
وبحسب المحللين، فإن عوامل عدة ساهمت في تفجر ثورة عشائرية مسلحة ضد حركة الشباب في بعض الولايات الفيدرالية.
من بين هذه العوامل الأزمة الإنسانية التي يعيشها المواطنون، إلى جانب الأوامر المتشددة والإتاوات غير الشرعية المفروضة عليهم في هذا الظرف الإنساني الصعب.
ناهيك عن هدم الآبار المعدودة، التي تشكل مصدر المياه الوحيد للقرويين، في ظل الجفاف الحاد الذي يضرب البلاد.
وأشاد الرئيس حسن شيخ محمود، في مؤتمر صحفي، عقد في 12 سبتمبر/أيلول الجاري، بما وصفها بالثورة العشائرية المسلحة، التي نتجت عن تراكم الاعتداءات التي يمارسها الإرهابيون بحق المواطنين وممتلكاتهم.
وأشار الرئيس شيخ محمود، إلى أن الحكومة ستستخدم كل وسائل الحرب لدحر الإرهابين في جميع أقاليم البلاد.
من جهتها، علقت السفارة الأمريكية في العاصمة مقديشو على العمليات الأمنية، التي تشهدها بعض الولايات الفيدرالية، قائلة إن “نهوض السكان في وجه الشباب، وبدعم من القوات الحكومية والفيدرالية، ستحرر الصومال من الدمار الذي سببه العنف المتطرف”.
وتشهد كل من الولايات الفيدرالية المحلية؛ هيرشبيلي، وجنوب غرب الصومال، وغلمدغ، عمليات أمنية بين القوات الحكومية ومليشيات عشائرية مسلحة من جهة، وبين مسلحي حركة الشباب من جهة ثانية.
وأدت هذه المواجهات إلى خسارة حركة الشباب، أكثر من 20 بلدة كانت تخضع لسيطرتها، بحسب وزارة إعلام محلية.
تزامن تفجر الثورة العشائرية المسلحة في وقت تستعد فيه الحكومة لإطلاق حرب ضد مسلحي الشباب، ما يضع الحركة في موقف ضعف لمواجهة جبهتين حربيتين مختلفتين، في آن واحد، بحسب محللين.
ويقول عبد القادر هاجر، المحلل في مركز “سهن” للبحوث، للأناضول، إن “الظرف الأمني الذي تعيش فيه حركة الشباب في هذا التوقيت، يشكل فرصة أمنية ثمينة للحكومة، في حال استثمرت تلك الفرص بطريقة استراتيجية وفعالة”.
وأضاف هاجر، “الثورة العشائرية المسلحة ضد مقاتلي الشباب في بعض الولايات الفيدرالية أظهرت أوجه ضعف قدراتهم الأمنية”.
وأوضح أنه تبين عدم قدرة مسلحي الشباب على المواجهة “أمام هذه الثورة، التي اندلعت نتيجة ممارستهم المتشددة، والضرائب الكبيرة التي تفرض على القرويين”.
وأشار المحلل السياسي، إلى أن “الاستراتيجية الأمنية الحكومية الحالية لدعم المليشيات العشائرية، تُغير مجريات الحرب المعهودة بين القوات الحكومية ومقاتلي الشباب”.
وبيّن أن “العشائر المسلحة بإمكانهم الوصول إلى مناطق لا يمكن للقوات الحكومية الوصول إليها، واستهداف عناصر الشباب في عقر دارهم”.
واعتبر هاجر، أن “الثورة العشائرية بمثابة فرصة نادرة للحكومة قد لا تتكرر ثانية، لأنها نابعة من تراكم الاعتداءات الإرهابية طيلة 15 سنة الماضية”.
وتابع أن هذه الثورة “تعكس مدى جاهزية الشعب للحد من ممارسة الإرهابيين، وعلى الحكومة دعم تلك المليشيات عسكريا”.
من جهته، قال عبد الرحمن يوسف، نائب وزير الإعلام، في تصريح صحفي، “حان الوقت لكي يسترد الشعب حقوقه وكرامته من الإرهابيين”.
وحذر يوسف، “كل من يحاول إجهاض هذه الثورة، من خلال إثارة النعرات القبلية بين القبائل التي تحارب حركة الشباب”.
وتابع إن “الحكومة تسعى جاهدة لتعزيز التعاون مع المواطنين من خلال دعم المليشيات المسلحة، لاجتثاث جذور الإرهابيين، وجعلهم يدفعون الثمن على أفعالهم الوحشية الإجرامية”.
ودعما لثورة العشائر المسلحة، حذر الرئيس شيخ محمود، الشعب من الاقتراب من مواقع مسلحي حركة الشباب، كونها هدفاً للقوات الحكومية، التي ستستخدم كل وسائل الحرب لدحر الإرهابيين، بما فيها الغارات الجوية.
تستمر التحالفات العشائرية المسلحة في كل من ولايات هيرشبيلي وغلمدغ وجنوب غرب الصومال، لمواجهة مسلحي حركة الشباب، وتحريرها من مناطق سكناهم.
فيما تستميت الحركة في إخماد هذه الثورة بالقوة من خلال القتل الجماعي والتخويف وهدم مصادر المياه في تلك الأقاليم.
يقول الأستاذ الجامعي أحمد يوسف، للأناضول، إن “هذه الثورة نتيجة تراكم الضغوط على المواطنين، وردة فعل من تصرفات مقاتلي الشباب”.
وأشار إلى فرض مسلحي الشباب، الإتاوات على المواطنين، وخاصة في هذا الظرف الإنساني، الذي يعاني نصف السكان من أزمة إنسانية حادة نتيجة الجفاف الذي ضرب البلاد.
وحول ما إذا كانت هذه الثورة العشائرية ستدفع الحركة للانسحاب من تلك الأقاليم، اعتبر يوسف، أنها “ستكون بمثابة ضربة قاضية للشباب”.
وأوضح “ليس للانسحاب فقط، وإنما إزالة نفوذها داخل القبائل، حيث كانت تمارس أنشطتها بكل أريحية من خلال عناصرها، لكن بعد الثورة لن يكن الأمر سهلا بالنسبة لها”.
وأردف “مقاتلو الشباب، كانوا يمارسون سياسة التخويف لتقويض قدرة أي عشيرة على الرد، لكن بسبب فتح جبهات العشائر المختلفة أمامها لم تتمكن حاليا من إخماد الثورة”.
ولفت المحلل السياسي إلى أن ذلك “أدى إلى تلقيها خسائر متلاحقة في ميادين القتال، ما سيؤثر سلبا على عملياتها النوعية ضد القوات الحكومية والمراكز العسكرية للقوات الإفريقية (أتميس)”.
وبحسب مصادر عشائرية، للأناضول، فإن مقاتلي الشباب اعتقلوا عشرات من السكان القرويين المنتمين إلى العشائر المسلحة في غلمدغ، واقتادوهم إلى أماكن مجهولة، لاستخدامهم كعامل ضغط ضد تلك القبائل.
لكن هذه الخطوة لم تغير مسار الثورة، وإنما ازدادت اشتعالا، حيث أعلنت تلك العشائر استعدادها لتحرير مناطقها من مقاتلي الشباب.
تشكل القبيلة بالنسبة لعناصر الشباب، بيئة مناسبة لتمرير أجنداتها والعيش فيها دون أي ملاحقات أمنية، وبعلم من سكان القبيلة.
ويستمر هذا الوضع ما دامت القبيلة في أمان، وغير مستهدفة بالعمليات الإرهابية التي تنفذها حركة الشباب، والتي غالبا ما تستهدف العاملين في الهيئات الحكومية، بحسب المحللين.
ويقول المحلل السياسي أبتدون عبدي، للأناضول، إن “الثورة العشائرية التي تشهدها بعض الولايات الفيدرالية تشير إلى أن حركة الشباب بدأت تخرج من عباءة القبائل”.
واستطرد عبدي، أن ذلك من شأنه أن “يتسبب في تداعيات كثيرة أمام حركة الشباب، في المرحلة المقبلة، وخاصة أمام الحرب التي أعلنتها الحكومة ضدها”.
وأضاف أن “عامل القبيلة كان من أبرز الأسباب التي ساهمت في بقاء مقاتلي الشباب طيلة الفترة الماضية وصمودها أمام القوات الحكومية والإفريقية”.
وأوضح عبدي، أن “الحركة كانت تعيش مع القبائل بصورة رسمية أو غير رسمية، وكانت تتفادى دائما استهداف قبيلة بعينها، نظرا لحساسية هذا الأمر بالنسبة للصوماليين”.
ومضى قائلا “لكن بعد ممارساتها وأفعالها المتشددة الأخيرة، كتجنيد الأطفال بالقوة، وتهديد حياة القرويين وممتلكاتهم، في ظل هذه الأزمة الإنسانية، يبدو أن الحركة ستخسر ثقة القبائل ما سيؤثر عليها اقتصاديا وأمنيا في المرحلة المقبلة”.
وتوقع عبدي، أن تواجه حركة الشباب، عقبة كبيرة في المرحلة القادمة، حتى عند تنفيذ عملياتها الأمنية. وأوضح “كان مقاتلو الحركة يتنقلون بأريحية من منطقة لأخرى دون عقبات وخاصة عند تنفيذ الهجمات النوعية التي تستهدف المنشآت والمراكز الحكومية، بينما لا يمكنهم في المرحلة المقبلة النشاط بين تلك القبائل، وتنفيذ مهامهم الأمنية كالاغتيالات”.
وأشار عبدي، إلى أن “تسجيل أبو مصعب، الناطق باسم عمليات الشباب، حول عدم نية الحركة في استهداف قبيلة بعينها، يعكس مدى خطورة هذه الثورة العشائرية على أنشطة الحركة في المرحلة المقبلة”.
لكن المراقبين يتفقون على أن أي انتصار على حركة الشباب في المعركة الحالية، يتوقف على الاستراتيجية التي ستعتمدها الحكومة لاستغلال هذه الهبة وتطويعها لصالح الحكومة.