صدفة… !!!
كنت بانتظار تكسي تقلني إلى الفندق حيث ينتظرني زوجي لنقضي بضع أيام استجمام في بودابست عاصمة هنغاريا .. حين التقيتها صدفة لنتشارك التكسي نفسه، بعد أن قال السائق أنه مستعد ليقلنا معاً مقابل تقسيم التسعيرة علينا نحن الاثنتين ،خاصة أنها ذاهبة في نفس الاتجاه.
لم أمانع … بالعكس شعرت بالراحة للرفقة والتوفير .. !!
لم يكن يجمعنا شيء مشترك .. جلسنا على طرفي المقعد الخلفي ننظر إلى الخارج كل من شباكه.. لتبادرني الحديث بلكنة انكليزية شرقية ..
من أين أنت .. ؟؟ أجبتها من سوريا .. وأنت .. ؟؟
من بلغاريا .. هل أنت في عمل ؟
قلت لها: لا في سياحة ..
وبدأنا نتجاذب أطراف الحديث ..لتخبرني عن حياتها .. وطلاقها من زوجها، ومعاناتها مع ابنها المصاب بالتوحد، ومحاولتها اللقاء بصديق جديد ومخاوفها من فشل علاقتها به بسبب وضع ابنها الحساس .. وكيف أنها أجرت فحوصات سرطان الثدي وتنتظر النتيجة وهي في حالة قلق وترقب .. لأخبرها بدوري عن نفسي وعن زوجي وأولادي وعائلتي .. وعن وفاة أبي المفاجئة التي ما زلت أعاني من صدمتها إلى اليوم ولأشعر ببعض الدموع تنمهر من عيني .. لنتحدث عن فلسفة الموت والحياة .. ونغوص في حديث عميق تجاوز الساعة .. !!
كنت أشعر براحة غريبة وتعاطف وأبادلها صدق مشاعرها .. وهي تعبر لي بدورها عن امتنانها لإصغائي وتعاطفي معها. توقفت سيارة الأجرة ونزلت منها بعد أن ودعتني بكلمات طيبة .. لتقول .. شكراً .. وذهبت دون أو أعرف اسمها .. !!
ذهبت وقد أخذت معها جزءاً مني .. وأخذت جزءاً منها .. ذهبت وأنا أشعر بشيء غريب من المفاجأة والمحبة تغمرني وكأني أفرغت حملاً ثقيلاً أخذته عني …. وصلت الى الفندق وأنا سعيدة ومرتاحة .. فقد شاركت إنسانة لا يجمعني بها شيء .. لا شيء سوى ساعة على طريق سفر .. شاركتها بأحاسيسي ومشاعري فاحترمتها واحترمتني .. لنقدم لبعضنا البعض بعض الدفء والدعم .. ومضت إلى غير رجعة دون أن نتبادل أي معلومات خاصة تجعلنا نتواصل مستقبلاً.
جمعتنا لحظات إنسانية فقط … مجرد صدفة إنسانية .. لتترك بقلبي أثراً عميقاً آمل أنني تركت ما يماثله عندها ..
شعرت للمرة الأولى أنني أعيش فعلاً لحظة تعاطف بإحساس إنساني نقي ، يختصر المسافات والاختلافات والفروقات البيئية والفكرية والثقافية، ويجعلنا نشعر بالآخر دون أن نكون حذرين ومتوجسين !!
صدفة مرت منذ فترة ليست بقصيرة أتذكرها كثيراً هذه الأيام ليبقى إيماني أن الانسانية لن تسقط ولن تتحول إلى مجرد شعارات للتجارة والدعاية والاعلام.
نعم .. أتذكرها .. وأكتبها .. لتبقى صدفة جميلة ..لحظة مشاركة إنسانية حقيقية … لن تموت .. !!