صفقة التقارب الفرنسي الجزائري أبعد من مجرد تطبيع للعلاقات
تذهب صفقة التقارب الفرنسي الجزائري إلى أبعد من مجرد تهدئة للخواطر وطي صفحة التوترات بين البلدين، فيما يرجح أن تكون شملت عدة ملفات من بينها دعم الجزائر لفرنسا العالقة في منطقة الساحل الإفريقي وضمانات فرنسية أو وعود بكبح أنشطة حركتي ‘رشاد’ الإسلامية و’الماك’ الانفصالية.
واختتم الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون زيارة من ثلاثة أيام للمستعمرة الفرنسية السابقة بعد أشهر من التوترات وضمن جهود لفتح صفحة جديدة في العلاقات وتوسيع مجالات التعاون بما يشمل معالجة عدة ملفات خلافية عالقة، لكن يبدو أن ثمة صفقة طبخت على نار هادئة بين الطرفين.
ولم تتضح تفاصيل الصفقة غير المعنلة لكن يرجح أنها شملت ملف حركتي ‘رشاد’ و’الماك’ اللتين تنشطان في الأراضي الفرنسية وتقودان من حين إلى آخر احتجاجات مناهضة للنظام الجزائري وتتهمهما الجزائر بـ’الإرهاب’.
ويحتاج الرئيس الفرنسي الذي يواجه وضعا اقتصاديا وسياسيا صعبا، لفتح منافذ أوسع وتعزيز العلاقات مع الجزائر بعد سلسلة نكسات عسكرية لمهمة برخان والتي انتهت بانسحاب القوات الفرنسية من مالي إلى النيجر تاركا الباب مكرها على مصراعيه لتمدد النفوذ الروسي.
وفي المقابل تحتاج الجزائر إلى تحرك فرنسي لكبح نشاطات حركتي ‘رشاد’ الإسلامية و’الحركة من أجل تقرير مصير في منطقة القبائل’ المعروفة اختصارا باسم ‘الماك’ والتي تتهمها السلطات الجزائرية بالوقوف وراء موجة حرائق في العام الماضي في منطقة تزي وزو.
وتقيم الحركتان في فرنسا ولهما نشاطات واسعة من ضمنها تلك التي تعلقت بتأجيج احتجاجات الجزائريين في باريس وعدة مدن فرنسية ضد النظام الجزائري في ذروة حراك 2019.
والحركتان مصنفتان من قبل السلطات الجزائرية ضمن التنظيمات الإرهابية وتطالب الجزائر فرنسا بتسليم قادتهما، بينما تطالب منظمات حقوقية فرنسية وجزائرية معارضة (في الخارج) الرئيس الفرنسي بعدم تجاهل ما تقول إنها “انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان” من قبل النظام الجزائري.
وتفادى الرئيس الفرنسي خلال زيارته للجزائر إثارة ملف حقوق الإنسان فيما سبق له أن ندد خلال ولايته الرئاسية الأولى بقمع الحراك الجزائري.
وكان لافتا أن الرئيس الجزائري ونظيره الفرنسي ترأسا خلال اليوم الأول من الزيارة اجتماعا أمنيا هو الأول من نوعه حضره عن الجانب الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش والمدير العام لمكافحة التخريب والمدير العام للأمن الداخلي والمدير العام للوثائق والأمن الخارجي وحضر عن الجانب الفرنسي وزير الجيوش سيبستيان لوكورنو والفريق أول تييري بوركار رئيس أركان الجيوش والمدير العام للأمن الخارجي.
ويشير هذا الاجتماع إلى طابع الزيارة وأولويات ماكرون في ظل تعثر جهوده في منطقة الساحل، بينما تتوجس الجزائر من وجود منظمات مناوئة للنظام على الأراضي الفرنسية من بينها ‘رشاد’ و’الماك’.
وأعلن المتحدث باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران الأحد غداة زيارة الرئيس ايمانويل ماكرون إلى الجزائر أنّ “إعلانات ستصدر قريبا” عن زيادة محتملة لشحنات الغاز الجزائري إلى فرنسا، فيما سبق لباريس أن أعلنت أن الزيارة لا تشمل طلبا لزيادة في شحنات الغاز، بما يعني أن الأمر تم مناقشته خلال المباحثات ولم يكن مدرجا على جدول الزيارة.
واستثمرت الجزائر في شح إمدادات الغاز إلى أوروبا على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات التي فرضها الغرب على روسيا ردا لذلك، لتستخدم الغاز كأداة ضغط لأهداف سياسية وسبق أن اختبرت ذلك مع اسبانيا بعد إعلان مدريد دعمها لمقترح الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية واعتبرته حلا واقعيا ومنطقيا، بينما يدعم النظام الجزائري الطرح الانفصالي الذي ترفعه جبهة البوليساريو.
وغير بعيد عن هذا التوظيف، يُرجح أن الجزائر استخدمت ورقة الغاز في ابتزاز فرنسا في ملف ‘رشاد’ و’الماك’ وهذا الملف يعتبر في باريس شديدة الحساسية لارتباطه بمبادئ وقيم الجمهورية المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات.
وأفادت إذاعة أوروبا 1 أن مفاوضات جارية حاليا بين مجموعة الطاقة الفرنسية ‘إنجي’ التي كانت رئيستها كاترين ماكغريغور من بين أفراد الوفد الرسمي المرافق لماكرون ومسؤولين جزائريين لرفع الزيادة إلى 50 بالمئة من الكميات الحالية.
وقال فيران على قناة ‘بي اف ام تي في’ “لا أستطيع تأكيد ذلك”، بذريعة أنه “لا يعلق على معلومات متعلقة بالخارجية الفرنسية والخارجية الجزائرية”، لكنه أضاف أن “إعلانات ستصدر قريبا”، مؤكدا حصول “تقارب في إطار زيارة” ايمانويل ماكرون التي بدأت مساء الخميس واستمرت حتى بعد ظهر السبت.
وشدد الرئيس الفرنسي خلال زيارته على أن “فرنسا تعتمد بنسبة قليلة على الغاز في احتياجاتها من الطاقة أي حوالي 20 بالمئة، وفي المجموع تمثل الجزائر 8 إلى 9 بالمئة”، مضيفا “لسنا في وضع حيث يمكن للغاز الجزائري أن يغير المعطيات”، مشيرا إلى أن فرنسا “ضمنت احتياجاتها” لفصل الشتاء والمخزونات في حدود 90 بالمئة.
وأبرمت الجزائر مؤخرا اتفاقيات مع إيطاليا لزيادة شحنات الغاز بحلول نهاية العام عبر خط أنابيب الغاز ترانسميد. وأصبحت المورد الأول لإيطاليا متقدمة على روسيا، بعد غزو أوكرانيا.
ومنذ بداية عام 2022، زودت الجزائر إيطاليا بـ 13.9 مليار متر مكعب، متجاوزة الكميات المتفق عليها سابقا بنسبة 113 بالمئة.
وتعد الجزائر أول مصدّر للغاز في افريقيا وتمد أوروبا بنحو 11 بالمئة من احتياجاتها وقد أعلنت استعدادها لزيادة الشحنات للشركاء الأوروبيين لكنها قالت شأنها في ذلك شأن قطر، إنه لا يمكنها سد الفجوة الناجمة عن تقلص الإمدادات من الغاز الروسي.